الكتاب والشعراء المغاربة: خسارة كبرى للشعر العربي الحديث

TT

* الملياني : رائدة حداثية

* عن الشاعرة فدوى طوقان يقول الشاعر المغربي ادريس الملياني «هذا النعي مفاجئ، فموت الشاعرة فدوى طوقان خسارة عربية كبيرة للشعرالعربي والشعر المغربي وللثقافة العربية بوجه عام. فما يمكن أن يقال عن الراحلة بهده المناسبة الأليمة يعرفه المثقفون والقراء في الساحة الثقافية العربية من الخليج الى المحيط. فهي شاعرة فذة لها مكانة بارزة وهي تقف في صدارة الأسماء لا أقول النسائية حتى لا نميز بين الذكور والاناث في الكتابة لأن الكتابة واحدة. فالكاتبة فدوى طوقان علامة مضيئة في سماء الشعر العربي الحديث، فقد كانت في مقدمة الأسماء المؤسسة للقصيدة العربية الحديثة، فهي رائدة من رائدات الحداثة الشعرية الى جانب شاعرات أخريات كثيرات على رأسهن نازك الملائكة التي نتمنى لها الشفاء وطول العمر، اضافة الى سلمى الخضراء الجيوسي المعروفة بكتاباتها الشعرية والنقدية. وطبعا فلا يخلو قطر من الأقطار العربية من المشرق الى المغرب من أسماء يقفن الى جانب أشقائهن الشعراء، ففي مصر كانت ملك عبد العزيز من الأسماء الرائعة في الشعر العربي الحديث. وللأسف لا يتحدث النقد العربي الحديث عنها. فالمغرب الشعري والثقافي بوجه عام سيظل يتذكر باستمرار زيارة فدوى طوقان للمغرب عندما توجت باحدى الجوائز الشعرية العربية. ويضيف الملياني، فدوى طوقان ليست غريبة عن المغرب الشعري عموما فقد دخل اسمها في الذاكرة الشعرية المغربية منذ مطلع الستينات أيام الدراسة الجامعية. فجيلي من شعراء الوسط بعد الرواد كلهم كانوا يعرفون فدوى طوقان معرفة جيدة، حيث كنا نقرأ لها في مجلة «الاداب» البيروتية وقرأنا لها مجاميعها الشعرية الصادرة عن دار الآداب. كنا نتقبلها بكل اعجاب وحب. فاسم فدوى طوقان سيظل خالدا في وجدان الشعر العربي الحديث وفي ذاكرة الثقافة العربية المعاصرة، فتجربتها الشعرية تتسم بالرقة والعذوبة والشفافية والحزن والموسيقية وبالروح الانسانية العالية فضلا عن الروح النضالية، مثلما تتسم بالجمع المبدع بين الحداثي والتراثي. إنها انسانة رائعة ، كانت حياتها حداثية ومتحررة سواء في المجال الاجتماعي أو الابداعي ، فقد كرست حياتها للشعر، بل ضحت من أجله بالكثير، فهي حاضرة يوميا في حياة عائلتي الصغيرة إذ أني سميت باسمها ابنتي البكر مثلما سميت ابني باسم «مازن» وهو اسم «الفدائي الفلسطيني الذي كتبت عنه في احدى قصائدها الرائعة».

* بوحمالة: موقع اعتباري

* وحول الشاعرة الراحلة فدوى طوقان يقول الناقد المغربي بنعيسى بوحمالة «إنها لكارثة كبرى أن تنسحب هذه الشاعرة الكبيرة من المشهد الشعري الفلسطيني والعربي، صحيح مع دخولها في مرحلة المرض والمعاناة كان منتظرا أن تغيب عنا في لحظة من اللحظات، ولكن مع ذلك فوقع موتها مأساويا لأن الأمر يتعلق بغياب امرأة هيمنت على الحقل الشعري الفلسطيني والعربي منذ الأربعينات من القرن العشرين. إنها النذ الشعري الأنثوي للشاعر الفلسطيني الكبير عبد الكريم الكرمي «أبو سلمى» الذي يعد من جهته الأب الروحي للشعر الفلسطيني الحديث تماما كما تعد هي، وعن استحقاق، الأم الروحية لهذا الشعر. صحيح أن تأمل تجربتها الشعرية لا بد أن يبلور لدينا انطباعا لا غبار عليه بانحفار مسافة بينها وبين المأساة الفلسطينية، مأساة شعب مهدورة هويته ومتعلق بالعثور على جدارته في العالم، تبدو لنا منطوية على ذاتها وعلى قلقها الوجودي. ولكن هذه الزاوية بالتحديد تأتي أهميتها بالنسبة لي شخصيا، تلك القدرة التي يمتلكها المبدع في لحظات مأساوية من تاريخ أمة على أن يغالب الكارثة بالابداع وبالخيال، أن يكد في البحث عن معادل ابداعي قد يبدو لنا متناقضا أشد التناقض مع اللحظة لتداعيات هذه اللحظة. إنها تذكرني تماما بسلالة الشاعرات الكبيرات اللائي تورطن في نفس المفارقة، ومن هن: آنا آخماتوفا ومارينا تسفيتاييفا من روسيا، حيث في صلب التحول التاريخي والاديولوجي المدمر الذي عاشه الاتحاد السوفياتي سابقا امتلكتا القدرة على الاخلاص للقصيدة وللذات وذلك مداراة لمجمل الآلام والمكابدات التي كانت تتوالى أمام بصرهما الحساس والهش. ومن هذه الزاوية بالذات أراني مقدرا للدور الذي لعبته الراحلة الرقيقة والحساسة، بمعنى أنها اختارت سبيلا شديد الفرادة والخصوصية في التعاطي مع مأساة شعبها. ومن هذا المنظور يحب أن تقرأ، ومنه يجب أيضا ان يحدد لها موقعها الاعتباري في سيرورة الشعر الفلسطيني الحديث». وأضاف بوحمالة أن «الحديث عن فدوى طوقان هو حديث عن اسم سكن ذاكرتنا الشعرية والثقافية على امتداد نصف قرن. وأن ما يثير في تجربة الشاعرة فدوى طوقان التي تتوزع عمليا الى المرحلة الرومانتيكية ومرحلة التصالح مع الهاجس الوجودي الفلسطيني هو اصرارها على أن تكون وفية لوضعها الاعتباري كشاعرة، فهي امرأة في ظل شرط الاحتلال ومع ذلك تصر على كتابة الشعر الذي تقتنع به وفقا للمواصفات التي تريدها هي. واصرارها هذا هو من الأمور المثيرة ومن الحالات النادرة في الشعر العربي المعاصر».