هل تصبح عند العرب حكومات إلكترونية تديرها مفاتيح الكومبيوتر؟

الإمارات احتلت المرتبة الأولى عربيا والمرتبة رقم 21 على الصعيد العالمي متفوقة على اليابان في مجال برامج الحكومة الإلكترونية

TT

في إطار سعيه إلى اطلاع المهتمين والباحثين والدارسين العرب على المستحدثات والتجارب التربوية الحديثة، يواصل مكتب التربية العربي لدول الخليج إصدار سلسلته «إضاءات تربوية». وبين أيدينا اليوم الإصدار الأخير من هذه السلسلة، الذي قدم رؤية تربوية للتعليم والحكومة الإلكترونية، وذلك بعد أربعة إصدارات تناولت على التوالي: أهداف اليابان في القرن الحادي والعشرين، ثورة الجينات، نماذج من التجارب العالمية حول تفعيل التعاون بين التعليم العالي وقطاع الأعمال، اكتشاف الموهبة ورعاية الموهوبين.

في تقديمه لهذا الإصدار، يتتبع الدكتور سعيد بن محمد الملص مدير عام المكتب، لمسيرة العقل البشري عبر العصور، ملاحظاً أن التطورات العلمية المتسارعة قد اشتدت عمقاً واتساعاً قبل أن ينتهي القرن الماضي، وأصبحت تبشر بأن المستقبل يخفي من التطورات ما هو أكثر سرعة وأشد عمقاً وأبعد تأثيراً، وما الحكومة الإلكترونية إلا واحدة من التطبيقات التي تبرز لنا كيف يمكن الاستفادة من هذه التطورات المتلاحقة في ساحة التقنية والمعلومات. ولكنه يرى في ذات الوقت أن العقل البشري إذا كان قد تمكن من أن يصنع ويكتشف، ويبتكر ويبدع، فأن مكتشفاته وإبداعاته تذكرنا دائماً، على الرغم من عظمتها، بأن هذا العقل لا بد له من سياج أخلاقي يحميه من الشطط والزلل ليحمي نفسه ويصون حضارته، وهنا يكون دور التربية ووظيفتها في إعداد الأجيال وتزويدها بكل نافع ومفيد في العلم والمعرفة والوجدان والسلوك.

إن فكرة الحكومة الإلكترونية تتمثل في العمل على إدارة المنظومة الحكومية عبر تقنية المعلومات والاتصالات، وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى رفع مستوى الفاعلية والكفاية للحكومة وهيئاتها وأجهزتها، ويؤثر على علاقتها بالمواطنين من خلال سرعة إنجاز المعاملات والحصول على معلومات، وانخفاض التكاليف التشغيلية للجهاز الإداري بما يؤدي إلى رفع مستوى الكفاية في إنجاز الأعمال.

وتعمل الرؤية التي يقدمها المكتب على «تجسيد صورة المستقبل المنشود، وتحديد الطرق المؤدية إليه، في صورة ملامح وخطوط عريضة وسياسات توجه العمل في مفارق الطرق وتحسم الخيارات المتاحة.

ومن المهم لدى التصدي إلى بناء استراتيجية للتعليم الإلكتروني توفر رؤية عن المعلوماتية وتقنية الاتصالات في البلد المعني بحيث يتم وضع الحكومة الإلكترونية في موقعها داخل الإطار الوطني». وتتطلب ترجمة هذه الرؤية إلى الواقع اتخاذ ثلاث خطوات: أولها منح عملية بناء الحكومة الإلكترونية الدعم السياسي والإعلامي والتمويل اللازم للتنفيذ، وثانيهما إيجاد بيئة عمل تلبي احتياجات وتطلعات كافة المستفيدين (مثل شركات الإنترنت والمؤسسات العاملة في حقل التقنية المتقدمة والمستخدمين من قطاع الأعمال والمسؤولين الحكوميين المعنيين والمربين والجامعات ونقابات العمال والمصارف والجمعيات الأهلية) للإسهام في مبادرة الحكومة الإلكترونية. أما ثالث هذه الخطوات فيتمثل بمبادرة الحكومات المعنية إلى البدء بمشاريع صغيرة غير معقدة كإنشاء صفحة رئيسية أو بوابةPortal تقوم بزيادة وظائفها لاحقاً حسب الإمكان. ويحسن بالحكومات أن تعمل على تطوير بنية تحتية تقنية مرنة، وقادرة على استيعاب كميات مختلفة من العمليات، وتتمتع بدرجة توافق عالية بين الأنظمة المختلفة، مع الحرص على تنويع مصادر قواعد البيانات وطرق الوصول إليها سواء عبر استخدام الحاسب الآلي أو استلام الرسائل وبعثها إلكترونياً عن طريق الهاتف الجوال أو التلفزيون المرقم وربط الشبكات بمراكز الهاتف.

و بالرجوع إلى تقرير صدر عن هيئة الأمم المتحدة أخيرا حول كيفية استعداد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي يبلغ عددها 190 لتطبيق برامج الحكومة الإلكترونية ومدى تقدمها في هذا المجال، نرى أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد نجحت في احتلال مرتبة متميزة، إذ سجلت ضمن فئة (أبرز الدول المتقدمة في مجال برامج الحكومة الإلكترونية)، 2,17، نقطة لتحتل بذلك المرتبة الأولى عربياً والمرتبة رقم 21 على الصعيد العالمي، متفوقة بذلك على اليابان التي سجلت 2,12 نقطة، أيرلندا 2,16 نقطة، النمسا 2,14، روسيا 2,89. وتقاربت مجموعة النقاط التي سجلتها دولة الإمارات بشكل كبير مع إيطاليا التي سجلت 2,12 ولوكسمبورغ 2,20، وسجلت الولايات المتحدة أعلى مؤشر بين قائمة الدول العالمية وصل إلى 3,11 نقطة ثم تلتها أستراليا في المرتبة الثانية بـ2,6 ونيوزيلندا في المرتبة الثالثة بـ 2,59 نقطة. وحلت دولة الكويت في المرتبة الثانية بين الدول العربية بعد الإمارات بمؤشر وصل إلى 2,12 وتلتها البحرين بالمرتبة الثالثة بـ 2,04 نقطة ولبنان بـ 2,00 نقطة.

وكانت هيئة الأمم المتحدة قد حددت خمس مراحل لتقويم درجة تقدم الدول في مجال تطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية. وتمثل مرحلة (التواجد المتنامي عبر الإنترنت) الدول الملتزمة بالبدء بتطبيق برامج الحكومة الإلكترونية، أما بالنسبة لمرحلة (التواجد المتطور)، فهي تعني الدول التي تقدم خدمات المعلومات المحدثة والمتخصصة من خلال المواقع الإلكترونية المرتبطة بها. وتمثل مرحلة (التواجد التفاعلي) الدول التي تقدم خدمات الوصول لقائمة واسعة من المؤسسات الحكومية مع القدرة على الاستفادة من قواعد البيانات وتنزيل النماذج الحكومية الإلكترونية. وتم تصنيف الدول التي تقدم البيئة الأمنة للقيام بالمعاملات المالية أو الخدمية كالحصول على التأشيرات، جوازات السفر، شهادات الميلاد والوفاة، التراخيص، دفع فواتير تسجيل ملكية السيارات وفواتير المياه والكهرباء بالإضافة إلى مجمل الضرائب الأخرى ضمن مرحلة (التواجد من خلال توفير المعاملات الإلكترونية). أما المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة (التكامل التام)، فتشمل الدول التي تتيح الفرصة أمام مواطنيها للوصول إلى أية خدمة عبر منفذ موحد بغض النظر عن مصدر الخدمة سواء أكانت وزارة أم دائرة حكومية أم وكالة عامة وذلك لتوحيد الخدمات وتطويرها بشكل متكامل لتلبية الاحتياجات المشتركة للمواطنين.

وقد تم تصنيف 17 دولة ضمن مرحلة (التواجد من خلال توفير المعاملات الإلكترونية). ولم تفلح أي من الدول بالعالم في الوصول إلى مرحلة (التكامل التام)، الأمر الذي يبقى الهدف النهائي لكل الحكومات الإلكترونية في العالم. وعلى صعيد العمل التربوي تحدد الرؤية التي قدمها المكتب للحكومة الإلكترونية بالأهداف والمقاصد التالية:

ـ تعزيز فرص الطلبة في تطوير مواهبهم وقدراتهم الخاصة، وتنمية شخصيتهم نفسياً واجتماعياً. (تعلّم لتكون).

ـ تطوير مهارات اكتساب المعرفة، وإمكانات التعلم المستمر والتطور المعرفي مدى الحياة (تعلّم لتتعلّم).

ـ إنتاج قوى عاملة متطورة التفكير، وملمة أيضاً بمختلف جوانب التقنية المعاصرة (تعلّم لتفعل).

ـ توفير فرص متكافئة لكافة الأشخاص للوصول إلى المعرفة والحصول على تعليم ملائم.

ـ تعزيز مشاركة كافة المعنيين بالعملية التربوية كالمعلمين، والآباء، والمجتمع، والقطاع الخاص، مؤسسات المجتمع المدني.

ـ تطوير العمل التربوي خارج إطار العمل المدرسي التقليدي. ولكن مع الفوائد الجمة للحكومة الإلكترونية، فانها في الوقع ليست عصا سحرية للتغلب على مشكلات الجهاز الإداري كافة، وعلاج أمراض البيروقراطية المتفشية، والروتين الحكومي الجامد، وتدهور النظم الإدارية، وكذلك تطوير النظم التربوية التي تعاني من سوء الإدارة، وبطء آليات الإصلاح والتطوير فيها، وعقم المناهج وترهلها أحياناً، وتدني مستويات نتائج العملية التربوية، وعدم ملاءمتها لاحتياجات سوق العمل.