هل يتحمل العرب والمسلمون مسؤولية إسعاد الأميركيين؟

كاتب أميركي يرى أن الخوف من المسلمين (ومن الإسلام) من أسباب فشل الأميركيين في تحقيق السعادة الكاملة في ظل الرأسمالية

TT

يقول جورج ويل، الذي هو ربما اشهر كاتب صحافي اميركي محافظ: «الخوف الاجتماعي واحد من امراض المجتمعات الناجحة، وذلك لأن كل واحد يريد ان يكون ناجحا اكثر من الآخر. ولهذا يعتقد كثير من الاميركيين ان هذا الخوف ناتج من تناقضات التقدم، كما يوضح هذا الكتاب الممتاز». ان يقول هذا الرجل هذا الرأي لا يعتبر دعاية للكتاب بقدر ما هو تحذير من مساوئ الرأسمالية، والرجل من اقوى مؤيديها في اميركا، ومن اكثر الداعين لنشرها في بقية العالم.

ولا يخفي الاميركيون عن الشعوب الاخرى، وخاصة شعوب العالم الثالث، انهم يريدون الاستفادة من قوتهم العسكرية الحالية لنشر حريتين: السياسية، والاقتصادية. لهذا ربما تفضل هذه الشعوب دراسة محاسن الرأسمالية ومساوئها، مادامت في طريقها اليهم، او وصلت فعلا.

هذا الكتاب اسمه: «نقيض التقدم: الحياة احسن، ولكن الناس اقل سعادة». وكاتبه هو الصحافي جريج ايستربروك، الذي يكتب في مجلتي «نيوريبابلك» و«اتلانتك» الليبراليتين، ويحاضر في معهد بروكنجز الليبرالي هنا في واشنطن. (وهي إشارة الى ثناء الكاتب ويل، الجمهوري المحافظ، على الكتاب).

السؤال «هل تحقق الماديات السعادة؟» قديم قدم الفكر الانساني. فقدماء اليونانيين قالوا ان السعادة هي مجتمع من الفلاسفة والمفكرين الذين لا يضعون اعتبارا للماديات. والرومان قالوا انها مجتمع رومانسي يتنافس فيه الناس على الشعر والموسيقى، لا على الماديات. ومفكرو القرون الوسطي كانوا يتحدثون عن عالم «كوكين» الخيالي، حيث لا يعمل الانسان، محاطاً بكل انواع الطعام والشراب. وفي القرن السادس عشر كتب توماس مور كتاب «يوتوبيا» (اول اشارة الى الاسم)، وتحدث فيه عن عالم بدون نقود، يعمل فيه الناس لأنهم يحبون خدمة الآخرين. وعاد الفرنسي روسو الى ربط السعادة بالرومانسيات والشعر والموسيقى. أما البريطاني هكسلي فاقترح دواء يجعل كل الرجال والنساء يبتسمون، ويمرحون بدون حدود.

لكن الكتاب اهمل رأي الاديان (وهي، طبعا، جزء من التاريخ الفكري الانساني، مهما كان رأينا فيها، وفي مفسريها). النبي موسى لم يشر الى جمع المال في الوصايا العشر. والنبي عيسى قال ان دخول الاغنياء الجنة مثل دخول الجمل ثقب الابرة. والقرآن الكريم قال ان المال والبنون زينة، لكن اكرمنا عند الله اتقانا.

* بيت وسيارتان

* على اي حال، تنقل المؤلف عبر القرون، ووصل الى التفسير الاميركي المعاصر للسعادة، وقال انها: «بيت كبير، وسيارتان، ودخل يكفي لكل شيء، خاصة عند الكبر في السن، وطعام بدون سمنة، وجنس بدون مرض». وقال ان الاميركيين الاكثر وعيا بالعالم الذي حولهم يرون السعادة، ايضا، في نهاية الفقر، والامراض، والجهل، والحروب.

ويرى الكتاب ان الاميركيين (والاوروبيين) يكادون ان يحققوا السعادة الشخصية مع بداية القرن الحادي والعشرين. فمتوسط عمر الاميركي الآن77 سنة (كان 47 سنة مع بداية القرن العشرين). ودخله تضاعف عما كان عليه قبل خمسين سنة. وثلاثون في المائة من العائلات الاميركية تملك ثلاث سيارات او اكثر. ونسبة امراض القلب والكلى والسرطان اقل مما كانت عليه قبل خمسين سنة (بالمقارنة مع زيادة السكان). ويصرف الاميركيون على الزوارق البحرية 30 بليون دولار كل سنة (هذا يساوي ميزانية كوريا الشمالية).

وبعد عشرين سنة سوف يكون نصف الاميركيين البالغين خريجي جامعات، وهذا لم يحدث في التاريخ.

* إيجابيات وسلبيات

* نصف الكتاب عن ايجابيات النظام الرأسمالي، ولكن النصف الثاني عن سلبياته، مثل ان الاميركيين يصرفون مائة وخمسين بليون دولار كل سنة لتخفيض اوزانهم (هذا يساوي جملة ميزانيات افقر خمس عشرة دولة في افريقيا). لكن اكثر سلبيات الرأسمالية لا تحسب بالارقام، ولكن عن طريق علم جديد هو «علم النفس الايجابي» الذي يحلل درجة سعادة كل شخص، ودرجة سعادة الشعب كله. الاستفتاءات الشعبية توضح ان الاميركيين، بصورة عامة، يعتقدون ان المستقبل سيكون اسوأ من الحاضر، واولادهم وبناتهم سيكونون اقل سعادة منهم. لماذا؟ لأن الجيل الحاضر، رغم توفر كل شيء، يشتكي من الارهاق الجسدي والارهاق النفسي (الاثنان يؤثران على بعضهما البعض).

قال الكتاب ان هناك اربعة اسباب لهذه الظاهرة: الاول: تعقيدات الحياة الحديثة (مثل المواعيد، والبرامج، وكثرة السيارات، وكثرة الناس). الثاني: تعدد الخيارات (مائة وخمسون قناة تلفزيون، وخمسون نوعا من انواع الخبز). الثالث: الطبيعة البشرية التي تريد كل شيء، وتشكو من كل شيء (الكتاب استعمل وصف «ضجر»). السبب الرابع هو الذي ركز عليه الكتاب، وهو الذي يهمنا هنا لأن له صلة بهجوم 11 سبتمبر وبالعرب والمسلمين، وهو الخوف.

* انواع الخوف

* اعتمادا على النقاط السابقة، يرى الكتاب ان الخوف انواع:

الاول: الخوف من الاختيار، وهذا له صلة بما ذكرنا سابقا من تعدد الخيارات، لأن الشخص يخاف ان يختار نوع الخبز الاقل لذة، ويخاف ان يشاهد برنامجا تلفزيونيا بينما قناة اخرى تعرض برنامجا افضل، ويخاف ان يواظب على عمله، بينما هناك فرص عمل احسن.

الثاني: الخوف من الاحساس بالقناعة، ولهذا هناك ملايين من الاميركيين يبذلون جهدا عقليا كبيرا لاقناع انفسهم بأنهم ليسوا احسن من غيرهم. وطبعا هذا يدخل الشخص في حلقة بدون نهاية، لأنه يريد تحقيق السعادة بانكار السعادة التي حققها.

الثالث: الخوف من الكوارث التي تقضي على انجازات الاميركيين (الاوروبيين). وهي أما كوارث داخلية بسبب انهيار اقتصادي مفاجئ، او تلوث البيئة، او قلة المصادر، او كوارث خارجية بسبب المهاجرين الاجانب والارهاب. وعن الارهاب قال الكتاب: «يعتقد بعض الاميركيين ان هجوم 11 سبتمبر، وزيادة العداء لاميركا، خاصة في دول العالم الثالث، هما بداية عامل قلق جديد في العلاقات الدولية. ويزيد القلق لأن العدو الجديد غير معروف تماما، وفترة القضاء عليه غير محددة (الرئيس بوش نفسه قال ان الحرب ضد الارهاب ستكون طويلة)».

* لماذا يكرهوننا؟

* وناقش الكتاب السؤال الذي اصبح الاميركيون يرددونه بعد هجوم 11 سبتمبر: «لماذا يكرهوننا ؟» (يقصدون العرب والمسلمين). وطبعا، هناك خطأ في السؤال نفسه، لأن الاستفتاء الذي اجرته مؤسسة «بيو» الاميركية في عدد من الدول الاسلامية، في السنة الماضية، فرق بين الكراهية والغضب في جانب، والمعارضة والرفض في الجانب الآخر.

في البداية قال بعض الاميركيين ان «الكراهية» سببها الحسد على ما حققوا (من حضارة، وتقدم، وحرية). ثم قالوا ان السبب هو الفقر (وظهرت دعوات لزيادة برنامج المساعدات الاجنبية). ثم قالوا ان السبب هو انعدام الحرية (واعلن بوش خطة نشر الديمقراطية في دول الشرق الاوسط). وتجاهل هؤلاء، عمدا او خوفا، السبب الرئيسي، وهو عدم احترام اميركا للعرب والمسلمين، وتأييدها لاسرائيل. الكتاب قال ان هناك سببا جديدا، وهو: «عقدة النقص وسط العرب والمسلمين». ولسوء الحظ، ولأن مؤلف الكتاب ليس متخصصا في الدين، ولا في مواضيع الشرق الاوسط، فقد دخل في تعقيدات وارتكب اخطاء ما كان هناك داع لها، مثل خلطه بين الاسلام والمسلمين (طبعا، هناك فرق كبير بين الرسالة وبين الذين يتبعونها، او يحاولون اتباعها).

* الإسلام والغرب

* ومثلما اخطأ هنتنجتون، مؤلف كتاب «صراع الحضارات»، اخطأ هذا الكتاب لأنه قارن بين «الاسلام والغرب»، بدل ان يقارن بين «الاسلام والمسيحية» او بين «الدول الاسلامية والغرب». هل نحن نواجه اختلافا بين الاديان، او بين الدول؟ ولماذا نقول ان الاسلام هو المسلمين وان المسيحية هي المسيحيون؟ على اي حال، لا بد من اعطاء مؤلف الكتاب حقه، فهو يقول ان الاسلام لم يضرب اميركا يوم 11 سبتمبر، ولكن ضربها العرب والمسلمون. كما تحدث عن سنوات قضاها كمراسل صحافي في باكستان، واثنى على المسلمين الذين تعامل معهم هناك.

لكن مؤلف الكتاب اضاف الخوف من المسلمين (ومن الاسلام) الى اسباب فشل الاميركيين في تحقيق السعادة الكاملة في ظل الرأسمالية. طبعا، قبل هجوم 11 سبتمبر كان هناك قلق واحباط وسط الاميركيين، لكن ادخال المسلمين والعرب في الموضوع ليس شيئا حكيما (حتى اذا كان صحيحا).