وداعا فدوى.. ولكنك أيضا..ستصحين عند الفجر

TT

يوم أن مات عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 صاحت أبواق المدن صيحا ملهوفا كما يقول الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور، واصطف الشعراء أمام الباب صفوفا، يبكون، الا صديقي محمد الفيتوري الذي وجه لكمة قاضية للراحل نزار قباني، لأن الأخير لم تسعفه الصدمة على الغوص في قلب المناسبة للخروج منها بشيء جديد فجاء تلقائيا مكرورا وهو يقول:

قتلناك يا آخر الأنبياء... الخ الفيتوري كان أعمق فكتب القادم عند الفجر، وفيها ألبس عبد الناصر ظاهرة الثورة في تداعيها الماضي والحاضري والمستقبلي فقال:

حين تجيء عصابة هولاكو التتري وتزحف أذرعة التنين تولد ثانية في عصر صلاح الدين لكأنك ملفوف بوشاح بلادك آت توا من حطين لكأنك أرهفت فنمت لتصحو بعد سنين .. انزعج نزار على هذا التخطي من شاعر قصير القامة فأسعف نفسه بقصيدة أخرى هي (السيد نام)..

وللحديث صلة برحيل الشامخة فدوى طوقان.. الأديبة التي شكلت مع آخرين وجدان الذين تشربوا ثقافة الستينات في زمن عزت فيه اقلام النساء فكانت فدوى مع غادة السمان هرمين في غابة أهرام الرجال من بدر السياب والبياتي والجواهري ونهاية بعبد الصبور ونزار قباني والفيتوري وصلاح أحمد ابراهيم.

وفي غابتها الداخلية، ومعركتها الفاصلة، قضيتها الفلسطينية أعني، كانت في خندق درويش وسميح القاسم والبقية تلهب الوجدان وتضمخ في زمن كانت رياح النزارية شعرا من طفولة نهد والى الرسم بالكلمات والاحسانية نسبة لاحسان عبد القدوس، رواية، من الوسادة الخالية ولا أنام، كانتا تدغدغان وجدان الشباب وتستقطب أو قل توجه مشاعر الشباب والشابات الى التفكير من بوابات أجساد غضة وزغبة الحواصل، تأسيسا لرومانسية عاطلة ومتبطلة تناوئ لتيار كان يردد:

بدمي سأكتب فوق أرضك يا فلسطين اسلمي وأموت يا يافا شهيد الوعد واسمك في فمي كانت فدوى على ذلك الزمن تتفيأ التشرد وتقول انه يبقيها صاحية مثلما قالت غادة السمان ان التشرد يتيح للذكريات المخضبة برائحة البرتقال أن تزدهر، فاختارت خندق المقاومة مثلما كانت جميلة بوحيرد قد اختارت جيش التحرير في الجزائر، إنهن رائدات أشحن بوجوههن عن شهرزاد وفضلن في أزمنة لم تكن فيها العولمة حية أن يتواصلن مع الرجل بطريق لا يبدأ من قدميه ولا يؤشر لمناطق العفة فيه أو فيهن. فدوى اختارت أن تشيد مدائنها على مقربة من البراكين، فمضى زمن وزمن لألتقيها بالقاهرة عام 1988 في احتفائية بمرور 25 عاما على تأسيس منظمة فتح، فدخلت مباراة الشعر سيدة وحيدة مع سعدي يوسف وأدونيس وحجازي، فوقف الحضور اجلالا وهو يشهد ضغط السنين والتشرد النبيل وقد توجا فودي فدوى بالشيب والحديد والحصا.

مثل فدوى يرحل جسدا، ولكنها وبخصوصيات كثيرة، تكون ظاهرة المرأة السابحة عكس قطعان النساء في عالمنا العربي والاسلامي، هي الأخرى نامت، لتصحو بعد سنين، برغم أنف العولمة، واعلانات التلفزيونات، وأسواق العطور.