عودة إلى المرأة التي غيرت بريطانيا إلى الأبد

كامبل يصدر مجلده الثاني عن رئيسة وزراء بريطانيا السابقة

TT

بعد مجلده الاول «ابنة بائع الخضار: الذي نُشر قبل ثلاث سنوات وتناول قصة حياة البارونيت تاتشر التي رسمتها لنفسها حينما تولت قيادة حزب المحافظين عام 1975، في غرانتهام، يصدر جون كامبل الآن جزءه الثاني «مارغريت تاتشر: المجلد الثاني: المرأة الحديدية»، الذي يتجاوب مع الجزء الثاني مع ببليوغرافيا تاتشر نفسها «سنوات دواننغ ستريت»، ويعتبره المؤلف اهم واعنف جزء من القصة لأن تاتشر اثناء حكمها كانت «انشط رئيسة وزراء بريطانية، وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة تتعلق ببريطانيا، وفي اغلب ما حدث في العالم خلال فترة الثمانينات».

ولاية مارغريت تاتشر التي استمرت احد عشر عاما كرئيسة للوزراء اتسمت باعنف الهجومات والتحليلات الساخنة من قبل المعلقين والصحافيين الاختصاصيين. وحتى بعد ان اطيح بها قبل ثلاثة عشر عاما، لم يتوقف سيل المذكرات واليوميات والشهادات التي تعرض على شاشات التلفزيون الانجليزي من قبل زملائها واصدقائها ومستشاريها وغرمائها، اضافة الى تلك التي تكتب عن الحكومة البريطانية اثناء فترة رئاستها.

اذن، يبدو انه ليس من السهولة خلال هذا الكم الهائل من المواد المتعلقة بتاتشر الخروج بنتيجة مرضية ومتكاملة لكتابة سيرة حياتها، غير ان جون كامبل استطاع مرة اخرى ان يفلح بجزئه الثاني من هذه الببليوغرافيا بالكتابة عن أول رئيسة وزراء بريطانية امرأة. غالبا ما يسرد الكاتب سيرة حياة تاتشر بشكل بهيج، الا ان سرده يصبح مؤثرا في الصفحات الاخيرة، حينما يرسم صورة حياة تاتشر السياسية مثل احدى مآسي شكسبير. انها معالجة تتطلب بالتأكيد شخصية بطل عملاق، تكمن قوته البطولية ايضا في قوة ضعفه التي تؤدي في الأخير الى دماره وتحطيم كل ما حوله.

كما يرى المؤلف فإن طموح تاتشر كان نبيلا لقلب عقود من الاخفاق الاقتصادي والتراجع العالمي. ففي مقابلة اجريت معها عام 1984، قالت تاتشر بأنها تريد ان تغير البلد من «مجتمع اتكالي الى مجتمع يعتمد على نفسه من اجل النهوض والمضي، بدلا من بريطانيا تجلس وتنتظر».

وبالفعل حققت تاتشر كثيرا من النجاحات في ما قالت. فمن خلال كبح جماح سلطة الاتحادات والنقابات جددت حكم القانون. ومن خلال خصخصة المصانع والمؤسسات استطاعت ان تحد من تطاول الدولة، ومن خلال اعادة تنظيم الاقتصاد وتخفيض الضرائب، حسنت من عملية التنافس ومن خلال اعادة اخضاع جزر فوكلاند جددت من موقع بريطانيا في العالم. وبشراكتها الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان استطاعت الوقوف بقوة ضد المعسكر الاشتراكي، وبالتالي عجلت بسقوط الاتحاد السوفيتي.

من جانب آخر يجد الكاتب ان تركيز تاتشر على الحليف الاميركي وضع بريطانيا على هامش اوروبا، كما انها اخفقت في الحد من الانفاق العام على الخدمات الاجتماعية فيما كانت تنهار المؤسسات العامة مثل الحكومات المحلية والجامعات، اضافة الى ذلك فإن طراز رئاسة حكومتها ومسؤوليتها البرلمانية تكون تاتشر قد مهدت الطريق الى اعتبارات معينة في 10 دواننغ ستريت، مارسها من جاء بعدها الى الحكم. وعموما ساءت العدالة في عهدها، والفقراء اصبحوا اكثر فقرا، وتآكل التضامن الاجتماعي جراء ثقافة المادة التي تتعارض وقيم المحافظة، بيد انه ومع كل ذلك حفلت شخصية تاتشر بتناقضات ظاهرية في اسلوب قيادتها. وكما يقول الكاتب كامبل ان تاتشر كانت «اكثر الشخصيات الشعبية التي حازت الاعجاب والكراهية، الحب والذم في النصف الثاني من القرن العشرين» لقد فازت بثلاثة انتخابات وكانت المعارضة المقسمة السبب في ذلك، وكانت غير محبوبة لفترة طويلة من الزمن، رغم ان السياسات البرغماتية التي اتبعتها كانت محل رضا.

يورد المؤلف خارطة كبيرة تضم كل اولئك المهمين الذين كانوا يحيطون بمارغريت تاتشر عند وصولها الى دواننغ ستريت، ثم يعرض كيف انها كانت تتسم بالفردية اثناء حكمها، وان لا شيء يمكن ان يوقف اندفاعها، فيما خصومها كانوا يسيئون تقديرها خلال عامي 1980 ـ 1981: حرب فوكلاند، الخصخصة، التحالف مع ريغان وسقوط المعسكر الاشتراكي. ان الاتيان بالاساسيات التي تشكل كل ما يحيط بتاتشر وتسلط الضوء على ما هو مهم من الوثائق والمعارف، كان اسلوب الكاتب لقيادة القارئ الى اصدار احكامه لتقييم تلك الحقبة من الزمن.

في مجلده الثاني هذا استطاع المؤلف ايضا الحصول على معلومات جديدة من ارشيف ريغان، الذي فتح اخيرا للدارسين وكتاب السير، والذي يضم اكثر الوثائق الرسمية استيضاحا حول علاقة ريغان بتاتشر السياسية.

كذلك تتجنب ببليوغرافيا كامبل اخطاء كتاب الببليوغرافيا الآخرين، الذين غالبا ما يقعون «في حب من يكتبون عنه ويجدون الاعذار لهم ويتناسون اخطاءهم»، اذ ان المؤلف يبدي انتقادات لاذعة لهفوات تاتشر، سواء على الصعيد السياسي او صعيد علاقاتها مع الآخرين. انه يسلط الضوء على رغبتها في تكرار احداث التاريخ، كما على سبيل المثال جزر فوكلاند، حين شجعت سياسة حكومتها الجنرال جاليتري على الاعتقاد بأنه سوف لن يواجه الا مقاومة ضئيلة. كانت دائما توجه اللوم الى الآخرين، في حين انها ينبغي ان تلوم نفسها، كما في حالة فشلها تفهم الزخم الموجود في اوروبا ازاء الوحدة الاقتصادية ووحدة العملة. في ذات الوقت يعترف كامبل ان تاتشر غيرت بريطانيا وقلبتها بشكل تتعذر فيه العودة الى سابق عهدها. لقد غيرتها في اساليب لم تزل شواهدها قائمة حتى الآن، وان ميراثها بقي من دون مساس وسمع عن سياستها في بلدان اخرى، وبأنها المرأة التي تهز المجتمع الراكد.

وهكذا تكون تاتشر قد خلفت لحزبها «ارثا مسمما» مع اقتصاد يسرع نحو الركود وخدمات اجتماعية متدنية وحزب مقسم حول موقفه من اوروبا، وكان لتدخلاتها في التسعينات ان وسعت من هوة الانقسامات، محطمة أمل حزب المحافظين بالعودة الى السلطة مجددا لفترة جيل كامل، مخلفة وراءها توني بلير يهيمن على الساحة السياسية، كما فعلت من قبل حينما كانت في قمة السلطة.

* مارغريت تاتشر: المجلد الثاني: المرأة الحديدية

* تأليف: جون كامبل

* الناشر: جوناثان كيب، لندن 2003