حسني سليمان: الأزهر لا يترصد الكتاب والرقابة غير موجودة في مصر

صاحب دار «شرقيات»: من حق أي شخص أن ينشر ما يريد ومن حق المتضرر أن يطالب قانوناً بحقه

TT

صاحب دار «شرقيات» محبط بسبب تراجع هذه الدار في الفترة الأخيرة، بعد خمسة عشر عاماً من الجهد المتواصل في نشر الكتاب الجاد، مما جعلها تحتل مكانة ملحوظة في عالم النشر، خاصة بعد إصدارها سلسلة «شرقيات للجميع» بأسعار معقولة وصلت إلى قطاعات كبيرة من القراء.

حول أسباب هذا الاحباط، وتراجع دار «شرقيات»، ومشاكل النشر في سياقها المصري والعربي، كان هذا الحوار مع حسني سليمان صاحب الدار:

* لماذا تراجعت دار «شرقيات» في الفترة الماضية بخاصة بعد ثلاثة عشر عاماً في نشر الكتابات الجادة؟

ـ حدث تعسّر، وهذا التعسر من الممكن أن يصيب أي مؤسسة أو دار نشر أخرى، وفي مسيرة حياة أي مشروع هناك لحظات من الارتفاع والهبوط، والانطلاق، والتوقف لالتقاط الأنفاس، والذي أصاب دار شرقيات للنشر من الممكن أن يصيب أي مشروع آخر طموح، ولو أن شرقيات استطاعت خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية أن تظهر نجماً واحداً في الكتابة فهذا يكفيها.

* هل أثر ظهور دور نشر أخرى عليكم؟

ـ من الجميل أن تظهر دور نشر أخرى، وأنا أرحب بهذا، وهو في رأيي شيء ايجابي جداً، ومهم جداً لإثراء حركة الثقافة المصرية والعربية الدائمة.

* ولماذا توقفت سلسلة «شرقيات للجميع» التي اشتهرت بأسعارها الزهيدة؟ ـ عندما أصدرتها كنت أهدف إلى خروج كتاب من القطع الصغير والثمن الزهيد والمادة الثمينة، لكن رد الفعل هو ما أوقف السلسلة، ورأي الناس لم يشجعني على الاستمرار.

* تخصصك في نشر الكتب الأدبية، ألا يمثل هذا خطراً عليكم كدار خصوصاً في حالة الركود التي أصابت مبيعات هذا النوع من الكتب؟

ـ «خطر» كلمة كبيرة جداً، وأنا أرى أنه ليس من الضروري أن تكون كل الكتب التي ينشرها الناشر مربحة، وبهذه الطريقة لا يصبح هناك أي خطر، لأنه اذا افترضنا أن نشر الشعر بات من الخطر، فلنقلل من هذا الخطر، بنشر كتب أخرى، ونحن نشهد الآن حركة نشر كبيرة لابداعات الشباب في دور النشر الخاصة أو الحكومية مما يعني أن الخطر بدأ في التضاؤل. الذي يحدث الأزمة لدى الكاتب هو اللهفة على سرعة النشر.

* ومشروعات النشر الحكومي في مصر، هل تؤثر عليك كناشر خاص؟

ـ أنا أقول رأيي كأي قارئ مصري عادي. أنا أشجع جداً كل المشروعات القومية التي تشجع القراءة لأنها تتيح لمحدودي الدخل القراءة على مستوى جميع أفراد الأسرة بأسعار زهيدة، وهذا التنوع يتيح الفرصة للجميع لأن يتثقفوا، وأنا كمواطن مصري أشجع أي مشروعات قومية من هذا النوع مثل المشروع القومي للترجمة، أو منشورات أكاديمية الفنون، أو كتب مكتبة الأسرة، أو مطبوعات الثقافة الجماهيرية وهيئة الكتاب، لأن كل هذه الهيئات تساهم في اثراء حركة الثقافة بسعر زهيد.

* لكن ألا يؤثر انخفاض أسعار كتب هذه المؤسسات عليك كناشر خاص تبيع الكتب بأسعار مرتفعة؟

ـ أنا كناشر أجد صعوبة حقيقية في منافسة هذه الهيئات بأسعارها المنخفضة، وأي ناشر غيري يجد أيضاً هذه الصعوبة.

* ما هو الحل الذي تطرحه اذن؟

ـ في رأيي لا مفر من مد يد العون إلى دور النشر الخاصة عن طريق الاقتناء في المكتبات العامة وقصور الثقافة، والمدارس والجامعات. يجب أن نوسع دائرة الاقتناء من قبل الدولة، فالثقافة استثمار، كما إنه كلما ازداد عدد الناشرين ازدادت حرية القارئ.

* ما رأيك في انتشار ظاهرة الكتب الهابطة على حساب الكتب الهادفة؟

ـ أنا أرى أنه لا بأس بكل هذا، والأمر أشبه بالذي يدخل الى حديقة عامة، فإنه سيرى فيها زهوراً يعجبه لونها، أو رائحتها أو شكلها وزهوراً أخرى لا تعجبه، وكلما ازداد هذا البستان اتساعاً ازدادت حريتك في اختيار ما يعجبك وما تقتنيه، ولا أحد يجبر شخصاً على اقتناء كتاب ما، وفي الوقت نفسه. لا أحد يستطيع أن يمنع شخصاً ما من اقتناء الكتاب الذي يريد أيضاً، لكن العيب أن يكون المعروض من هذه الكتب فقط.

* هذا يجعلنا نسألك، ما هي حدود الرقابة بالنسبة لك كناشر؟

ـ دائماً هناك حدود، ودائماً الحرية غير مطلقة، وهذا ليس خاصاً بمصر بل هو موجود في العالم كله، مع العلم أن هذه الحدود تتغير بتغير الأوضاع السياسية والاجتماعية.

* متى ترفض أن تنشر كتابا؟

ـ أنت تقرأ، إما يعجبك الكتاب أو لا يعجبك، وأنت أولاً وأخيراً مجرد شخص، وحكمك على الكتاب حكم شخصي، وليس حكماً مطلقاً، ومن الممكن بهذه الطريقة أن تفوت على نفسك نشر كتاب من أحسن الكتب، وهي عملية نسبية، ومن الممكن أيضاً في سن معينة أن تقبل كتاباً، وفي سن أخرى ترفضه.

* هل يعني هذا أنك تخضع الكتب التي تنشرها لذوقك الشخصي؟

ـ لا انما يحدث كثيراً أن تكون هناك ورشة على الكتاب، ويحدث أن يقرأه أصدقائي، أو أي أشخاص آخرين، لكن لو كان الكتاب من النوع العلمي المتخصص فهو عادة لا يحتاج الى هذا.

* ماذا تقول عما يثار عن مصادرة الأزهر للعديد من الكتب؟

ـ ما يحدث في مصر من منع كتب يحدث في كل العالم. أقول هذا صادقاً، ولا أنطلق من نزعة قومية أو وطنية. نحن نملك حرية التعبير في مصر، وتوجد حرية كاملة في النشر، فقد منعت الرقابة على الابداع في مصر سنة 1977، ومن حق أي شخص أن ينشر ما يريد. ولكن اذا كان ما ينشره يسيء إلى شخص، شخص حقيقي أو اعتباري، فمن حق هذا الشخص أن يقاضي الكاتب، لأنك أخذت حقك في النشر، وبالتالي من حق الآخر أن يأخذ الحق في الدفاع عن نفسه. وفي العالم كله تتم مقاضاة دور النشر، ومن الممكن أن يؤدي هذا الى وقف النشر، والتعويض كذلك. وعندنا في مصر ـ في الحقيقة ـ توجد مساحة كبيرة من الحرية، لأنه لا يوجد رقيب. كما إن الأزهر لا يترصد الكتب، ولا أعتقد أنه يخصص جهة معينة تحصي خطوات المؤلفين.

* اتجاه بعض دور النشر الكبرى كدار الشروق، والدار المصرية اللبنانية لنشر كتب الأطفال، هل يفسر الركود الذي تشهده كتب الكبار؟

ـ من الجميل جداً أن تتجه دور النشر، لنشر كتب الأطفال، لأننا بالفعل في أشد الحاجة لمثل هذه الكتب، وهذا يبهجني بشدة، وهناك دور نشر صغيرة اتجهت لهذا بالفعل، وأعتقد أن هذا سينمي عادة القراءة عند الأطفال، ويخلق جيلاً محباً للقراءة فيما بعد.

* لكن داركم لم تخض هذه التجربة؟

ـ لارتفاع التكلفة. وأتمنى بالفعل أن أنشر كتباً للأطفال، لكن الوضع المادي لا يسمح.

* ما هي المشاكل التي تقابلك كناشر خاص في معارض الكتاب العربية والعالمية، خاصة وأنك شاركت سابقاً في معرض فرانكفورت؟

ـ بالنسبة لي لا توجد عقبات إلا موضوع التكلفة، وكتبنا لها سوق حقيقي في الدول العربية. ولا توجد عقبات إلا في التكلفة المالية مما يجعل بعض الدور تحجم أحياناً عن السفر، فتضطر لأن ترسل كتبها مع دور نشر أخرى بالتوكيل، أو بالاشتراك مباشرة.