النوري عبيد: انتهى عصر الحكومات الناشرة والكاتبة والقارئة ولابد من خطط جديدة

رئيس اتحاد الناشرين التونسيين لـ «الشرق الاوسط» : ما ينشر في تونس سنويا لا يتجاوز مائة كتاب أغلبها في الدراسات الإنسانية والإبداع

TT

يؤمن الناشر التونسي، النوري عبيد، بسياسة النشر الثقيل، ويرى أن من شأنها أن تؤصل للعلاقة المضطربة في عالمنا العربي بين الناشر والمؤلف، ومن هذا المنطلق كان تصديه لنشر«معجم الماركسية النقدي»، الذي استغرق العمل به قرابة العشرين عاما.

ويرى عبيد ان استضافة معرض فرانكفورت هذا العام للعالم العربي فرصة حقيقية لابراز الجوانب المهمة في ثقافتنا وفكرنا، وكذلك الكتاب العربي وما وصل اليه من تطور على شتى المستويات.

في هذا الحوار معه، على هامش اشتراكه في معرض القاهرة للكتاب، يطرح رؤيته كناشر ويتحدث عن هموم النشر في الوطن العربي.

* نتحدث منذ سنوات طويلة عن أزمة النشر في الوطن العربي. ما هي أسباب ذلك في تقديرك؟

ـ في ظل الاستعمار ،الذي كان جاثما على صدر امتنا العربية حتى منتصف القرن العشرين، كانت الكتابة والنشر لهما دافع مقاومة الاستعمار وتشمل البحث عن تراثنا العربي والحلم بحياة وقيم افضل، ولكن بعد نجاح حركات التحرر في الحصول على استقلال جزئي بدأت مرحلة بناء الدولة، فكان كتاب السلطة يقابلهم كتاب المعارضة حالمين بمستقبل افضل ورافضين للقهر والظلم.

وجاءت التحولات الدولية وسقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة لتضاعف الشعور بأن الكتابة ليست فعلا تأسيسا وكذلك شعور القارئ بعدم جدوى القراءة.

وفي المقابل، الكاتب مضطرب لا يبدع الا بعض النصوص الأدبية، والناشر لا يملك خطة نشر تراعي حاجيات القارئ وغاياته، وهروب القارئ الى الإنتاج الخارجي والانتاج الثقافي الخفيف الذي لا يتطلب جهدا ولا يحمل قيمة، فاصبح كل شيء موضة، الغناء والملابس والقراءة.

بالاضافة الى تلك العوامل يمكننا أن نضيف مسائل هيكلية والمتمثلة في انتهاء الحكومات الناشرة والكاتبة والقارئة في ذات الوقت، حيث كانت تلك الحكومات تدعم الكتاب وتوصله للقارئ بأسعار زهيدة واحيانا مجانية.

والخصخصة لم تنتج حتى الان ناشرا قويا، ولم تجعل من الكتاب قطاعا اقتصاديا مكتملا ولم تعد اغلب الحكومات العربية تهتم بالكتاب رغم ان كل نشاط ثقافي يحتاج الى دعم في مواجهة العولمة.

عنصر آخر له علاقة بتخلخل القيم في المجتمعات العربية هو عدم وجود قضايا تحظى بالاهتمام، كل هذا جعل دور الكاتب والمثقف مرتبكا.

* معجم الماركسية النقدي أحد إصداراتكم الأخيرة، لماذا تمسكت بإصدار هذا الكتاب الغالي التكلفة والذي تطلب أكثر مما يقرب 18 عاما، وحالة النشر العربي متردية والفكر الاشتراكي في أزمة؟ ـ لقد شرعت في التهيئة لإصدار ترجمة لهذا الكتاب، الذي اشترك في تأليفه 104من المتخصصين الفرنسيين، في عام 1989، وجاءت البيروسترويكا، فأوقفت خطورة نشر مثل هذا الكتاب في حجمه حيث قام على تأليفه 104 من المؤلفين الفرنسيين لكننا لم نلغ المشروع فقمنا بأعمال مراجعة تحرير جديدة وتوحيد المصطلح منذ 1997 الى 2003، وقمنا بالاتفاق مع دار الفارابي اللبنانية على النشر المشترك للكتاب وذلك لضمان ترويج اكثر والعمل على اخراجه في احسن صورة. قمنا بذلك لقناعتنا بأهمية المعجم بالنسبة للذين يؤمنون، أو لا يؤمنون، بالنظرية الماركسية لانه معجم نقدي يتناول المصطلح ويبين أسسه والاختلافات حوله، ويترك الابواب مفتوحة، فهو ليس معجما ايديولوجيا وسياسيا.

ثانيا، تكمن أهميته، بالنسبة للقارئ العربي، في اثراء اللغة العربية بمصطلحات مهمة في العلوم الانسانية عامة.

ثالثا أهمية نشره في هذا الوقت يمكن ان نجدها في عبارة جورج لابيكا في مقدمته للطبعة العربية حيث يقول: تصدر هذه الطبعة في ظرف يمر به العالم العربي والاسلامي بأزمة حادة، وكما يعلم الجميع فإن تلك الازمة يمتزج فيها وجهان اثنان، أولهما مرتبط بطبيعة النظم السياسية، والثاني مرتبط بوضع دولي غير مسبوق، أو كما جاء في ظهر الكتاب «إن الفعل الذي لا يستند الى معرفة مآله الانتكاس» كل ذلك جعلنا نتمسك طوال هذه الفترة بضرورة إنجاز هذا العمل، ولذلك حشدنا طاقتنا واستعنا بمترجمين من مصر ولبنان بالاضافة الى المترجمين التونسيين.

* ماذا عن حالة النشر في تونس؟

ـ تونس تنشر في حدود 100 كتاب في السنة اغلبها في الدراسات، والابداع يمثل اقل من النصف، واكثر من نصف هذا النصف ينشر على نفقة المؤلف. معدل التوزيع لا يتجاوز 2000 نسخة، تشتري منه وزارة الثقافة في حدود 10% حصرا من كل كتاب ينشر توزعها على مكتباتها العامة (300 مكتبة عامة) يوجد في تونس حوالي 60 دار نشر وعدد الدور النشيطة لا يتجاوز 40% .. هذه المعطيات ليست علامات ازدهار في قطاع النشر، بل علامات أزمة، مما أجبر اغلب الناشرين الى الاعتماد على النشر المتخصص، وهي ظاهرة ايجابية في بعض جوانبها ولكنها ايضا مؤشر على أن القارئ العام يتقلص.

* لماذا يتقلص؟

ـ عملية النشر في تونس نشاط حديث لا يتجاوز عمره 35 عاما، ولذلك فهي لا تقوم على قواعد مهنية تنطبق عليها المواصفات العامة لتلك المهنة، ومن اجل الخروج من ازمة النشر لابد من العمل على تأسيس ناشر قدير على القيام بمهامه، يعرف متطلبات هذه المهنة، قادر على استفزاز القارئ والكاتب، لذلك فإن اتحاد الناشرين التونسيين بصدد وضع خطة عملية للتكوين في ميدان النشر بالتعاون مع الجامعات ومع مراكز التكوين لوزارة التربية، وحصلنا على دعم لاكتشاف حاجيات النشر وانجاز برامج تعليمية في هذه المهنة، في كل نشاطاتها ابتداء من قراءة المخطوط ومرورا بالتعاقد مع المؤلفين الى كل الجوانب الفنية للمهنة من طبع ورق... الخ، وهذا هو برنامج عملي كرئيس للاتحاد في دورته الحالية.

*متى تأسس الاتحاد؟

ـ في العام 1985.

* وماهو برنامجك للاتحاد التونسي؟

ـ وضع اسس لميثاق شرف لمهنة النشر، يحدد العلاقة بين الناشر وبين المؤلف والناشر وزميله الناشر والموزع.. الخ، هدفها احترام القارئ وحقوق الملكية الفكرية ودعم هذه المهنة.

*ودورك في اتحاد الناشرين العرب؟

ـ لقد اخترت في تلك الدورة لعضوية مجلس ادارة اتحاد الناشرين العرب وبرنامجي يقوم على المساهمة في تقوية دور الاتحاد لترشيد مهنة النشر على المستوى العربي.

*ماذا تعني بالترشيد؟

ـ تقنين العلاقة بين الكاتب والناشر، ومقاومة التزوير، ودفع اسس التعامل الديمقراطي داخل الاتحاد، وتقوية تمثيله للناشرين انفسهم، ودعم علاقته بمنظمات الناشرين على المستوى الدولي.

وانا أرى انه اذا ما وصلنا الى تلك النتيجة سنساهم في اخراج النشر العربي من أزمته، وندعم مساهمة الناشر على المستوى المحلي والدولي، لان الكاتب العربي لايزال يستهلك ولا ينتج، واحيانا يستورد ويقلد، هذه هي التحديات الكبرى التي نجابهها.

* في دورة معرض فرانكفورت لعام 2004 سيكون العالم العربي ضيف شرف، ماذا يعني ذلك؟

ـ يعني السماح للثقافة العربية للتعريف بنفسها لدى كل المهتمين في العالم بمجالات انتاجها وهذا المعرض يرتاده المختصون بكل لغات العالم في شأن الكتاب والثقافة.

من الناحية العملية ادارة المعرض اعطتنا مساحة 29000م للتظاهرة الثقافية العامة وتشرف عليها المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم بالاضافة الى 22000م للناشرين العرب، والغاية هي محاولة التعريف بالكتاب العربي وترويجه الى لغات العالم الاخرى، وذلك يتم للمرة الاولى ويمكن ان تكون الوحيدة لانهم في ادارة المعرض يحرصون على استضافة ثقافة معينة كل عام.

* وماذا اعد اتحاد الناشرين العرب لهذه المناسبة المهمة؟

ـ على مستوى البرامج المطروحة هناك خطة لترجمة 150 عنوانا عربيا الى اللغات الاخرى وعرض 10000 عنوان واستضافة 150 مؤلفا عربيا ومشاركة 150 ناشرا عربيا الى جانب التظاهرات الثقافية الاخرى حول التراث والمخطوط والخط العربي والسينما والمسرح والمنتج الثقافي العربي عموما. واتحاد الناشرين العرب هو المسؤول عن اختيار الكتب التي ستترجم والتي ستعرض، واتمنى ان يوفق في ذلك ويتغلب على العراقيل.

* ما هي تلك العراقيل؟

ـ تتمثل في تسديد كل الدول العربية لحصصها التي تقدر بحوالي 3 ملايين دولار مبدئيا، ومن العراقيل ايضا انعدام التنسيق بين اتحاد الناشرين والحكومات رغم وجود لجان فنية لكنها شكلية، ولا ننسى أن المعرض سيقام في اكتوبر( تشرين الأول) المقبل، واعتقد ان الوقت غير كاف لانجاز برنامج الترجمة، الا اذا تضافرت الجهود على المستوى التنظيمي والمالي وخصخصة لجان ينحصر عملها في هذا الامر حيث ارى انه من الضروري ان يتفرغ لتلك المهمة نخبة من المثقفين والمترجمين والناشرين والاداريين حتى نستطيع ان نواجه هذا التحدي.