«حلف الإرهاب» من الظهور إلى الاختفاء

الباحث المصري عبد الرحيم علي يرصد نشأة «القاعدة» وتحولاتها السياسية والخلافات التي عصفت بين مؤسسيها

TT

بعد حوالي ربع قرن من نشأة تنظيم «القاعدة» على الصعيدين الفكري والحركي، يرصد كتاب «حلف الارهاب: تنظيم القاعدة من عبد الله عزام الى إيمن الظواهري 1979 ـ 2003»، الصادر حديثا للباحث عبد الرحيم علي، مسيرة هذا التنظيم منذ أن كان فكرة في ذهن مؤسسه الشيخ عبد الله عزام حتى بات واقعا لا يمكن تجاهله يؤثر على حياة الأمة ويشارك في رسم مصيرها.

يتضمن الكتاب ثلاثة اجزاء، يتتبع المؤلف في الجزء الاول والخاص بعبد الله عزام بدايته، حيث ولد في لواء جنين في الشمال الاوسط من فلسطين عام 1941، ثم انخراطه في جماعة الاخوان المسلمين وهو دون الخامسة عشرة، وتأثره في هذه السن بأفكار الشيخ حسن البنا، حيث كان يعلن دائما انه تتلمذ على يد أربعة: سيد قطب فكريا، والنووي فقهيا وابن تيمية عقائديا، وابن القيم روحيا.

وبعد احتلال الضفة الغريبة عام 1967، قرر عزام ـ كما يشير الباحث ـ الهجرة من فلسطين الى شرق الاردن ضاربا عرض الحائط بتوسلات والدته، حيث انخرط هناك مع مجموعات من الاخوان الاردنيين والفلسطينيين في عدد من العمليات الفدائية التي اشنت ضد اليهود من شمال الاردن، في الوقت الذي حصل فيه على درجة الدكتوراه وعين مدرسا في كلية الشريعة في الجامعة الاردنية. في هذه الفترة كان عزام قد انتسب الى الازهر للحصول على شهادة الماجستير والتي حصل عليها عام 1970 بتقدير جيد جدا، الامر الذي كفل له العمل معيدا في الجامعة وأدى تجنيده لعشرات الشباب من الجامعة في صفوف الاخوان الى فصله والحد من نشاطاته في القاء المحاضرات والدروس بالمساجد والساحات العامة، وهو ما جعله يتوجه الى السعودية، حيث عمل في جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1981 ثم سافر الى افغانستان لاستقبال الشباب الوافدين من فلسطين ومن السعودية والاردن الراغبين في الجهاد وشحن معنوياتهم وتشجيعهم على المضي في التجربة.

ويضيف الكتاب بأن عزام عندما اقترب من المجاهدين الافغان وجد ضالته المنشوده، فبدأ العمل في وسطهم وانشأ عام 1984 مكتب الخدمات الذي كان يوجه العرب في خدمة الجهاد الافغاني، والذي كان النواة الاولى لمائدة الانصار التي انشأها اسامة بن لادن فيما بعد لتتحول الى تنظيم «القاعدة» عام 1992 .

ويؤكد الكتاب أن عزام لم يكتف بتجنيد الشباب والدفع بهم في اتون المعارك في افغانستان وانما امتد نشاطه ليشمل بناء المعسكرات التدريبية والقتالية داخل افغانستان فكان اول معسكر اسسه «صدا» ليكون قاعدة انطلاق وتدريب للمجاهدين العرب على أرض افغانستان، وكان ذلك في ابريل (نيسان) عام 1986 واطلق عليه يومها اسم عرين الاسد ولم يكن معه ساعتها سوى مجموعة صغيرة من المجاهدين العرب يعدون على الاصابع ولكن تمكن بعد عام واحد من أن يجمع في عرين الاسد أربعمائة مقاتل تنامى عددهم على يدي بن لادن حتى وصلوا الى اكثر من عشرة الاف مقاتل فيما بعد.

ويشير الكتاب الى ان عبد الله عزام وضع عام 1987 الخطوط العريضة لتنظيم «القاعدة» واستكمل ميثاق تأسيسه معلنا أنه منظمة تتيح للمجاهدين القتال نيابة عن المسلمين المظلومين والمضطهدين في أرجاء الارض. وبعد رحيل عزام في حادث انفجار قنبلة تحتوي على عشرين كيلوغراما من مادة «تي ان تي» أدت الى مقتل ابنيه معه بينما كانوا في طريقهم لاداء صلاة الجمعة في بيشاور، تعددت الروايات حول هذا الحادث، ولكن اهمها ما روجته المخابرات الاميركية والباكستانية من ان اسامة بن لادن يقف وراء الحادث نتيجة لخلاف على السلطة، بينما تشير الرواية الاخرى الى ان اميركا ارادت التخلص منه بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي من افغانستان خوفا من خطره.

ويخصص عبد الرحيم علي الفصل الثاني من كتابه للحديث عن اسامة بن لادن زعيم «القاعدة» والذي يحمل ملفه الأمني رقم واحد في مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي والذي ولد في الرياض في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1957 ودرس الادارة والاقتصاد قبل الهندسة في جامعة الملك عبد العزيز في جدة ومنها التقى قيادات الاخوان المسلمين الذين كانوا اخرجوا للتو من السجون المصرية وهرعوا للسعودية لنشر فكرهم وطرح فكر السلف الوهابي كحل للخروج مما رأوه أزمة التغريب والعلمنة.

ويشيرالكتاب الى ان بن لادن كان من اوائل الشباب العرب الذين توجهوا الى افغانستان بعد الاجتياح السوفياتي لها، وهناك انشأ قاعدة للامدادات وبيتا لاستقبال الوافدين اطلق عليه «بيت الانصار»، بالاضافة الى معسكر للتدريب سماه «معسكر النصر» وخلال ذلك اتصل بعبد الله عزام، وقد حقق اسامة بن لادن مكانة مرموقة بين قادة الجهاد الافغاني بسبب شجاعته الفائقة التي تجلت عندما بدأت المرحلة الثالثة للجهاد والتي شارك فيها بنفسه، حيث شارك عام 1986 في معركة جلال آباد الشهيرة والتي انتهت بهزيمة القوات الروسية والعديد من المعارك غيرها.

ويلاحظ الكتاب انه خلال عامي 1984 و1988 لم يفترق بن لادن عن استاذه عبد الله عزام، بل شكلت أفكار عزام وبن لادن فكرة عالمية الجهاد والتصدي لقوى الشر في العالم اجمع، ولكن بعد اغتيال عزام واحتلال العراق للكويت والوجود الاميركي المكثف في الكويت، قدم بن لادن اقتراحا بالتصدي للعراق محذرا من مغبة الوجود الاجنبي الا انه لم يلق اهتماما، وهو ما اضطره للخروج الى السودان، حيث استقبل هناك ايمن الظواهري والعديد من الاصدقاء القدامى وقرروا تأسيس تنظيم يستطيع القيام بمهمة الانتشار السريع لتقديم المساعدة القتالية للمسلمين المضطهدين في العالم. وبالفعل بدأوا في جمع العناصر القتالية التي شاركتهم في الحرب ضد الروس وكان بن لادن يحتفظ معه بسجل كامل لهؤلاء الرجال من قتل منهم ومن لا يزال على قيد الحياة، وكان السجل يحتوي على كل البيانات الخاصة بالمقاتل من الاسم وتاريخ الميلاد الى الخبرات القتالية مرورا بالطريقة التي يمكن العثور بها عليه.

ويضيف الكتاب ان بن لادن والظواهري اختارا اليمن لتكون محطة لاستقبال وتدريب عناصر القاعدة التي أطلق على الافواج الاولى منها اسم «طلائع الفتح»، وسرعان ما بدأت عمليات القاعدة في كينيا والصومال والفلبين والسعودية، لكن ادى تصاعد الضغوط الممارسة من قبل الحكومات العربية والغربية على السودان لاخراج بن لادن منها، فاستقل هو ومائة وعشرون رجلا من اخلص اتباعه بالاضافة الى اسرته طائرة خاصة في يونيو (حزيران) عام 1996 الى افغانستان، وفي حضن طالبان عاش بن لادن اربع سنوات الى ان سقطت الحركة في ديسمبر (كانون الاول) عام 2001 ليختفي بن لادن ومن معه من مقاتلي «القاعدة» تحت حماية خاصة من القبائل الباكستانية القاطنة في المنطقة الحدودية بين افغانستان وباكستان.

وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن ايمن الظواهري والذي تضعه الحكومة الاميركية بوصفه الرجل الثاني ضمن اخطر 22 ارهابيا في العالم، حيث كشف تقرير لوكالة المخابرات المركزية الاميركية في فبراير (شباط) 2000، أن بن لادن عين الظواهري قائدا للحركة خلفا له وان بن لادن الذي يعاني من مرض نخاع العظام الخطير قد فوض الظواهري في ادارة امواله والانفاق على العمليات الجهادية وتنفيذ خطط التنظيم.

ويبقى اللافت في هذا الكتاب ما يحتويه من وثائق مهمة لكل من عبد الله عزام واسامة بن لادن وايمن الظواهري، فيضم العديد من المؤلفات للظواهري مثل «الولاء والبراء.. عقيدة منقولة وواقع مفقود» و«الحوار مع الطواغيت مقبرة الدعاة» و«جهاد الطواغيت سنة ربانية لا تتبدل» و«كشف الزور والبهتان في حلف الكهنة والسلطان»، بينما يحتوي على مؤلفات لعبد الله عزام منها «اتحاف العباد بفضائل الجهاد» و«الدفاع عن اراضي المسلمين أهم فروض الايمان»، بينما يحتوي الجزء الخاص بأسامة بن لادن، مجموعة من الاحاديث الصحافية كان قد أدلى بها بالاضافة الى رسائله التي كانت تبثها الفضائيات ورسائله الى مسلمي العراق وابن باز.