الجادرجي داخل سجن صدام

TT

الكتب التي قرأتها اخيراً، وكان لها تأثير غير قليل عليّ هي التالية: «جدار بين ظلمتين»، للكاتبين بلقيس شرارة ورفعة الجادرجي، صادر عام 2003 عن «دار الساقي». واعتقد ان ما بهرني منه هو التوثيق للمواجهة التلقائية ـ غير الاحتفالية ـ للظلام داخل الأسر، والسرد المحايد والدافئ معاً للتعامل مع فقر المحيط وعنفه، ووصف عملية إنشاء الزمان والمكان من فوضى الفراغ «رفعة الجادرجي داخل سجن صدام حسين». كما أنني اعجبت بالرواية الضمنية لرفض اعتباطية الظلم ومحاولته سحق الفردية واحاسيسها «زوجته بلقيس شرارة في الخارج». أما الكتاب الثاني الذي أود ذكره فهو «يوم الدين»، لرشا الأمير، صادر عن «دار الجديد» عام 2002. ومن امور كثيرة جذبتني الى هذه الرواية اشير الى ذلك البنيان الروائي الواثق من نفسه والذي يدعو القارئ الى الوثوق به والتسليم للوعد بالمغامرة; ايضاً تأثّرت بالرقّة التي تستجيب فيها الشخصية «رجل الدين» لشروط ولادتها الثانية عبر الحبيبة «غير الملتزمة» برغم تجذّر تلك الشخصية في التراث، بل جعل ذلك التجذّر فسحة مؤاتية لتلك الولادة. أما كتاب «الرجولة المتخيّلة»، تحرير مي غصوب وإيما سينكلير ويب، الذي صدر عام 2000 عن «دار الساقي» فقد قرأته بحكم اهتمامي البحثي الراهن بالهوية الذكرية المعاصرة. وحيث تشير الروايات/الشهادات الفردية الى هشاشة الذكورة في المجتمعات الأبوية. وفي الأبحاث المختلفة عن صور الذكورة والطقوس المنسوجة حولها في مجتمعاتنا الشرق أوسطية. اذ يلمس القارئ انشغال المؤسسات التقليدية والمعاصرة بتدجينها وتوحيد تجلياتها. اهمية هذا الكتاب برأيي، هو أنه يعبّر عن اتجاه معاصر ينحو الى نزع «القناع الذكري» عن الرجال تمهيداً لاستقرار ملامح حقيقية على وجوههم. وفي سياق الاهتمام نفسه قرأت الروايتين الاخيرتين لرشيد الضعيف «تصطفل ميريل ستريب»،و«إنسي السيارة» الصادرتين عن دار نجيب الريّس، والبطل يكاد يتكرر في الحالتين: رجل اختزلت ذكورته إلى مظهر فج وحيد هو فحولته الجنسية، «الحالة الأولى او الاستهلاكية» «الحالة الثانية». فيمثّل، بذلك، كاريكاتوراً مضخّماً لذكورة تقاوم، دون جدوى، هزيمتها لأنها مدفوعة قهرياً لتكرار مسوّغات تلك الهزيمة.

* كاتبة لبنانية