رحلتي مع الكتاب

الكتاب ظل وارفا وسيبقى

TT

في طفولتي كنت أشعر بالزهو والفخر والانتشاء وأنا اتأبط كتابا لاقرأه.

لازلت أذكر أني قرأت رواية «الغريب» لالبير كامي، مشيا على الاقدام في شاطئ البحر، ولم أتوقف إلا بعد أن التهمت صفحات الرواية بكاملها.

لقد فعلت ذلك لمرات، كنت أجد ملاذا في اكتشاف هذه المتعة اللذيذة التي تحيل كراسات الدروس الروتينية على النوم هادئة في جيوب محفظتي المدرسية، والانفتاح على عالم القراءة اللامتناهي، الذي يفسح لك المجال لمعانقة تعدد التجارب والآفاق والخيال.

مصطفى لطفي المنفلوطي، كان أول من فتح لي أفق التعاطي مع الكتاب، رواية «على سبيل التاج» أو «الشاعر» لست أدري..؟ لكن من هنا كانت البداية، بداية الرحلة نحو سبر أغوار مجهول يسمى «الكتاب»..! جبران خليل جبران برومانسيته العالية وقدرته الفائقة على الاستماع لآلام الانسان وأسلوبه الذي يخفق له القلب وتهتز له المشاعر، شدني بشكل خاص وجعلني ألتهم كل كتبه خاصة «الأرواح المتمردة» و«دمعة وابتسامة»، «الأجنحة المتكسرة» و«النبي» ومنها ما قرأته أكثر من مرة.

لكن سعادتي بالقراءة ستكتمل حين سأكتشف الأدب المغربي الحديث، ادريس الخوري، محمد زفزاف، ومحمد شكري... يالها من دهشة ومتعة في آن..! في المغرب كتاب وهم على قيد الحياة وابداعهم مليء بالحياة أيضا ومستمد من تمظهرات الواقع المغربي المعاش. أنا الذي اعتقدت لسنوات أن الكتب كتبها أناس في عصور غابرة وماتوا منذ آلاف السنين، ها قد أصبحت أدرك بفعل الأدب المغربي الحديث، أن هناك كتابا على قيد الحياة والكتابة.

الراحل محمد زفزاف كان يسكن بحي المعارف بالبيضاء.

الرائع ادريس الخوري لا يزال يقطن في حي حسان بالرباط.

أما الكاتب الكوني محمد شكري فكان يكفي أن أقطع مسافة 45 كلم من أصيلة الى طنجة لأجده في مكانه المعتاد بمطعم فندق «ريتز»، حيث نواصل سمرنا الى أن يأذن بالعودة الى بيته بساحة «الروكسي»، «زنقة البحتري». هناك أيضا الكاتب المنفرد والمتفرد في ابداعه ومتخيله ونصوصه الرائعة والاستثنائية وهو الوديع دوما أحمد بوزفور كاتب القصة النادر في زمننا، والذي حبب الى نفسي وروحي جنس القصة القصيرة.

ومن الكتب التي ساهمت في تشكيل وعيي النقدي، أقصد تلك الكتب الحمراء التي لم تكتف بشرح العالم لكن عملت على تغييره وانجاز دور للعمال والفلاحين والمستضعفين في الأرض وهي كتب ماركس ولينين وانجلز وماوتسيي تونغ وغيفارا.. وصولا إلى أدبيات المجددين في الفكر الماركسي الى آخر صيحة رددها لويس ألتوسير قبل انتحاره الواقعي وليس التطبيقي! لكن المفكر المغربي عبد الله العروي علمني عبر أدبياته التعاطي مع المفاهيم بجدية وموضوعية خصوصا في كتبه «مفهوم الحرية» و«الآيديولوجية» و«الدولة».. أيضا تعلمت من المفكر اللبناني مهدي عامل أهمية توليد المفاهيم من داخل أزمة الفكر والممارسة العربيين.

كان يوازي هذه القراءات المتعددة ذاك الشغف بالشعر الحديث: السياب، نازك الملائكة، يوسف الخال، أدونيس، أنسي الحاج، سميح القاسم ، عز الدين المناصرة، محمود درويش، أمل دنقل، محمد الماغوط، توفيق زياد، ومن المغرب عبد اللطيف اللعبي وعبد الله زريقة.

الرواية هي الأخرى كانت ملاذي، رواية «الأم» لماكسيم جوركي تركت أثارا رومانسية وثورية في آن بداخلي، حتى أني تمنيت لو أن كل الروايات كتبت على هذا المنوال. كثيرة هي الروايات التي قرأتها أذكر فقط آخرها «آخر الملائكة» لفاضل العزاوي، «الآخرون» لحسونة المصباحي، «ورقة في الرياح القارسة» لكاتبة صينية و«عابر سرير» لأحلام مستغانمي.

* ادريس علوش شاعر من المغرب صدر له ديوانان شعريان هما: «الطفل البحري» 1990 و«دفتر الموتى» 1998، وأصدر مجلة «مرافىء» الشعرية المغربية.

[email protected]