تحولات الفكر والسياسة ومشروع الأنصاري

دراسة في كتابات المفكر البحريني كنموذج للواقعية الجديدة

TT

كتاب محمد نعمان جلال الكاتب والدبلوماسي المصري «الواقعية الجديدة في الفكر العربي المشروع الفكري للأنصاري نموذجاً» هو خير مدخل الى مؤلفات هذا المفكر البحريني الذي يركز في كتاباته على مشروعين: الأول نقد الفكر العربي، من خلال كتبه «تحولات الفكر والسياسة في المشرق العربي» و«مساءلة الهزيمة» و«الفكر العربي وصراع الأضداد»، والاخير هو من أهم كتبه على الاطلاق. والثاني مشروع نقد الواقع العربي من خلال كتبه «تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية» و«التأزم السياسي وسوسيولوجيا الاسلام» و«العرب والسياسة.. أين الخلل؟». وهناك بالاضافة الى هذه الكتب المهمة كتابات لا تقل أهمية تمس بعض المحرمات الفكرية. وأول ما يلاحظ في مؤلفات الأنصاري «شجاعة في النقد ودقة في التحليل واقترابه من السلطة من دون أن ينافقها ومن دون أن يعاديها ولكن لديه شجاعة في نقدها»، كما أكد المؤلف في قراءته الشاملة لأعمال الأنصاري منذ البداية حتى الآن.

ويرى المؤلف أن الأنصاري «ينتمي لجيل الآمال والطموحات القومية وهو يصطدم باخفاق الطموحات ومن ثم يبدأ رحلة البحث عن الحقيقة ويتحدى الثقافة التقليدية مغربلاً التراث ليلقي الزبد جفاء ويحتفظ بما ينفع الناس والمجتمع».

ولذلك يشخص الأنصاري في كتابه الأخير «الناصرية بمنظور نقدي» الصادر في عام 2002 أربع مشاكل نواجهها وهي:

1 ـ المعضلة الحضارية الناجمة عن توتر العلاقة بين الاسلام والحضارة الحديثة.

2 ـ المعضلة السياسية المرتبطة بالاستقلال والوحدة والانتماء.

3 ـ المشكلة الاجتماعية النابعة عن الصراع الفكري حول القيم والمفاهيم.

4 ـ الأزمة الروحية والنفسية الناتجة عن التوتر النابع من أثر الاخفاقات التاريخية المتوالية.

وهذه المشكلات لا تنطبق على مصر فقط، بل على جميع البلدان العربية. ويناقش الأنصاري هذه النقاط الأربع بالتفصيل الذي تستحقه. فتراه في كتابه القيّم «تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها» يدعو الى ان نأخذ من الغرب تقنيته وعلومه ونحافظ على قيمنا ومثلنا، كما حصل في اليابان والصين والهند. كما يدعو الى التمييز بين مفهوم الغزو الثقافي ومفهوم التفاعل الثقافي. ويشير الى ان المسلمين في العصر العباسي لم يعرفوا مفهوم الغزو الثقافي عندما ترجموا تراث الاغريق او الفرس وغيرهم، بل انهم هضموا ذلك التراث واستوعبوه. كما يدعو في سفره الضخم «الفكر العربي وصراع الاضداد» الى إعادة التصالح بين الوحي والعقل، خاصة ان من الصعب ظهور تيار عقلي مستقل تماماً عن النظرة الدينية أو مخالف لها. ومن ثم من الضروري ان تتكيف محاولات التجديد وتتوافق مع الاسلام. ثنائيات عديدة يتعامل معها الأنصاري بعناية ودراية ويسعى من خلال تداول مفرداتها وتشعباتها الى الوصول الى ما يسمى بالمصطلح الغربي، مندمج Synthesis جديد. وهناك أيضاً المثلث الحتمي للنهضة، وهو يتكون من الاسلام والعروبة والعصر وينطلق من امكانية الاستفادة من الحضارة الغربية من دون الأخذ بكافة قيمها وعناصرها، باعتبار ان هذه الحضارة السائدة الآن ليست ملكاً وحكراً له وهي حضارة ساهمت بها الانسانية على مر العصور وكرّها ولا مانع، بل من الضروري الاستفادة منها واستيعابها. كما يدعو الأنصاري الى خلق مندمج جديد من المثلث الجديد للنهضة والثنائيات الممكن التوفيق بينها، وما ينطبق على السوسيولوجيا ينطبق على الثقافة العربية ازاء الثقافة الغربية ويعوّل على منهج التفاعل الثقافي بين الاثنين. ويقترح الأنصاري أكثر من نقطة مهمة للخروج من المأزق الثقافي العربي، مما يمكن ان يفيد المشرعين والتربويين ورجال السياسة والمثقفين العرب. وهو يرى ان أساس تماسك العرب هو الثقافة، ومن الضروري ان نركز على لغة الضاد فهي المحور، والا فقدنا هويتنا ومزّقنا أنفسنا في عصر الكيانات الأخرى.

* الواقعية الجديدة في الفكر العربي المشروع الفكري للأنصاري نموذجاً

* المؤلف: محمد نعمان جلال

* الناشر: المؤسسة العربية * للدراسات والنشر 2004