عيون المطابع

«عين هاجر».. عين الكتابة وماؤها

TT

«عين هاجر» هي مجموعتي القصصية الثانية (قيد الطبع في«دار الثقافة» بالدارالبيضاء). وتضم النصوص التالية: يوميات عاشق أبيقوري، حبة كرز، ذئبة الجحيم، موت بشفاه لامرئية، هاي ، شيري، نزيف الشفافية، جنائن النار، حديقة أبيقور. عندما كتبت نص «عين هاجر» الذي افتتحت به مجموعتي الأولى «شموس الهاوية» عن منشورات وزارة الثقافة المغربية، أحسست أنني لم أقترب من قول هذا الجوهري الملح الذي يقف وراء فعل الكتابة. حقيقة تحدثت فيه عن أهمية الكتابة بالنسبة للكاتب ودورها في تقريبه من قراء من هو، من كان، ومن سيصير، الكاتب في تعدده، في أبعاده سواء المعروفة أو المجهولة لديه.

هناك إحساس صاحبني لمدة ولم يبرحني، كلما تعمقت في تجربة العيش اكتشفت الى أي حد هي موحشة عزلتنا في هذا الواقع الذي لا يتقن سوى انتاج الشبيه والمطابق. أضحى احساسي بهاته الصحراء التي يجسدها الواقع عميقا يضرب في ويتعمق قلب خطوي. فرغم الضجيج الذي يسمونه عيشا، رغم العلاقات البشرية لا أقول الانسانية، فما يفتقده الفرد اليوم هو أن يكون انسانا. واقع الصحراء الذي أحياه.. واقع الجدب هذا يجعلني استحضر في الزمن البعيد عزلة هاجر زوجة ابراهيم الثانية، عندما تركها وابنها اسماعيل لمصير الصحراء والجدب وانعدام الماء. قلب تلك الصعوبة، فلب ذلك العسر، والسعي ذهابا وإيابا بحثا عن خلاص، بحثا عن ماء يطفي عطشها وعطش وليدها ضربت بقدمها (في كربها) الصحراء القاحلة فانبجست من ضربة القدم المتلهفة المكروبة عين الماء.

في صحراء الواقع المجدبة، قلب هذا الصمت المطبق وسراب العزلات (رغم العالم المأهول) أحفر في هذا الجدب المقفر عين الكتابة. إلى أي حد هي الكتابة مخصبتي ومانحتي شهوة الحياة، شهوة المقاومة والمساندة.. فقلب حروب الواقع الرخيصة، قلب تلك العلاقات الملغومة.. قلب فخاخ الكراهية والحقد المنصوبة، أنتزعني من هذه التربة التي لا تشبهني وأحفر في صحرائي عينا تذهب سعير هذا الجحيم البشري المنصوب. أعود إلى عيني تغذيني بالطراوة، الانتعاش وتذهب كربي وصعوبة عزلتي، تعيد للساني شهوة الكلام بعد أن سكنت بهذا الصمت. كم تنتابني شهوة الكلام. ليس أي كلام... شهوة القول وانتزاع الكلمات من حرارة البوح وقول الأساسي، المشاركة الروحية للغداء الباطني، وقول الجوهري، قول الجروح، والأفراح، مشاركة فرحة وجرح أن توجد وتحيا في واقع لا يعمل سوى أن ينتزع منك شهوة العيش.

لن تكون «عين هاجر» سوى عين الكتابة ومائها، أعود إليها متقية هجيرا يشوي ويصيب.. تمنحني الكلمات التي تقولني، تقول الروح في صراعها، في حروبها من أجل أن تبقى، ويبقى غنى وثروات الأعماق الكنز الوحيد والثمين قلب هاته الصحراء المترامية الأطراف...

* قاصة من المغرب صدرت لها مجموعة قصصية أولى بعنوان «شموس الهاوية» عام 2000 ضمن منشورات وزارة الثقافة المغربية.