بول أونيل وزير خزانة بوش الذي دفع ثمن ولائه

19 ألف وثيقة تروي حكايات السياسة الأميركية من خلف دهاليز واشنطن السرية

TT

عندما أعلن الرئيس بوش، أول مرة، اختيار بول أونيل ليكون وزير الخزانة في حكومته، اعتقد بعض المراقبين السياسيين المتمرسين أنهم تبينوا فيه وجهة نظر عالمية تملك ذهنية أكثر ليبرالية. وقد زادوا، على وجه التحديد، من تفاؤلهم، مشيرين الى ان اختياره جرى، غالبا، لأن دائرة بوش ـ تشيني اعتبرته، حسب أحد المختصين البارزين، «صديقا قديما معروفا بالنسبة لهم جميعا، وهو يتمتع بالخبرة والقابلية وبالولاء قبل كل شيء».

وقد يجد المرء عذرا لهؤلاء المراقبين لارتكابهم الخطأ ذاته في الحكم الذي اقترفه بوش وتشيني. واعتمد مؤلف الكتاب، الصحافي المرموق رون سوسكايند على 19 ألف وثيقة ـ تقريبا كل ما مر على مكتب الوزير ـ ليكتب كتابا مقلقا يبرهن فيه كيف أنهم كانوا مخطئين.

وفي كتاب «ثمن الولاء» يظهر أونيل انه بينما كان يعتقد بالولاء الى أصدقائه القدامى، فقد كان ولاءان رفيعان يرشدانه: الأول هو الولاء للحقيقة كما كان يفهمها أونيل، والثاني الولاء لنفسه.

وبسبب من ذلك الولاء الأول، فان كتاب سوسكايند، الذي قرأه أونيل ووافق عليه قبل نشره، يقدم مساهمة لا تثمن للسجل التاريخي وللجدل العام الحاد حول طبيعة الآراء والدوافع الحقيقية لادارة بوش بشأن قضايا الحرب والسلام.

ولكن ولاء أونيل لنفسه يمكن أن يجعل من الكتاب جديرا بالقراءة من دون ريب، فنادرا ما يحجم بطلنا عن ندائه الجريء، فهو يجسد، على الدوام «استقلاليته» و«نزعته المتفردة» وعبقريته في «البراغماتية الفكرية». ويجري تصوير أونيل في هذا الكتاب على نحو مماثل لجيمي ستيوارت في كتاب «السيد سميث يذهب الى واشنطن».

وأونيل لا أهمية له بدون المصداقية، اذا ما أخذنا بالحسبان قدرته على الوصول وكذلك حصانته تجاه الانتقام من جانب أولئك الذين يصفهم بالأشخاص البشعين ممن لديهم «ذاكرة مديدة». غير أنه سيكون من الخطأ السماح لعيوب الكتاب القليلة باقصاء أهميته التاريخية والسياسية. فأونيل يصف الاستيلاء على الحزب الجمهوري ـ وبالتالي على السلطة التنفيذية ـ من جانب من يوصفون بأنهم مجموعة من آيديولوجيي الجناح اليميني الأشداء، ممن يتمتعون بالولاء لمصالحهم الذاتية السياسية الضيقة والجشعة ليس الا.

وفي اطار من يوصفون بالمحافظين الجمهوريين التقليديين ينظر أونيل الى نفسه باعتباره مديرا لشركة في بعض الأحيان، وكموظف في أحيان أخرى (عمل في ادارات نيكسون وفورد وبوش) يعتقد باتخاذ القرارات على أساس الدراسة العقلانية ومصالح الجمهور البعيدة المدى، وكان في الموقع الخاطئ من البيت الأبيض.

وقد ظهرت أجزاء من الكتاب في عناوين الصحف الرئيسية، وبشكل خاص تشبيهه بـ «رجل أعمى وسط غرفة مليئة بالصم» ومنها ايضا الكشف عن أن التخطيط لغزو العراق بدأ في يناير (كانون الثاني) من عام 2001. ولكن ما هو أكثر اثارة هو الصورة الدقيقة من شخص مطلع للاعبي بوش الكبار الذين يدخلون أجندتهم الآيديولوجية والحزبية في كل قضية من قضايا السياسة العامة.

ويقدم لنا سوسكايند نفسه لمحة من هذا النمط من التفكير عندما يستشهد في مقالة نشرتها (ايسكواير) في يناير عام 2003 لجون ديليوليو، أحد مستشاري بوش الذين غادروا عملهم، وورد فيها «ان ما تحصل عليه هو كل شيء، وأعني كل شيء، مما تديره الأجهزة السياسية، انه عهد حكم الميكافيليين الذين يتحدثون بلغة الاحتمالات».

ولكن نسخة أونيل تلتقط القصة نفسها، وتعيد صياغتها وتوثيقها، ان الضغط لاتخاذ قرار بشأن أية قضية على أسس آيديولوجية أو سياسية صارمة كبير الى الحد الذي جعل أونيل، الرجل الذي أشير اليه في مقالة عنه في «نيويورك تايمز» باعتباره «جمهوريا من الطراز الأصلي»، يحكم عليه باعتباره هرطيقا غير جدير بالثقة.

ويشعر أونيل بالرعب مما يراه كتضليل للنزعة المحافظة الحقيقية، بل انه في لحظة معينة يقارن بين مؤيدي الاستبداد الذين يكافحون من أجل الاستيلاء على باكستان من جانب الأصولية الاسلامية والنزعة الاستبدادية الجارية في البيت الأبيض تحت قيادة بوش.

ان كتاب «ثمن الولاء» مليء بقصص موحية على نحو مقنع تحدد فيها الحصيلة مسبقا على نحو قاس وترتب فيها الحقائق كما هي على نحو استدلالي. وهناك الوضع الذي يستخدم فيه بوش الأرقام الكاذبة للدفاع عن قراراته الخاصة بخفض الضرائب في خطابه عن حالة الاتحاد، لأن الفريق السياسي ـ وخصوصا كارل روف ـ كان قد ابتدع حيلة للتملص من اقتصاديي وزارة الخزانة، رافضا تدقيق حساباتهم مع الخبراء.

* خدمة «نيويورك تايمز»