فدوى طوقان تختتم رحلتها الصعبة عن 86 عاما

القيادة الفلسطينية ووزارة الثقافة تنعيان شاعرة فلسطين وحزن في الأوساط الثقافية العربية

TT

توفيت فجر امس في مدينة نابلس الشاعرة والاديبة الفلسطينية فدوى عبد الفتاح اغا طوقان عن عمر يناهز 86، بعد 20 يوما قضتها في العناية المركزة في المستشفى التخصصي في المدينة. وحسب التقرير الطبي عن سبب الوفاة، فان الشاعرة الفلسطينية توفيت بسبب هبوط في القلب.

وسشيع جثمان الشاعرة الراحلة بعد صلاة عصر اليوم في انتظار وصول عدد من افراد العائلة في الخارج لالقاء النظرة الاخيرة عليها والمشاركة في جنازتها.

وتعدّ فدوى طوقان من الشاعرات العربيات القلائل اللواتي خرجن من الأساليب الكلاسيكية للقصيدة العربية القديمة خروجاً سهلاً، وحافظت فيه على الوزن الموسيقي القديم والإيقاع الداخلي الحديث. ويتميز شعر فدوى طوقان بالمتانة اللغوية والسبك الجيّد، مع ميل للسردية والمباشرة. كما يتميز بالغنائية وبطاقة عاطفية مذهلة، تختلط فيه الشكوى بالمرارة والتفجع وغياب الآخرين.

وكتبت طوقان عن نفسها ذات مرة قائلة «انا عين المراة.. الشاهدة.. بؤرة العدسة.. صياح الديك عند الفجر.. لؤلؤة الكلام.. حجارة الحيطان العتيقة.. نبتة الظلال التي تعانق المساء.. انا الصوت الحنون الذي يستحضر الامل وقت الكلام».

ونعت القيادة الفلسطينية في بيان رسمي لها، الشاعرة التي كانت حتى وفاتها عضوا في مجلس امناء جامعة النجاح الوطنية في نابلس. وقالت في بيان لها نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية «وفا»: ان الرئيس ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ينعون «الى جماهير شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية وكافة المؤمنين الراحلة الكبيرة فدوى طوقان». واضافت ان طوقان «عملت من اجل ترسيخ مبادئ الحرية والسلام والانسانية جمعاء»، مؤكدة انها «رائدة الابداع وواحدة من اعمدة الثقافة والادب». وكانت طوقان قد «حازت على وسام فلسطين».

واعتبر يحيى يخلف الكاتب ووزير الثقافة الفلسطيني «ان فدوى كانت احد ابرزالرموزالثقافية للشعب الفلسطيني والعربي». وقال انها «سخرت شعرها وقلمها للتعبير عن الجوانب الحضارية والانسانية في كفاح الشعب الفلسطيني».

ورغم الحصار الذي تعاني منه مدينة نابلس مسقط رأس الشاعرة، فقد خيمت مشاعر الحزن على الاهالي بعد انتشار نبأ وفاتها. ونسبت وكالة «رويترز» الى محافظ المدينة محمود العالول قوله «سنعد جنازة مهيبة تليق بشاعرة عظيمة ومبدعة متألقة حملت همومها واحلام شعبها».

وقال الكاتب والناقد الادبي عادل الاسطة في ديوانها الاخير «اللحن الاخير» حاكت الموت. وكانت تتمنى الا تترك وحيدة، وخاطبت من تحب بقولها.. «يا اخ الروح رجاء لا تمت او فخذني معك». وقالت نسرين بدران، 23 عاما، وتعمل موظفة في مؤسسة اهلية «علمت وفاة الشاعرة في السادسة صباحا عندما سمعت والدي يبلغ شقيقي الموجود في كندا وحزنت جدا فقد كانت مريضة أخيرا». وتابعت القول «تعلمت من شعرها في المدرسة وانا في الصف التاسع فأحببته. وصرت اقرأ لها لاحقا. والتقيتها في مناسبات اجتماعية وثقافية، وهي انسانة بسيطة ومتواضعة، وما احببته اكثر في شخصيتها انها تحب ان يقال عنها بانها ابنة البلد».

ولدت فدوى طوقان في نابلس عام 1917، لأسرة عريقة وغنية ذات نفوذ اقتصادي وسياسي، اعتبرت مشاركة المرأة في الحياة العامة أمراً غير مستحب، وبسبب ذلك لم تستطع إكمال دراستها بعد ان أتمّت تعليمها الابتدائي في مدارس نابلس وأخرِجت من المدرسة واضطرت الى الاعتماد على نفسها في تثقيف نفسها، وحصلت على دورات في اللغة الإنجليزية ودرست الأدب الإنجليزي وتأثّرت بأحدث مدارس الفلسفة الغربية في أوائل القرن العشرين.

وشكلت علاقتها بشقيقها الشاعر إبراهيم طوقان علامة فارقة في حياتها، فهو الذي نجح في دفع شقيقته الصغرى إلى فضاء الشعر، فاستطاعت وإن لم تخرج إلى الحياة العامة بسبب الطبيعة المحافظة للشعب الفلسطيني بشكل عام ومجتمع مدينة نابلس على نحو خاص، أن تشارك فيها بنشر قصائدها في الصحف المصرية والعراقية واللبنانية، وهو ما لفت إليها الأنظار في نهاية ثلاثينات القرن الماضي ومطلع الأربعينات. موت شقيقها إبراهيم ثم والدها خلال نكبة فلسطين 1948، جعلها تشارك من بعيد في خضم الحياة السياسية في الخمسينات، وقد استهوتها الأفكار الليبرالية والتحررية كتعبير عن رفض استحقاقات نكبة 1948. وجاءت النقلة المهمة في حياة فدوى مع رحلتها إلى لندن في بداية الستينات من القرن الماضي، التي دامت سنتين. اذ فتحت هذه الرحلة أمامها آفاقًا معرفية وجمالية وإنسانية، وجعلتها على تماسٍّ مع منجزات الحضارة الأوروبيّة. وبعد نكسة 1967 خرجت الشاعرة لخوض الحياة اليومية والسياسية الصاخبة بتفاصيلها، فشاركت في الحياة العامة لأهالي مدينة نابلس تحت الاحتلال، وبدأت عدة مساجلات شعرية وصحافية مع المحتل وثقافته. وحاولت لعب دور الوسيط بين وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه ديان والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

وعلى مدى 50 عاما، أصدرت الشاعرة ثمانية دواوين شعرية، هي على التوالي: «وحدي مع الأيام» الذي صدر عام 1952 و«وجدتها» عام 1957 و«أعطنا حبا»، عام 1960 و«أمام الباب المغلق» عام 1967 و«الليل والفرسان»، عام 1969 و«على قمة الدنيا وحيدا» 1973 و«تموز والشيء الآخر» 1989 و«اللحن الأخير» الصادر عام 2000 .

ومن اعمالها النثرية «أخي ابراهيم» عام 1946 و«رحلة صعبة ـ رحلة جبلية» عام 1985 و«الرحلة الأصعب» وهي سيرة ذاتية كتبتها عام 1993 في العاصمة الاردنية.

وقد تمت ترجمة العديد من اعمالها الى الانجليزية والفرنسية واليابانية والعبرية والايطالية والفارسية.

وحصلت على جوائز دولية وعربية وفلسطينية عديدة، وحازت على تكريم العديد من المحافل الثقافية. ومن بين الجوائز التي فازت بها جائزة رابطة الكتاب الأردنيين عام 1983 وجائزة سلطان العويس عام 1987 وجائزة البابطين للإبداع الشعري عام 1994 وجائزة ساليرنو للشعر من إيطاليا ووسام فلسطين وجائزة كافاتيس الدولية للشعر عام 1996 .