وهل الأمين العام شرعي؟

فاضل السلطاني

TT

لا يمكن للمرء سوى ان يقارن بين اتحاد المحامين العرب واتحاد الكتّاب العرب. المقارنة تفرض نفسها لأن الاثنين، كما هو مفروض، يحكمهما الضمير الاخلاقي والمهني، قبل كل شيء. لكن الاثنين للأسف، يفتقدان هذا الضمير.

لقد خان الاتحاد الاول هذا الضمير حين سكت على المحاكم الصورية في اكثر من بلد عربي، وخاصة في البلد الذي يحشد الآن كل قواه للدفاع عن رئيسه الفأر، راكنا على رفوفه العالية الملفات التي ضاقت بها هذه الرفوف عن انتهاكات الرئيس الذي لا يزال شرعيا بنظرهم، وركنوا معها ضمائرهم المهنية والاخلاقية. وعلى اية حال، هذه القضية ليست من اختصاصنا، ونتركها للحقوقيين اعضاء هذا الاتحاد الذين لم نسمع، بعد، آراءهم للأسف.

اما الاتحاد الثاني، ورئيسه الابدي، فيفوق الاول. والحق يقال، خيانة لمسؤوليته المهنية والاخلاقية والادبية، بل تحول منذ زمن بعيد الى جثة هامدة ـ على حد تعبير الشاعر حسن نجمي رئيس اتحاد المغرب، الذي اصبح الآن نائب رئيس اتحاد الكتّاب العرب.

لكن هذه الجثة التي لم تدفن بعد، تحاول ان توهمنا بين الفينة والاخرى، انها لا تزال حية مثل باقي الاحياء، وانها لا تزال تتنفس رغم الرائحة التي تنبعث منها، والتي لا تخطئها الانوف الحساسة وغير الحساسة.

وهذا ما فعلته في مؤتمر الجزائر الاخير حين طردت ممثلي الثقافة العراقية من قاعات المؤتمر بحجة «عدم الشرعية».. هذه الشرعية التي يتباكى عليها كثيرون هذه الايام.

من يمنح الشرعية لمن؟ ان رئيس الاتحاد يعرف اكثر من غيره، ان الشرعية التي يتحدث عنها هي ليست الشرعية المنصوص عليها في كل الدساتير القانونية والاخلاقية التي لو طبقت حقا لما بقي جاثما على رأس الاتحاد خمس عشرة سنة، وهو يعرف جيدا انه جاء الى رئاسة اتحاد بلاده بفضل قائمة السلطة، وليس نتيجة اختيار حر لكتّاب ذلك البلد. هو يعرف هذه الحقيقة، ويعرفها كل الكتّاب في ذلك البلد، الذين لو كانوا يملكون حق التصويت الحر، لكان خارج منصة الرئاسة منذ خمس عشرة سنة، واكثر من ذلك لما صعد الى هذه المنصة قط.

اين اختفى صوت هذا الرئيس، الذي يرتفع عاليا الآن دفاعا عن الشرعية، خلال كل تلك السنوات التي غُيّب وقتل ونفي فيها كتاب عرب وعراقيين ابتداء من الجواهري، اول رئيس لهذا الاتحاد، الى عشرات المثقفين الآخرين الذين اهترأت مؤخراتهم في مقهى الروضة بدمشق، الذي يعرفه جيدا، من دون ان يكلف السيد رئيس الاتحاد نفسه ان يقول كلمة حق بحقهم؟ أليس هذا اول واجبات الرئيس الذي يتحدث الآن عن الشرعية؟

لقد طرد الدكتور فاضل ثامر والقاص حميد المختار من قاعة المؤتمر في الجزائر، وهما «مثقفان شرعيان» اكثر شرعية من نصف الحاضرين في تلك القاعة، الذين اتهموهما وزملاءهما الذين اخذوا الرئيس وشرعيته على حين غرة، بانهم «عملاء بريمر».

لقد غيب النظام السابق «الشرعي» الناقد المثابر فاضل ثامر من المشهد الثقافي العراقي لأكثر من ربع قرن، وعرف السجون في فترة نوري السعيد، واستقبلته جامعة اليمن منفيا في اروقتها، وكانت المشنقة قاب قوسين او ادنى من رقبة الثاني.

لكن صوت رئيس الاتحاد كان محبوسا في حنجرته. ولم يرتفع الا حين هوت شرعية نظام المقابر الجماعية، وممثليه من الكتّاب والمثقفين الموظفين الانيقين.

وقبل هذا الرئيس، تولى رئاسة اتحاد الكتّاب العرب، شاعر بعثي عراقي، هو موظف عريق في وزارة الاعلام العراقية، عرف عنه اخلاصه لسلطة المقابر الجماعية لأكثر من ثلاثين سنة، واشتهر بوشايته اكثر من شعره، وبمسدسه الذي يحمله دائما كأنه كتابه الوحيد، والذي يشهره على المثقفين في بغداد اكثر مما يشهر لسانه، كما فعل رئيس الاتحاد الحالي في الجزائر.

وارتضى اعضاء اتحاد الكتّاب العرب من الخليج الى المحيط ان يدير امورهم شخص كهذا، واعقبه رئيس آخر من الدائرة نفسها، ثم الامين العام الحالي.

ومن يدري، قد تعود الحياة بقدرة قادر الى هذه الجثة التي يسمونها اتحاد الكتّاب العرب، فما زلنا نعيش في زمن المعجزات.