البعد الخفي للمكعب..

تصوير أسماء الله الحسنى والكشف عن الكثرة في الوحدة

TT

تم مؤخرا في تونس الاحتفاء بصدور كتاب «البعد الخفي للمكعب» للدكتور المصري أحمد مصطفى، وهو عمل فني إسلامي يعبر عن قداسة الدلالة التي يحويها المكعب، ويصحبه كتاب آخر عنوانه «أسماء الله الحسنى».

عند فتح المكعب تظهر 99 وحدة داخلية مكعبة، كل منها يحمل اسماً من أسماء الله الحسنى مكتوبا في النمط الكوفي المربع. ويعيد الكتاب نشر مخطوطة أبي حامد الغزالي «المقصد الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى» وذلك في كلتا اللغتين العربية والإنجليزية. ويصاحب النص العربي اثنتان وخمسون صفحة مفردة وثلاث عشرة صفحة مزدوجة تمثل تكوينات فنية للدكتور أحمد مصطفى.

ويعلق محمد جميل توماس عن هذا العمل الفني بقوله إن تصوير أحمد مصطفى لـ«أسماء الله الحسنى» ليس تصويرا ذاتيا أو خياليا صرفا، وإنما هو تصوير موضوعي للعلاقة العميقة بين الواحد والمتعدد، وتجسيم للحديث النبوي المشهور: إن لله تسعة وتسعين اسما: مائة إلا واحدا، إنه وتر يجب الوتر من أحصاها دخل الجنة. ويضيف محمد جميل توماس أن تصوير أحمد مصطفى ليس تصورا شخصيا على الإطلاق أو اختراعا أو تكهنا أو تخمينا ولكنه بالأحرى إظهار أو كشف لمعرفة مقدسة، ودليل موضوعي يجمع بين معنى الحديث النبوي الشريف وصورة تفسره وتعبر عنه وتضيئه.

* الإبداع الفني كحافز للوعي الروحي

* وفي إطار تقديم كتاب «البعد الخفي للمكعب»، قدم الدكتور أحمد مصطفى مداخلة تبحث في الإبداع الفني كحافز للوعي الروحي. ويقول في هذا الصدد بأنه يبدو من الصعب في وقتنا الحاضر أن نفهم كيف يكون الإبداع الفني أو ما اصطلحنا على تسميته بـ«الفني» حافزا للوعي الروحي، رغم أن العملية الإبداعية من منظور كل الحضارات الكبرى كانت بالدرجة الأولى روحية، حيث استخدمت كمعرفة ذات قوة مرشدة وشافية في آن واحد. ويرى الدكتور أحمد مصطفى أن استيعاب ماهية تلك القوة، يتطلب إدراك أن المجاز أو المثال هو القلب النابض والمؤثر في العملية الإبداعية، وذلك مهما اختلفت وسائط التعبير، فأي عمل من أعمال الفن ما هو إلا استخدام خلاق للمجاز بهدف إيجاز وتقريب وشحذ وجهة نظر المؤلف وتوصيلها إلى المتلقي عبر قنوات الوسط المستخدم وعناصره.

أما في المجاز الإنساني، فإن نجاح عملية الاختيار يستند الى مدى قدرته على التحريض للخيال والظن كي ينطلقا دون قيد أو حدود مستخدما في مسعاه كل زخرف ممكن لفتح شهية عقول السامعين أو المشاهدين وحث فضولهم على الإشراف بلا حدود بدعوى الحرية والعصرية. ويصف الدكتور أحمد مصطفى هذه العملية بمسؤولية كبرى تقع تبعاتها على كاهل من احترفوا سبك المجاز على اختلاف تخصصاتهم في سيطرتهم على مادة الوسط التعبيري والذين يعرفون بالفنانين.

ويبين صاحب مداخلة «الإبداع الفني كحافز للوعي الروحي» كيف أن الإنسان يقف مسؤولا أمام الله عن تلك الهبة التي اختص بها وكيف تعامل معها: هل استخدمها تمجيدا لنفسه أم تمجيدا وترشيدا للذي وهبه إياها، مضيفا أن الإنسان في كلتا الحالتين لا بد له من معرفة تمده بما يحقق له غاية، فإذا استخدمها تمجيدا لنفسه، كانت ذاته هي مصدر المعرفة التي يبغيها وكانت أحكامه قائمة على نزواته الشخصية، في حين أنه إذا استخدم الإنسان موهبته تمجيدا وتقربا وثناء ونصيحة تهدى إلى «الوهاب» الذي أعطاه إياها، كان المعطى هو مصدر المعرفة التي يبحث عنها. ويعلق الدكتور أحمد مصطفى صاحب كتابي: «البعد الخفي للمكعب» و«أسماء الله الحسنى» على هذين الخيارين قائلا: شتان بين المعرفتين الصادرتين عن الذات وعن خالق الذات، فالمعرفة التي تأتي من الذات لها نفس الطبيعة التي عليها الذات من قصور في الإدراك وإسراف وتكابر تسوقهما قدرة جدالية شحذتها أوسمة الطغاة والمستبدين، وهي أخيرا معرفة ظنية متقلبة تموه نفسها بالزيف وبالخداع في النوبات المزاجية لأدوات بقائها، فهي تتلون بألوان الظروف المحيطة بها ولكن مصيرها محتوم بالزوال.

ويضيف أحمد مصطفى في نفس المداخلة مبرزا أنه مهما عظمت آفاق الخبرة الإنسانية فإن محدودية وقصور إدراكها دائما ما يأتيان في تناسب مطرد، فيرى الإنسان أن الرحمة الإلهية مثل نبع عظيم يفوق كل المحيطات والبحار جميعا حيث تسبح فيه وتشرب منه البشرية جمعاء وحيث يتساوى الناس متمتعين بعدل مطلق يشمل العارف والجاهل، والمؤمن والجاحد، والقوي والضعيف والغني والفقير.

هذا مع العلم أن الدكتور أحمد مصطفى، هو فنان وباحث ذو شهرة عالمية وحجة في مجال الفن والتصميم الإسلامي. ويعيش في لندن ويعمل فيها منذ عام 1974 وهو يدير مركز الفنون للفن والتصميم العربيين وهو المركز الذي أنشأه في عام 1983. كما اشتغل بالتدريس والمحاضرة في كثير من أنحاء العالم وهو الآن أستاذ زائر في معهد أمير ويلز للعمارة بلندن وفي جامعة وستمنستر بلندن وكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية.

وفي عام 1997 قررت الملكة اليزابيث الثانية أن تهدي لوحته التي أبدعها بتكليف خاص عنوانها «حيث يلتقي البحران» إلى شعب باكستان بمناسبة مرور خمسين عاما على إنشاء دولته، وكان ذلك اعترافا بشهرة الفنان الدولية. وقد أقيمت في كثير من بلدان العالم معارض لإنتاجه المتنوع الغزير بما في ذلك اللوحات والمنسوجات الجدارية والطبعات المحدودة بالشاشة الحريرية والزجاج الملون. ويدل تنوع الوسائل التي عبر بها عن فنه على العلاقات الإبداعية المثمرة التي عقدها عن عدد من أبرع الحرفيين في أوروبا وخاصة الناسجين العالميين في مشغل عائلة بنتون فيلتان ـ أبسون بفرنسا وصناع الزجاج بمشغلي دريكس في تاونوسشتاين بألمانيا.

كما توجد أعماله في كثير من المجموعات الخاصة والمؤسسات المشهورة بما في ذلك المتاحف الوطنية في بريطانيا ومصر وفي غير ذلك من المواقع العامة ذات الأهمية الدولية في مختلف أرجاء العالم. كما فاز الدكتور أحمد مصطفى بجوائز كبرى عن لوحاته ومنحوتاته المنفذة على الطريقة الغربية في بينالي الإسكندرية في عامي 1968 و1974 .