الناشر علي عبد الحميد: نصيب الراقصات في إعلامنا أكبر من نصيب المثقفين

صاحب مركز الحضارة العربية للنشر والتوزيع بالقاهرة: الإنسان العربي لايقرأ لأنه محبط ومثقل بمرارة سياسية

TT

يرى علي عبد الحميد صاحب مركز الحضارة العربية للنشر والتوزيع بالقاهرة ان دوره لا ينحصر فقط في كونه مجرد ناشر، بل إنه شريك لهموم المثقفين وأحلامهم. وقبل أن يكون ناشراً، انخرط عبد الحميد في النشاط السياسي في منظمة الشباب الاشتراكي، وشارك في الحركة الطلابية في الاعوام 71 و72 و73 وانتخب عضوا في اللجنة الوطنية للطلاب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، كما اعتقل في عهد السادات عقب احداث 18 و19 يناير (كانون الثاني) 1977، واتهمته السلطات مع 15 من زملائه بتأسيس التنظيم الناصري المسلح والتخطيط لاغتيال السفير الاسرائيلي، وطالبت باعدامه الى ان حكم ببراءته في 1988 إلا ان رئيس الجمهورية ألغى الحكم وأعيدت محاكمته، وبريء غيابيا في 1990/2/11. حول دور المثقفين، وقضايا النشر ورؤيته ودوره كناشر من خلال مركز الحضارة العربية كان هذا الحوار:

* في البداية أرى صور جمال عبد الناصر تنتشر حولك في أرجاء المكتب، هل هذا معناه توجه معين في النشر؟ ـ لي رؤيتي السياسية، وهي أنني أنتمي للتيار الناصري، أنا عروبي، أؤمن بالفكرة العربية القومية والتي جسدها طيلة السنوات الماضية الزعيم جمال عبد الناصر، أنتمي لهذا الجيل الذي نشأ في حضن ثورة 23 يوليو 1952 بكل ايجابياتها وسلبياتها بكل انتصاراتها وانكساراتها، بكل ما تحمله من زخم، وبالتأكيد فإن هذا الانتماء ألقى بظلاله على تجربتي في انشاء مركز الحضارة العربية للنشر والتوزيع ويتضح بداية من عنوان المركز. فالتسمية واضحة الدلالة (الحضارة العربية) لأني أنتمي لهذه الأمة العربية، أنتمي لحضارتها، وبالتالي فأنا أحاول أن أسهم في ذلك، ومن ناحية أخرى، تلقي التسمية على عاتقي واجب أن أنشر لكل الكتاب العرب. صحيح اننا ننشر ما يؤكد انتماءنا للفكر القومي من خلال بعض الاصدارات السياسية، لكن هذا الانتماء لا يشكل قيدا على حرية الابداع، فنحن ننشر لكل الآراء وان اختلفنا معها.

* تقول انك تنشر لكل الأفكار، هل معنى هذا انك تركت توجهك السياسي جانبا، وأصبح النشر بالنسبة لك مشروعا تجاريا؟

ـ كنت منتمياً لفترة طويلة للعمل العام، والحركة السياسية، المؤسف انني خرجت بنتيجة أن الحركة السياسية في مصر والوطن العربي لا تقدم شيئا، والوضع أصبح مأساويا جدا، وما أثار اهتمامي بالحركة الثقافية والنشر هو احساس بعدم جدوى العمل السياسي في هذه المرحلة نظرا لأمراض كثيرة تحيط به ولسيطرة الحكومات وتسلطها. دعاني كل هذا للدخول في مجال الحركة الثقافية لأحاول من خلال هذا المجال ان أثري الدور السياسي في اطار تنمية وتشجيع الابداع والمبدعين وحق الجميع في الاختلاف، رغم العقبات الكثيرة التي نواجهها.

* سأعيد سؤالي بصيغة أخرى، يقال ان الناشر يكسب قبل أن ينشر بمعنى أنه يأخذ ثمن النشر من المبدع قبل الطباعة، مارأيك في هذا؟

ـ توجد أزمة نشر حقيقية خاصة في مجال الأعمال الابداعية، فنحن أمام قارئ عربي يواجه مشكلات عديدة، فهو لا يجد قوت يومه، ويوجد ضعف في القوة الشرائية بشكل عام ووقت محدد ونتيجة لانشغاله بالعمل ليل نهار، ناهيك عن ضعف حالة الولاء والانتماء وإحساسه بالإحباط الشديد، هذا ضمن عوامل أثرت على تسويق الكتاب والكتاب الابداعي بشكل خاص، وهذا دفعنا للوصول الى صيغة خاصة مع المؤلف ان يسهم بمبلغ مالي يمكننا من نشر الكتاب، وهو ما يشتري في مقابله عددا من النسخ التي يهديها الى أصدقائه من الكتاب والصحافيين. وهنا لي وقفة فالكتاب والادباء لا يشجعون بعضهم على شراء أعمالهم، فلو ان كل كاتب بادر باقتناء نسخة من اعمال اصدقائه فإن هذا سيحدث بعض الرواج، ولكن الجميع يفضل اهداء الكتاب من المؤلف، والكتاب الأدبي لا يفي ولا يغطي تكاليفه، وبالتالي فلا نستطيع ان ننشر بدون مساهمة المؤلف، وفي هذا المجال اذا أرادت المؤسسات الثقافية الحكومية تشجيع الكتاب والمبدعين فعليها أن تزود مكتباتها والمكتبات العامة بنسخ من كل اصدار جديد.

في مصر، مثلاً ، يوجد على مستوى المحافظات والمدن الكبرى ما لا يقل عن 2000 مكتبة عامة متوزعة داخل كل مدرسة وجامعة، فلو أن كل مكتبة اقتنت نسختين فقط، فهذا يساوي 4 آلاف نسخة، مما سيحدث رواجا، ولكن المؤسسات الثقافية ـ للأسف ـ في واد وحركة النشر في واد آخر.

* اذا كان هذا الكلام ينطبق على الكتاب الشبان، لماذا إذن يلجأ الكتاب الكبار الى النشر على حسابهم الخاص؟

ـ القاعدة العامة تقول ان الكتاب عموما، والكتاب الأدبي خاصة في حالة تراجع في التسويق، توجد بعض الاستثناءات القليلة لبعض الكتاب الكبار الذين يبيعون، لكن الشباب لا بد ان ينشروا على حسابهم الخاص حتى يصلوا الى درجة من المعرفة لدى القارئ ووقتها ستبادر المؤسسات الثقافية الخاصة والعامة لنشر كتاباتهم، وحتى يكون هناك مناخ صحي للنشر لا بد من مشروعات مشجعة على ذلك، ان ترفع الحكومة عن كاهل المبدعين العبء المادي، ولا تستطيع دور النشر الخاصة أن تنشر للكتاب دون مقابل، لأن ذلك سيعرضها لخسائر، فالعبء عبء المؤسسات الحكومية.

* هل لانخفاض أسعار كتب مكتبة الأسرة أثر عليك كناشر؟

ـ مكتبة الأسرة فكرة جيدة وتعبر عن دور الدولة بشكل أو بآخر وان تغيرت الاسماء، هيئة قصور الثقافة، أو هيئة الكتاب، أو مكتبة الأسرة، ومؤسسات الدولة الثقافية في الستينيات كانت تطرح الكتب بشكل أرخص بكثير فكان سعر الكتاب قرشين، وأغلى سعر لكتاب عشرة قروش وفي كافة مجالات المعرفة وهذا دور الدولة الذي تقوم به منذ القدم، لأنها يجب ان توفر الكتاب لأن الثقافة ليست كبقية السلع فهي تحتاج الى دعم المؤسسات الثقافية العامة والخاصة، ومشروع مكتبة الأسرة امتداد بشكل أو بآخر لهذا الدور وان كانت لدي بعض التحفظات.

* على انخفاض أسعار الكتب؟

ـ لا أتحفظ على هذا لأن هذا دور الدولة ولا يملك أي ناشر خاص أن يتحفظ على هذا، إنما اتحفظ على الاختيارات التي تنشر وأيضا على مساحة العدالة في التعامل مع دور النشر، حيث ان الاختيارات تعتمد على المجاملة والمحسوبية ومكتبة الأسرة تنحاز الى أسماء بعينها، فالعدالة غير موجودة، حيث يقتصر النشر على كتاب معينين ودور نشر معينة.

* أصبح للأزهر دور في عملية الرقابة بعد أزمة الثلاث روايات، هل هذا يضعك في مأزق مع الكتاب؟

ـ لا، فأنا أنشر بدون قيود، وبشكل عام أنا ضد أي رقابة على الكتاب من أي مؤسسة دينية أو سياسية، فالرقيب يجب ان يكون هو ضمير الكاتب وفي اطار رؤيته للمجتمع وقيمه، ودون إهدار للقيم، وبالنسبة لي فلم أعرض أي كتاب على مؤسسة رقابية ولن أعرض، وأي كتاب أشعر ان هناك اشكالية رقابية فيه أتشاور مع المؤلف حتى نصل الى صيغة مناسبة.

* إذن ما هي الممنوعات بالنسبة لك كناشر؟

ـ أهم قيود النشر هي نفسها قيود حرية الفكر، فنحن ننتمي الى مجتمعات شديدة الحرص على السلطة، تتعسف فيها الانظمة الحاكمة ضد حرية المواطن وتمارس قيودا على حق التعبير وحق التفكير وبأساليب مختلفة، وبشكل عام فليس لدي قيود لكن لا بد لأي كاتب ان يراعي القيم الاساسية لاي مجتمع، ولا بد أن يستمع الى صوت ضميره وصوت شعبه ويعبر عن مشكلات هذا المجتمع، فالثقافة ليست كلاما في الهواء ولكنها تعبير عن تطلعات الناس الى أفق أفضل.

* في رأيك، ماهي الاسباب التي حالت دون شهرة الأجيال الجديدة من الكتاب، هل للحرية دور في ذلك أيضا؟

ـ سأقول لك، في فترة الستينيات كان هناك ازدهار في الثقافة، كانت هناك حالة حراك سياسي وثقافي واقتصادي واجتماعي وفكري، كان هناك مجتمع يخوض معارك ضخمة، وكانت هناك حالة تحرر اقتصادي وطني اجتماعي، وهذا الحراك خلف حالة اهتمام في كافة المجالات ومنها الثقافة، كان الاهتمام من جانب الدولة بجميع مؤسساتها واضحا، وكان المثقف والكاتب في مقدمة الاهتمامات في اطار عيد العلم وعيد الثورة وغير ذلك، وكان نصيبه أكبر من الوقت الحالي بكثير، الذي أصبح فيه نصيب الراقصات أعلى من أي أحد آخر، وهذا هو الفارق في الستينيات كان الاهتمام بالثقافة والآن الاهتمام بالفيديو كليب، وبالاضافة الى ان تلك الفترة كانت تشجع المفكرين والمبدعين، والآن النتيجة واضحة، نحن نعاني من فقر ثقافي وفقر في الحرية، وفقر في أشياء كثيرة.

* ماهي أسباب تراجع الكتب الأدبية في مقابل ازدهار كتب من نوعية: الجن والعفاريت، ومثلث برمودا، والجنس؟

ـ اعتقد ان التراجع في تسويق الكتاب عام، لان التراجع الحقيقي في القراءة، التراجع شامل لأن القراءة والثقافة تزدهر من خلال انسان يحلم ويأمل ويفكر ويثق في المستقبل ويحاول من خلال هذه القراءة والاطلاع ان يصنع وطنا جميلا، أما الانسان العربي الآن فهو محبط ومثقل بمرارة سياسية شديدة ولا يرى ان هناك أملا، فلماذا يقرأ، الكتاب الذي يباع الآن هو الكتاب المتخصص فقط، أما القراءة من أجل القراءة فأراها متدنية.

* بصراحة، هل هناك كاتب في مصر يبيع؟

ـ هذا أمر محدود جدا، هيكل كان في الماضي يبيع ربع مليون نسخة في مصر والعالم العربي أو يزيد، أما الآن ماذا تبيع كتبه، طبعا هذا الأمر ينطبق على جميع الكتاب حتى نجيب محفوظ، وبامكانك أن تسأل نجيب محفوظ شخصيا، وقد اعترف ناشره بذلك.

* أراك تربط الثقافة بالسياسة، هل هما متلازمتان؟

ـ حركة المجتمع بشكل عام مترابطة، فالقراءة تزدهر من خلال مجتمع مزدهر، المجتمع العربي الآن تسوده نخبة سياسية واقتصادية تحكمه منذ ثلاثين أو أربعين سنة بدون تفكير، وبدون تجديد وتقمع حرية الفكر، فكيف لهذا المجتمع ان يتطور، لا أمل في مجتمع غير قادر على أن يتحرر من هذه الطغمة السياسية.

* ماهو الحل إذن؟

ـ مشكلتنا كمثقفين أننا نشخص الواقع دون أن نقدم حلا، ولكن بشكل عام أرى الحل في أن ينتزع الكتاب والمفكرون والمثقفون حريتهم واستقلالهم من الأنظمة الحاكمة، وأن تكون قبلتهم مصالح الشعب والأمة، وما لم يمتلك الانسان العربي حريته وإرادته وقراره وانتزع حقه في أن يغير السلطة السياسية وفي كيفية تداولها وأنشأ مؤسساته المستقلة، فلا أمل.