الكرد تحالفوا مع الجميع وانقلب عليهم الجميع

كتاب يتناول تاريخ الشعب الكردي ونشوء حركاته القومية التي تفتقر إلى مرجعية واضحة

TT

من بين الكتب الكثيرة التي تتناول القضية الكردية ينفرد كتاب «كرد العراق» لمؤلفه محسن محمد المتولي، الصادر عن الدار العربية للموسوعات، بكونه كتابا مقنعا لاتباعه المنهج العلمي والتوثيقي البعيد عن الخطاب العاطفي، وهو كتاب منصف لأنه يتحدث بحياد عن القضية الكردية ويقدم الاكراد بكل ماتعرضوا له من انكسارات وعثرات وكذلك بكل ما تورطوا به من تحالفات لامنطقية ورهانات خاسرة.

ويستنتج قارئ الكتاب ان نقطة ضعف الاكراد القاتلة هي افتقارهم لشيئين: الايديولوجيا الموحدة والمنطلقات العقائدية، فالاكراد سعيا وراء حلمهم الكبير جمعوا المتناقضات فهم حالفوا الاتراك والانكليز والعرب والايرانيين والروس والالمان وانقلبوا على الجميع كما انقلب الجميع عليهم ايضا. وحتى هذه اللحظة لا توجد مرجعية كردية تقرر هذه القضايا الجوهرية، بل توجد فصائل كردية وشظايا هنا وهناك تفرز قيادات محلية او قطرية متناحرة غالبا. لذلك لا يوجد حليف استراتيجي دائم فحليف اليوم هو عدو الغد والعكس بالعكس.

وفي الوقت نفسه، كان الاكراد ضحية دول كبرى قدمتهم قرابين على مذبح مصالحها ووضعتهم في مواجهة مع العرب عبر هدم الثقة بين الطرفين رغم ان العرب لم يشاركوا يوما في قرارات تقسيم كردستان ولا في احتلالها ولم يعرف عنهم محاولتهم تاريخيا قهر الاكراد.

يقع كتاب «كرد العراق» في 368 صفحة من القطع الكبير ويضم خمسة فصول رئيسية وفصلين اضافيين عن الكرد وثورة 1958 ثم العلاقة بين القوميتين الكردية والعربية في العراق.

في الفصل الاول قدم الكاتب عرضا تاريخيا وجغرافيا للكرد «والحضارة الكردية» ويبين ان المنطقة الكردية كانت تتجاذبها صراعات القوى الاقليمية القديمة الفارسية والروسية والتركية وغيرها. ويشير الكاتب الى ان الاكراد كشعب ينتمون الى عدة اصول نتيجة الاختلاطات العرقية، خاصة ان الصفات الانثروبولوجية تختلف بين اكراد الشرق واكراد الغرب، كما ان اللغة الكردية لغة جامدة تركيبية وفيها تلاقحات لغوية كثيرة مع الفارسية والعربية والبهلوية والانسائية.. الخ.

في الفصل الثاني يتعرض الكاتب للقضية الكردية كما طرحت في المؤتمرات والمعاهدات والاتفاقات الدولية والاقليمية من سايكس ـ بيكو الى مؤتمر لوزان مرورا بمؤتمر الصلح ومؤتمر «سان ريمو» ومعاهدة «سيفر»، لكن يبدو في هذا الفصل ان الدور البريطاني الفعال كان له اثره في معاناة الاكراد على الدوام، فاللاعب الرئيسي في مشاكل الكرد في القرن العشرين كان بريطانيا التي دغدغت الحلم الكردي بعد ان اقتنع البريطانيون ان كردستان مهمة لحماية الهند وباقي الامبراطورية، كما انها جغرافيا تحمي المستعمرات العربية البريطانية من روسيا القيصرية. وكانت توصيات الرائد نوئيل البريطاني بأن يشكل الاكراد حاجزا لا غنى عنه بين «ميزوبوتوميا العربية» ودوامة القفقاس السياسية وتسبب اكتشاف النفط في المنطقة الكردية في اندفاع بريطانيا للسيطرة على هذه المنطقة.

ويتناول المؤلف في الفصل الثالث الجمعيات والاحزاب السياسية الكردية، ويرى الكاتب ان الكرد اشتهروا بأنهم يرفعون السلاح بلا هدف سياسي واضح وانهم يضعون السياسة في خدمة السلاح وليس العكس مناقضين القاعدة الاساسية وهي ان السلاح وسيلة وليس غاية. وهذا يرجع بنظره لغياب القيادة المؤهلة سياسيا. ان الاكراد كما يضيف يحملون السلاح منذ 100 سنة منذ حركة الشيخ عبيد الله النهري سنة 1880 ضد التعسف العثماني، لكن السنوات اللاحقة انضجت نخبة مثقفة كردية نتيجة الظروف الصعبة فأثمرت عدة جمعيات سياسية مثل جمعية «تعالي وترقي الكرد»، جمعية نشر المعارف الكردية وجمعية الامل وجمعية البعث الكردية، ثم ظهرت الاحزاب السياسية مثل حزب الشعب وحزب الاستقلال سنة 1927 الذي اوصى بعلاقات طيبة ودائمة مع حكومتي سوريا والعراق وكذلك مع الشعب الايراني ثم تأسس حزب الامل وحزب النضال وكذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي اتسمت بداياته ببعد نظر سياسي، لكنه وقع في خطأ كبير عندما تجاهل الفلاحين الاكراد ولم يحدد علاقته بالإقطاع ولم يعتن بنوعية منتسبيه. ويعتقد الكاتب ان مشكلة هذا الحزب الكبير انه لم يتأسس على يد جماعة منسجمة فكريا وسياسيا، بل ان المؤسسين كانوا خليطا متنافرا في طباعه ومستوياته الفكرية وانتماءاته العشائرية. ولم تؤد الهزات التي تعرض لها الحزب الى افراز اوضاع اكثر نجاحا، بل الى انقسامات حادة وكان الحزب بالتالي يخرج من انكفاءة الى اخرى ومن تشظ الى تشظ.

وفي الفصل الرابع يتحدث المؤلف عن الحركات الكردية المسلحة وهما حركتان رئيسيتان، الاولى هي حركة الشيخ محمود البرزنجي والحركة البارزانية. فالشيخ البرزنجي تمرد مرتين ضد الانكليز الذين فرضوا عليه التعهد بعدم التورط في اعمال مناهضة للاحتلال. وفي سنة 1930 كرر محاولته للمرة الثالثة، لكنها انتهت باعتقاله وانتهاء طموحاته.

اما البارزانيون فنظموا اول عصيان مسلح عام 1931 وبرز منهم الزعيم مصطفى البارزاني كقائد عسكري شاب، لكن العصيان انتهى سنة 1935 بهزيمة الكرد.

وفي سنة 1943 انطلقت الحركة البارزانية الثانية اثر تردي اوضاع الاكراد في الحرب العالمية الثانية، لكن تحرك الجيش العراقي (تحت الانتداب) دفع الاكراد نحو الحدود الايرانية وهُزِم البارزانيون هناك بعد ان تحالف بعض زعماء القبائل الكردية مع الجيش العراقي ضد زعامة الملا مصطفى ومنهم رئيس قبائل الريكاد واحمد آغا الزيباري ومحمود آغا الزيباري.

اما الحركة البارزانية الثالثة التي انبثقت عنها ولاول مرة جمهورية مهاباد الكردية في ايران سنة 1946 بزعامة قاضي محمد الذي دفع اليه شاه ايران بفرقتين عسكريتين فيما تحركت تركيا بثمانية فرق وصدر امر تركي باعدام كل تركي يجتاز الحدود نحو تركيا. اما بريطانيا وامريكا فكان موقفهما عدم التأييد خشية انسجام مفترض بين مهاباد الكردية والاتحاد السوفياتي حتى ان الرئيس الامريكي ترومان ارسل يذكر الروس بضرورة التقيد باتفاقية استقلال ايران وسيادتها. وبعد انسحاب الروس من اذربيجان دخل الجيش الايراني ثم استسلم قاضي محمد واعدم مع عشرات القياديين بعد 330 يوما من عمر دولة مهاباد وكانت العوامل الداخلية (مثل عدم توزيع الاراضي على الفلاحين وانتشار الامية) والخارجية (مثل الانسحاب الروسي والدعم الانجلو ـ امريكي لايران ضد الاكراد) سببا رئيسيا للانهيار.

وبعد الانهيار حاول الملا مصطفى التفاوض مع الايرانيين، لكنهم اشترطوا لضمان بقائه تسليم السلاح الكردي وبعد مفاوضات شاقة قرر الملا مصطفى العودة بقواته الى العراق فلاحقه الجيش الايراني وقصف القرى الكردية التي قدمت الغذاء والتموين للبارزاني ورفضت تركيا بشدة دخول البارزاني ومرافقيه فعاد نحو ايران للعبور باتجاه الاتحاد السوفياتي فاصطدم مع الجيش الايراني، لكنه صمد في معركة شمال قتور الى ان وصل الى جبل ارارات حيث منحه السوفييت وعدا بالبقاء واستمر هناك حتى سنة 1958 حيث ثورة تموز فعاد الى الوطن.

* كرد العراق

* المؤلف: محسن محمد المتولي * الناشر: الدار العربية للموسوعات