جماليات العجيب والغريب في حكايا شهرزاد

الفضول عند الإنسان هو الدافع لاكتشاف الغرائب

TT

«لم يؤلف في العربية كتاب جامع ومختصر عن حكاية العجيبة والغريبة بل أكثر من ذلك لم أعثر في الدراسات العربية على دراسة مهما كانت دقيقة أو غير متطورة لهذا النوع السردي الذي وجد مرة واحدة وإلى الأبد في ألف ليلة وليلة».. بهذه الأسطر يصدر الناقد السعودي على الشدوي كتابه النقدي "جماليات العجيب والغريب مدخل إلى ألف ليله وليله" الصادر عن النادي الأدبي في جدة.

والمؤلف يتتبع فعل كلمتي أعجب وأغرب التي تتصدر حكايات ألف ليلة وليلة بإيقاعها وفعلها في نفس السامع، وقدرتها على أسر المتلقي طوال أكثر من ثلاث سنوات هي المدة التي استغرقتها شهرزاد في سرد حكاياتها العجيبة والغريبة على مسامع الملك شهريار المصاب بحمى القتل.

ويصل الشدوي في بحثه إلى حقيقة «أن الأسمار يرتبط محتواها مع العجيب والغريب من حيث هما إطاران مناسبان للسرد فهو مشبع بهما بل إن عدداً من الأنواع السردية المعروفة في الأسمار تقلب العالم رأساً على عقب أو تمده إلى أقصى مداه كي يبدو عجيباً وغريباً». ويبين «ان المبدأ الذي تستند له الحكاية العجيبة والغريبة فهو الفضول أي أن يكون الإنسان قادرا على اكتشاف بقاع بعيدة وأشياء غير مألوفة وكائنات غير معروفة. إن الحكاية العجيبة والغريبة لا ترتهن لبقايا أساطير أو معتقدات مثلما هي الحكاية الشعبية بل مرهون بالأمكنة غير المطروقة أو غير المألوفة والكائنات الغريبة والأشياء العجيبة وأن سلبهما أحد ذلك فلن تعود كذالك». ويخلص إلى حقيقة مفادها إن القدرة العجيبة في امتلاك أحاسيس السامع لم تكن تتأتى لشهرزاد لو أنها أخلت بالعقد الضمني الذي عقدته مع شهريار في إعطائه كل ليلة جرعة مضاعفة من العجائب والغرائب. فكان الشرط المتفق عليه دون إعلانه هو الحفاظ على هذا المستوى المتصاعد من التشويق والإثارة يقف خلف هذا الدفق شخصية مثيرة للجدل قبلت أن تخوض مع السفاح لعبة الموت والحياة كل ليلة». يقول الشدوي في كتابه «لا أحد يشك في غزارة السرد عند شهرزاد كغريزة النحل في صنع أقراص العسل فألهمتها هذه الغريزة أن معارفها التي استقتها من ألف كتاب ألفها شعراء ومؤرخون وعلماء فلك وحياة وسحرة وكيميائيون لن تفيدها ما لم تكن قادرة على إعطائها شكلاً سردياً لقد تذكرت بصورة غامضة ومبهمة أشبه ما تكون بخاطرة إلهام مفاجئة كتبها الألف ودخلت إلى مضمونها وخرجت من غير أي رقابة ليس لأنها مازالت تقرأ وإنما لأن ما قرأته باق في ذاكرتها». يدخل الشدوي هذا العالم الآسر المخيف ويحلل قدرة شهرزاد على كسب يوم جديد بعد كل حكاية يسمعها شهريار ويصف صراعها معه بـ «صراع تحمل لا صراع سرعة وتعجل». ويضيف «في حكايات شهرزاد صعوبات تتحدى مخيلة القارئ ووحشية تفوق خياله يؤدي أدوار هذه الحكايات بشر في مختلف الهيئات يفعلون كل شيء لاجتذاب الشقاء لأنفسهم. ويواصلون حركاتهم برفق مثل حلم عميق هؤلاء الأبطال مولعون بالسفر ويحبون السير في البراري والقفار والسهول ولأوعار وجزائر البحار» كما أنهم «بشر أسوياء يعلمون إبليس المكر ويسرقون الكحل من العين شطار يمارسون شطارتهم على السحرة والجن أعاجم يكتبون شعراً فصيحاً وأولياء يمشون على الماء عشاق وملوك إنس وجن أخوة من الرضاعة يلعبون الشطرنج في قصور مهجورة تقع في أمكنة غير مرئية بشر لا مثيل لهم يقفون صفوفاً طويلة كي يتفرجون على حسن منديل صنعته امرأة». هذا العالم الكثيف من الدهشة والتشويق وألا معقول هو وحده ما حدا بشهريار بعد الليلة الأولى أن يقسم بأن لا يقتل شهرزاد إلا بعد أن يسمع بقية حديثها. هذه القدرة على سرد وخلق العوالم المغرية والمخيفة والمشوقة واجتذاب الاهتمام تخرج ألف ليلة وليلة عن فكرة الحكاية الشعبية أو الشطارية كما يؤكد الشدوي في بحثه النقدي حول عجيبها وغريبها. في الفصل السادس والأخير يتحدث الباحث عن انتحال المضمون فيقول«النقاش في هـــــذا الفصل مكرس للغريب والعجيب ويمكن لاستخدام هذين المفهومين أن يولد بلبلة في اتجاه التحليلي إذا لم أرفع مباشرة الغموض الذي يكتنفه ذلك أن الاستخدام المعتاد الذي خص به هذين المفهومين يساهم في إسناد ابتكارات غريبة وشاذة من غير أي مبدأ إبداعي واضح يهتدى به ثم يصــــل إلى حقيقة أن هذين المفهومان أي العجيب والغريب ولدا في كتب الرحلات وانتقلا إلى كتب العجيب والغريب فيما بعد لكنهما تجددا من ناحية التوظيف الحكائي في ألف ليلة وليلة ثم يبدأ الباحث العودة إلى الجذر الغوي لكلمتي عجيب وغريب واستعمالاتهما في اللغة ومؤداهما اللفظي ومدلولاتهما الضمنية».