الحرب والسلام في القرن الواحد والعشرين بالمفهوم الاميركي

TT

تركني هذا الكتاب اشعر بصراع عميق. فعظم الحجج التي طرحها توماس بارنيت، الذي يعمل محاضرا بالكلية البحرية العسكرية، في كتابه بعنوان «خارطة البنتاغون الجديدة: الحرب والسلام في القرن الواحد والعشرين»، تتسم بالمعقولية والقبول. فهو يقول، على سبيل المثال، ان الحرب العالمية الجديدة على الارهاب يجب ان تأتي في سلم الاولويات في مرتبة بعد نشر العولمة الاقتصادية في مجموعة من الدول المتخلفة التي تمتد من آسيا الوسطى وأجزاء من اميركا الجنوبية الى افريقيا ومنطقة الشرق الاوسط وتمتد عبر الاراضي السوفياتية السابقة في آسيا باتجاه اندونيسيا. ويرى بارنيت ان الولايات المتحدة ودولا اخرى صناعية مثل اليابان وانجلترا يجب ان تخصص قواتها وامكانياتها لمساعدة هذه الدول كي تصبح مربوطة بشبكة الانترنت والتجارة وإبعاد القوى والجهات المسؤولة عن انعدام الأمن في أي دولة او منطقة. اذا تحقق ذلك، كما يقول بارنيت، فإن «نهاية الحرب ستكون في متناول الولايات المتحدة».

يقترح بارنيت إنشاء قوتين عسكريتين لدفع هذه الخطة الى الأمام، اولاهما قوة ضخمة وكبيرة العدد للاضطلاع بالدور القتالي، وثانيهما قوة ادارية لتنفيذ مهام حفظ السلام والمساعدات الانسانية وجهود إعادة الإعمار، ويجب ان نتوقع الدول الاخرى ان تبدى رغبتها في هذا المشروع. ويشير بارنيت في كتابه الى من يصفهم بـ«الأطراف السيئة» في مجموعة الدول المشار اليها ويقترح ان يرحل هؤلاء، وهم كاسترو في كوبا وتشافيز في فنزويلا وكيم جونغ ايل في كوريا الشمالية. إلا انني لم اعثر في الكتاب على ما يشير الى الخدمة العسكرية الالزامية وزيادة الضرائب، كعنصرين ضروريين لبدء مشروعه المقترح. فحروب واحتلال البلقان وافغانستان والعراق شكلت ضغطا على القوة البشرية للجيش الاميركي الذي جرى نشره في هذه المناطق، فيما لا تزال قوات الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة على الخطوط الجانبية. وهنا يبرز السؤال: «كيف يمكن للدول الرئيسية الدخول في مغامرات جديدة؟».

بوصفه مرتبطا ارتباطا وثيقا بالبحرية الاميركية، لم يعرض بارنيت دول قوات الحرس الوطني الاميركية على النحو الصحيح. فهو يصف دورها بأنه «تراجع كرصيد قتالي في الحروب» وان دورها بات الى حد كبير مقتصرا على توفير الأمن للمنشآت الاميركية والقواعد العسكرية في مختلف دول العالم. ولكن هل هذا صحيح؟ قوات الحرس الوطني الاميركية تلعب دورا رئيسيا في عمليات حفظ السلام في البلقان، اذ ان بارنيت افترض خاطئا ان هذه القوات تعمل الآن في «مجال مختلف تماما». فقوات الحرس الوطني تشكل الآن 40 بالمائة من القوات الاميركية، بما في ذلك لوائان مقاتلان يواجهان التمرد في العراق. حجة بارنيت التي تلخصت في ان القوات الاميركية الحالية تفتقر الى التنظيم والتجهيز للاضطلاع بمهام البناء القومي ليست صحيحة هي الاخرى. ولكن كما هو واضح في حال العراق، فإن القوات يجب ان تتلقى تدريبا على كيفية القتال والبناء ايضا في نفس الوقت. ذلك ان افضل عمليات إعادة البناء نفذتها الفرقة 101 المحمولة جوا، بقيادة الجنرال ديفيد بيتروس، في شمال العراق، فيما تتحمل هذا القوات خسائر تفوق تلك التي تحدث في العمليات القتالية الرئيسية. فهذه القوات شيدت مدارس وعيادات وتساعد على توفير العمل في الوقت الذي تشعر فيه سلطة التحالف المؤقتة بالحيرة والارتباك. بل ان هناك اتجاها الآن لمنح قادة الفرقة المزيد من التمويل لإعادة إعمار العراق لأنهم الاكثر التصاقا وعلاقة مع المواطن العراقي العادي وأبعد ما تكون عن التقوقع والانعزال داخل المنطقة الخضراء الخاصة بسلطة الائتلاف المؤقتة. ترى ما هو اقتراح بارنيت لإزالة كيم جونغ ايل من السلطة؟ كما راينا في العراق، فإن وجود «بضع جهات سيئة» ربما يسفر في بعض الأحيان عن جلب آلاف، إن لم يكن مئات الآلاف، ممن سيحلون محلهم، رغم ان بول وولفويتز ابلغنا بمدى سهولة إطاحة صدام حسين وجلب الديمقراطية الى العراق. وفيما يتسم الكثير من عمل المؤلف بالافتقار الى المعلومات الصحيحة والسذاجة احيانا، فإنه كان على حق في دعوته للعالم الصناعي للتركيز على إخراج الدول المتخلفة من وهدتها من خلال المفاوضات التجارية وإنشاء مؤسسات دولية جديدة لتعزيز هذا التوجه. كان المؤلف على صواب ايضا عندما قال ان القارة الافريقية يجب ان تأتي اخيرا «لأنها تقدم القليل فقط». ومن المتوقع ان يكون تركيز العمل المرتقب في إطار هذا المقترح في منطقة الشرق الاوسط، حيث الأعداد المتزايدة من الشباب الذي لا هدف له والاصوليون الذين يجلسون على اكبر احتياطي نفطي في العالم. ربما يكون اكثر فائدة لبارنيت اذا جلس مع من لديهم خبرة وتجربة عملية ومعرفة بالواقع مثل الجنرال بيتروس قائد الفرقة المدرعة لمعرفة ما يجري على ارض الواقع.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»