أبحاث ندوة «الرحالة العرب والمسلمون» في كتاب جديد حول أدب الرحلة وعلم الجغرافيا

TT

في إطار تنظيم وزارة الثقافة المغربية والمشروع الجغرافي العربي (ارتياد الآفاق) أبو ظبي ندوة «الرحالة العرب والمسلمون، اكتشاف الآخر:المغرب منطلقا وموئلا»، بالرباط بالمغرب من 14 إلى 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، في إطار الاحتفاء بالرباط عاصمة الثقافة العربية لهذه السنة، وفي أفق السنة الدولية لابن بطوطة 2004 (المائة السابعة لميلاده)، وهي الندوة التي عرفت مشاركة مجموعة من الباحثين والمهتمين بالرحلة والرحالة العرب، من المغرب ولبنان والسودان وسورية وموريتانيا ومصر وتونس والعراق، بهذه المناسبة، إذن، أصدرت الجهتان المنظمتان لهذه الندوة بعض الكتب الموازية، منها كتب عن بعض الرحلات التي تم تحقيقها من قبل باحثين من المغرب وعمان، وصدرت ضمن منشورات سلسلة «ارتياد الآفاق» و«سندباد الجديد»، وهي الكتب التي حصل محققوها، بالمناسبة، على جائزة ابن بطوطة (للمخطوطات وللرحلة المعاصرة)، إلى جانب صدور كتاب ضخم، يقع في 473 ص من القطع الكبير، عن منشورات وزارة الثقافة المغربية، ضمن سلسلة ندوات، يضم نصوص البحوث المقدمة في أشغال هذه الندوة، جاء حاملا لموضوع الندوة كعنوان يشتمل الكتاب على ستة مباحث أساسية، يضم كل مبحث منها مجموعة من المداخلات، بحسب التوزيع الذي اختاره لها المنظمون لأعمال هذه الندوة، بحسب الموضوعات، والذي جاء على النحو التالي:

الأنا والآخر: اكتشاف وإعادة تقويم: ويضم أبحاث أكاديميين مغاربة، هي: «الآخر في الرحلة المراكشية لابن الموقت» لأحمد اليبوري، و«أوربا الرحالين المغاربة» لسعيد بن سعيد العلوي، و«مسألة الانتماء من خلال رحلة التمكروتي إلى القسطنطينية سنة 1590م» لعبد اللطيف الشاذلي، و«الأنا والآخر في رحلة الشهاب الحجري: نحو حوار بين حضارتين» لمحمد رزوق.

الأنا والآخر: رؤى وصور: ويضم أبحاثا لمساهمين جلهم من المغاربة أيضا، ويتعلق الأمر، هنا، بـ«المرأة عند ابن بطوطة» لعبد الهادي التازي، و«صورة المرأة الغربية في الرحلة المغربية إلى أوربا» لسليمان القرشي، و«وصف الرحالة المسلمين للصور والتماثيل» لحسام أحمد مختار العبادي (من لبنان)، و«وصف صنائع الفرنج وحيلهم العجيبة للجعيدي»، و«الرحلة المغربية إلى أوربا: النص والصورة» لشعيب حليفي.

جغرافيا الآخر: أداء مسح، تاريخ: ويضم الأبحاث التالية: «النوبة والبجة في المصادر العربية عند كراتشوفسكي» لمحسن خالد (من السودان)، و«جزائر الواق الواق: استطلاع المكان وقراءة في النصوص» لعلي كنعان (من سورية)، و«حاضرة تنبكتو: تاريخها، منجزها الحضاري وصورتها في مرايا الرحالة» لمحمد ولد عبدي (من موريتانيا)، و«البلدان الأسيوية غير العربية في القرن 8 هـ/ 14م من خلال رحلة ابن بطوطة» للحسن شاهدي (من المغرب المغرب منطلقا وموئلا: ويشتمل على أبحاث لمتدخلين جلهم كذلك من المغاربة، ويتعلق الأمر بـ«الرحالة العرب والمسلمون من المغرب وإليه» لعبد العزيز بن عبد الله، و«نظرة أهل المغرب والأندلس نحو القدس» لأحمد مختار العبادي (من مصر)، و«صور من تامسنا في مرآة رحلة» لمحمد مفتاح، و«الرحلة المعينية نموذج متميز في الأدب الجغرافي في الصحراء المغربية» لمحمد الظريف، و«أوربا في حضرة السلطان» لخالد بن الصغير الرحلة العربية: فن المدهش والغريب: ويضم الأبحاث التالية: «حركة المسافر وطاقة الخيال: دراسة في المدهش والعجيب والغريب» لمحمد لطفي اليوسفي (من تونس)، و«البعد الروحي والغرائبي في رحلة «إحراز المعلى والرقيب» لمحمد بوكبوط (من المغرب)، و«رحلات إلى العالم وأوهام تجربة قرية في سهل تادلة» لعبد الكريم جويطي (من المغرب)، و«ابن فضلان: مقدمة عن رحلته وملاحظات عن دارسيه» لشاكر لعيبي (من العراق).

الرحلة العربية: سؤال التحديث والإصلاح: ويشتمل على أبحاث لمساهمين معظمهم من المغرب، وهي: «تجليات الحداثة الأوربية وتأويلها في النصوص المبكرة للرحالين العرب إلى الغرب» لقاسم وهب (من سورية)، و«مرآة الغيرية وأسئلة التحديث في الرحلات السفارية المغربية من القرن 18 إلى مطلع القرن 20» لعبد النبي ذاكر، و«سؤال التحديث لدى محمد بن الحسن الحجوي انطلاقا من رحلته الأوربية» لسعيد الفاضلي، و«الدعوة إلى إصلاح المجتمع من خلال الرحلة المراكشية أو مرآة المساوئ الوقتية لابن المؤقت المراكشي» لحسن جلاب، و«معجم التواصل واللاتواصل في الرحلة المغربية السفارية (الديبلوماسية) أثناء القرن 19» لعبد الرحيم مؤدن.

ومن خلال قراءة في مجموع أبحاث هذا الكتاب، سوف نلمس عن كثب مدى ما تقدمه لنا من صور وتعاريف وتصنيفات ووظائف وقراءات جديدة لهذا الجنس الأدبي الذي هو «أدب الرحلة»، وإن رأى آخرون في هذا التصنيف نوعا من التعسف، على اعتبار أن «الرحلة»، في نظرهم، هي خطاب مخصوص له منطقه الذاتي وبناؤه ومكوناته وعناصره (سعيد بنسعيد العلوي، ويشاطره في الأمر الحسن شاهدي في تعرضه لموضوع "تجنيس الرحلة" ضمن هذا الكتاب)، ويتم مقاربة ذلك، في هذه الأبحاث، من خلال بعض الرحلات العربية إلى الغرب والشرق الأقصى، من منظورات وزوايا بحث مختلفة، من شأنها أن تقرب القارئ العربي والغربي، على حد سواء، من طبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين العرب والغرب، ومن طبيعة الحوار الذي كان سائدا بين حضارتين أو أكثر، وكذا من النظرة التي كانت قائمة لدى الرحالة العرب لـ«الآخر»، في تعدد صوره، كما تعرضت لذلك بعض هذه الدراسات، وخصوصا منها دراسة الباحث المغربي أحمد اليبوري في تحليله للرحلة المراكشية لابن الموقت، هذا «الآخر»، أيضا، الممثل بالدرجة الأولى ـ في الرحلات التي تمت قراءتها في هذه الندوة ـ في أوربا (وتحديدا إسبانيا وفرنسا وانجلترا..) والسودان ومصر والشام والأندلس والحجاز، وبلدان المغارب الثلاث، والهند واليابان، إلى جانب تمكن هذه الدراسات، كذلك، من الكشف عن بعض الجوانب الخفية، وغير المطروقة، في هذه الرحلات، كتلك المتعلقة بالبحث في العلائق التناصية بين إحدى الرحلات وبعض المؤلفات الأخرى، غير الرحلية، والبحث في بعض الصور المهيمنة في بعض الرحلات العربية، وخصوصا منها «صورة المرأة»، العربية والأوربية، وإبراز دورها ومركزها في المجتمعات التي تنتمي إليها، كما في رحلة ابن بطوطة، وفي بعض الرحلات المغربية الأخرى إلى أوربا، وكذا البحث في استراتيجيات الكتابة السردية في بعض الرحلات، وقراءة بعض المكونات الرحلية، كالمدهش والغريب والعجيب، وسؤال الحداثة والتحديث في الرحلات السفارية إلى أوربا، والبحث في معجم الألفاظ والمصطلحات الرحلية من خلال الرحلة المغربية السفارية.. وغيرها من الجوانب البحثية الأخرى التي عملت مختلف هذه الأبحاث على مقاربتها، انطلاقا مما توفره تلك الرحلات من إمكانات كبيرة وعديدة للتنظير والتحليل والقراءة، من منطلقات منهجية مختلفة أيضا. ومن بين الملاحظ، هنا، بصدد مجموع المساهمات التي قدمت خلال هذه الندوة، وضمها هذا الكتاب، كونها يغلب عليها الجانب المغربي من حيث عدد الأبحاث والمساهمين في الندوة وفي الكتاب معا، وهو اعتبار يؤشر على مدى الأهمية التي يحظى بها البحث في الرحلة عموما، لدى الباحثين المغاربة تحديدا، وليس ذلك بالأمر الغريب، مادام أن المغرب قد أنجب العديد من الرحالة، القدماء والمحدثين، الذين دونوا رحلاتهم، ومن أشهرهم، في هذا الإطار، الرحالة المغربي ابن بطوطة، وهو ما قد يبرر، في الآن ذاته، بروز مجموعة من الباحثين الجامعيين الذين يُعنون اليوم بالبحث في الرحلات وفي معاجمها، والتخصص في تحقيقها أيضا، ومن بينهم باحثين مغاربة حصلوا على جوائز مهمة في هذا المجال، سواء من قبل، أو بمناسبة تنظيم هذه الندوة: محمد بوكبوط، سعيد فاضلي، عبد الرحيم مودن..، وهو ما دفع بالقيمين على المشروع الجغرافي لارتياد الآفاق، الذي يشرف عليه بتفان الشاعر نوري الجراح، إلى إيلاء الكثير من الاهتمام لهذا القطر العربي، اعتبارا لغنى موروثه الأدبي والجغرافي من المخطوطات والرحلات في جغرافيات «الآخر»، وكذا نهوض «المشروع الجغرافي» بالكشف عن الإرث الأدبي والجغرافي العربي الواسع الذي ساهم كل من المغرب والمشرق في إنجازه عبر ما يربو على ألف سنة من ترحال العرب والمسلمين، سواء من حاضرات الجزيرة العربية وبغداد، أو من مدن الأندلس والمغرب، الأمر الذي جعل العرب والمسلمين، يضيف نوري الجراح، في تقديمه لأشغال الندوة، يتركون وراءهم إرثا من المخطوطات المصنفة في أدب الحلة والعلوم الجغرافية على تنوعها، وكلها تحمل تصورات ومعلومات وأفكارا عن الآخر في عمرانه ومعاشه وتقاليده وثقافته وأحواله، وهي موضوعات تزداد أهمية وخطورة في ظل الصراع العالمي الراهن والتشويه المتعمد الذي تتعرض له صورة العرب والمسلمين في العالم بعد أحداث 11 سبتمبر، بصفتهم أهل قطيعة ونفي للآخر، وليسوا أهل حوار وتعايش ومشاركة في بناء الحضارة الإنسانية.