سحبت البساط من أقدام الرجال

TT

اعتقد ان ثمة خسارة مزدوجة الدلالة بغياب فدوى طوقان. أولاً كونها شاعرة ذات صوت شفاف وعذب وحافل بالترجيع الغنائي وارادة المقاومة الصلبة، وخسارة اخرى كونها امرأة شاعرة. فقد جسدت هذه المرأة احدى الملامح الانثوية للحداثة العربية التي تأسست مع نازك الملائكة ولميعة عباس عمارة، فإذا كان الشعر العربي ذا وجه ذكوري محض، فإن تجربة فدوى طوقان وأخريات أخرجت هذا الشعر من ذكوريته (الفظة) واكسبته صدقيته التي حرم طويلاً منها. فدوى طوقان هي من اللواتي سحبن بساط اللغة من تحت اقدام الرجال، وشريكة اساسية في حروب الاسترداد التي ابقتها شهرزاد في حدود المشافهة والسرد، في حين اكسبتها فدوى ومثيلاتها بعدها الكتابي، الذي ظل في عهدة الرجل لقرون طويلة. وما يميز تجربتها هو أنها لم تظل في دائرة الرثاء والنحيب والتفجع بل عملت على نقل اللغة الى خانة الوعد والحلم وإرادة البقاء. مخلَّصة إياها ـ وخاصة في دواوينها الاخيرة ـ من الانشاء الرومانسي والبكائية المحضة، وهي في سيرتها الذاتية بجزأيها لم تكن اقل جرأة منها في الشعر، فقد عملت على نقد المجتمع الذكوري الاستبدادي، وفضحه من خلال نقدها الصريح لسلوكيات أبيها وأخيها الأكبر، في ما استثنت من ذلك النقد أخاها ابراهيم طوقان، الذي أسهم في اطلاق تجربتها على الملأ. في شعر فدوى طوقان رشاقة في الاوزان وسلاسة في التعبير وحسن تقطيع للعبارات، ومع ذلك فهي لم تذهب في المجازفة الى نهايتها وظلت وفية لمفاهيم الحداثة الاولى، شأنها في ذلك شأن نازك الملائكة، وقد يعود ذلك الى طبيعتهما الانثوية التي لا تستطيع ولا تجرؤ، ربما، على الذهاب الى نهاية الشوط في بيئة شرقية شديدة القسوة والمحافظة. انما يكفي هذه التجربة انها شقت الطريق ومهدته امام نساء أخريات لكي يكملن بدأب وإقدام ما عملت فدوى على انجازه.