باحث عربي يكمل «سلسلة» الزلازل التي بدأها الكندي

موسوعة علمية عن الزلازل ومواقعها وسنوات حدوثها وعن القرون التي كانت أكثر دمارا ودماء

TT

الزلزلة في كلام العرب: تحريك الشيء.

وفي التنزيل «إذا زلزلت الأرض زلزالها»، اي حركت حركة شديدة، وتسمى الزلزلة ايضا: الرجفة، ويقال: رجفت رجفا اضطربت.

وفي «لسان العرب»: الراجفة: الارض ترجف اي تتحرك حركة شديدة. وعُني اخوان الصفا وخلان الوفا «القرن الرابع الهجري» بهذه الظاهرة فقالوا إن: «الكهوف والمغارات والاهوية التي في جوف الارض والجبال، اذا لم يكن لها منافذ تخرج منها المياه، بقيت تلك المياه هناك محبوسة زمانا، واذا حمّ باطن الارض وجوف تلك الجبال، سخنت تلك المياه ولطفت وتحللت وصارت بخارا، وارتفعت وطلبت مكانا اوسع، فإن كانت الارض كثيرة التخلخل تحللت وخرجت تلك البخارات من تلك المنافذ، وان كان ظاهر الارض شديد التكاثف حصينا منعها من الخروج، وبقيت محتبسة تتموج في تلك الأهوية لطلب الخروج، وربما انشقت الارض في موضع منها، وخرجت تلك الرياح مفاجأة، وانخسف مكانها، ويسمع لها دوي وهدة وزلزلة».

وضع العلماء العرب والمسلمون كتبا ورسائل عن الزلازل في القرن الثالث الهجري ـ وكانوا قد اطلعوا على آثار ارسطو وغيره من علماء اليونان.

وفي ما يلي قائمة بأسماء اشهر ما انتهت الينا معرفته:

ـ علم حدوث الرياح في باطن الارض المحدثة كثير الزلازل ليعقوب بن اسحاق الكندي «ت 254 هـ».

ـ الانذار بحدوث الزلازل لابن عساكر «571 هـ».

ـ الزلازل والاشراط لعلي بن أبي بكر العرشاني «557هـ».

ـ قلائد العقائل في ذكر ما ورد في الزلازل لاسماعيل بن حامد القوصي «574 ـ 653هـ».

ـ جمل الايجاز بنار الحجاز لمحمد بن أحمد «القرن السابع الهجري».

ـ رسالة في الزلزال الذي خرّب حلب ومنبج «سنة 744هـ» لابن الوردي «749هـ».

وجميع هذه الكتب والرسائل لم تصل الينا.

ـ كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة لجلال الدين السيوطي «911هـ».

ـ وقد وصلت الينا في عدة نسخ مخطوطة.

اورد السيوطي في بداية رسالته هذه، جملة من الاحاديث المتعلقة بالزلازل وما على لسان الصحابة والتابعين، ثم تكلم عن الزلازل الحادثة قبل الاسلام وبعده الى سنة خمس وتسعمائة «للهجرة».

تعود المعرفة بهذه الرسالة المهمة الى عام 1842، حيث نشرت وترجمت عدة مرات من طبعاتها العلمية، تلك التي تولاها «د. عبد اللطيف السعداني» (المغرب ـ 1971م).

ـ تحصين المنازل من هول الزلازل لابي الحسن علي بن الجزار..

ألفت هذه الرسالة في حدود سنة 984هـ ونشرت بتحقيق «مصطفى انور طاهر».

ـ الحوقلة في الزلزلة لحامد بن علي العمادي «1103 ـ 1171هـ».

نشرت بتحقيق مصطفى طاهر ايضا سنة «1974».

ـ تحريك السلسلة فيما يتعلق بالزلزلة لاسماعيل بن محمد العجلوني «1087 ـ 1162هـ».

ـ «هداية الطريق لازالة الزلزلة والحريق» لشبيب زادة محمد أمين. طُبعت هذه الرسالة في مصر سنة 1313هـ. وسجل الزلازل العربي للدكتور عبد الله يوسف الغنيم الصادر عن قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، «470 صفحة» يتمم هذه السلسلة التي بدأها فيلسوف العرب الكندي قبل نحو 1170عاما.

والغنيم ـ الوزير السابق، وعضو المجامع العلمية العربية والرئيس الحالي لمركز البحوث والدراسات الكويتية، يعد اليوم من ابرز المحققين العرب، واكثرهم نشاطا علميا، واغزرهم نتاجا.

ومنذ سنة 1971، تاريخ تحقيقه ونشره كتاب النبات لـ«لأصمعي» لفت اليه الانظار، وله اليوم 12 كتابا، اغلبها يتصل بتخصصه الدقيق «الجغرافية» اضافة الى عشرات الدراسات والبحوث المنشورة في الدوريات المتخصصة. وهو اليوم يشرف على مشروع «قاموس القرآن الكريم» الذي تصدره مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.

مهد «الغنيم» لكتابه الموسوعي بعرض تحليلي موضوعي لمصادر الدراسة، ختمها بمشكلة تحويل السنين في التقاويم المختلفة بينها الهجري والميلادي واستغرقت المقدمة 66 صفحة.

وضع «الغنيم» منهجا علميا في معالجة المعلومات الواردة في المصادر العربية التي عول عليها في «سجله». فلقد راجع كل خبر من الاخبار الواردة في كتابه، راجع جميع المصادر التاريخية والجغرافية وغيرها، ثم اثبت النص الأوفى المتضمن الوصف الاشمل للحدث مع الدقة في التحديد.. وقدم النص الاكثر تحديدا. وختم الكتاب بتحليل «السجل» ونتائجه استغرق 42 صفحة، اعقبه بقائمة من المصادر والمراجع واخرى بفهارس مواقع الزلازل وسنوات حدوثها، وفهارس للمواقع والبلدان والاعلام والكتب والموضوعات.

استهل المؤلف سفره بالخبر الآتي:

5هـ «يونيو 626هـ».

* وفيها «السنة الخامسة للهجرة» زلزلت المدينة فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:

«يستعتبكم ربكم، فاعتبوه».

«العباسي: 458».

اما آخر خبر فكان الآتي:

1317هـ «14 جمادى الاولى»، «20 سبتمبر 1899».

* زلزلت الارض زلزالا عنيفا في آسيا الصغرى في العشرين من سبتمبر (ايلول) الماضي، ودامت الهزة الاولى 35 ثانية، وتبعتها هزات صغيرة، وكانت الاولى طولية من الجنوب الشرقي الى الشمال الغربي، وهناك قرية اسمها صاسكيو ظهر كأن يد جبار اقتلعتها من الارض ثم رمتها في مكانها.. وفي «ايدين» شجرة قُطر ساقها نحو متر شقت الارض وابتلعتها. وابعد خط سكة حديد بين ايدين ونازلي سبعة اقدام عن مكانه مسافة سبعمائة متر او اكثر ..الخ.

(المقتطف 947/23) والعباسي ـ ناقل الخبر الاول هو احمد بن عبد الحميد (توفي في القرن العاشر الهجري وكتابه «عمدة الاخبار في مدينة المختار» نشر في مكة المكرمة «بدون تاريخ».

اما المقتطف فهي مجلة علمية شهرية، صدرت في القاهرة، كان لها دورها الفعال في النهضة العربية.

والتقرير الذي قدمته حول زلزال آسيا الصغرى، ترجم معظمه عن الصحافة الغربية «العامة منها والمتخصصة واتسم التقرير بالجديد والجدية ـ خلافا للصحافة العربية الاخرى التي ظلت تستخدم السجع والمحسنات البديعية».

يتضح من دراسة «السجل» ان القرن السابع الهجري، كان الاكثر دمارا ودماء، لا يكاد يمر عام الاّ ويحدث فيه زلزال.

يقول «ابن الاثير«، «حوادث 623هـ» وفيها .. ضحوة النهار زلزلت الارض بالموصل.. وكثير من البلاد العربية، والعجمية، وكان اكثرها بشهرزور، فإنها خرب اكثرها، لا سيما القلعة، فإنها اجحفت بها، وخرب من تلك الناحية ست قلاع، وبقيت الزلزلة تتردد فيها نيفا وثلاثين يوما، ثم كشفها الله عنهم، واما القرى بتلك الناحية فخرب اكثرها.

ويقول الداوداري والمقريزي في «حوادث 659هـ»:

وردت الاخبار «في ربيع الآخر» من ناحية عكا وبلاد الافرنج ان سبع جزائر في البحر خسف بها وبأهلها، بعد ان نزل عليهم دم عدة ايام وهلك منهم خلائق كثيرة قبل الخسف، وعاد اهل عكا لابسين السواد وهم يبكون، يجلدون ارواحهم بأكمام الزرود الذي عليهم ويستغفرون لذنوبهم.

ناقش «الغنيم» آراء عدد من المؤرخين القدامى فبين اخطاءهم واوهامهم في ضوء احدث النظريات والوقائع. ويخرج بتصور كاف عن مقدار الدماء الذي تحدثه الزلازل في القوى البشرية، حيث يكون الضحايا بالآلاف، وربما بادت مدن وقرى او اجزاء كبيرة منها، حدث هذا في دمشق والقاهرة واريحا والرملة وصفد والقيروان وتبريز وجنزرة وغيرها.

سجل الزلازل العربي ـ موسوعة علمية تاريخية ـ جغرافية سدت ثغرة كبيرة في المكتبة العربية.