دارفور قبل قرن في كتاب مؤرخ ألماني

اشتهرة المنطقة السودانية بمقاومة الحكم التركي

TT

احتلت احداث دارفور اخبار كافة وسائل الإعلام والفضائيات العالمية أخيرا، وبلغ الاهتمام إلى حد وصول وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية كولن باول، وأمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان، للخرطوم، للتباحث مع المسؤولين حول أوضاع دارفور من جهة، ولزيارة المنطقة لمعرفة حجم المأساة الإنسانية، التي قالت بعض التقارير الغربية إنها «تطهير عرقي. وواقع حال المنطقة أنها احتضنت قبائل كثيرة متعددة عربية وزنجية وأخرى وافدة من الدول المجاورة، وظلت على الدوام تشهد نشوب معارك بين القبائل حول الماء والكلأ، وعادة ما يتم تطويقها بالإرث التقليدي الذي يطلق عليه «الأجاويد»، أي الصلح والوساطة من جانب رؤساء القبائل وكبار الشيوخ، لكن هذه المرة أخذت شكلاً مختلفاً ومغايراً. واشتهرت دارفور بأنها منطقة لها تاريخ حافل في مقاومة الحكم التركي بوجه خاص، الذي حكم السودان بقبضة حديدية، وكان لها نفوذها القوي وحكامها وسلاطينها، كذلك كانت موضع اهتمام المؤرخين والباحثين والرحالة الذين دوّنوا مشاهداتهم وانطباعاتهم عن أهلها وحكامها. والمثير أن يتزامن الاهتمام الدولي والإقليمي بدارفور واحداثها، مع صدور كتاب بعنوان «سلطنة دارفور أقاليمها وأهلها وتاريخها»، لمؤرخ ألماني هو جوستاف نافتيقال، الذي زار دارفور قبل أكثر من مائة عام، وجمع حصيلته عنها في كتابه هذا الذي ترجمه أخيرا النور عثمان أبكر، من الألمانية الى العربية.

الكتاب يضم ثمانية فصول، تتناول تاريخ دارفور وحكامها ونظام دولة الفور، وسكانها واقتصادها، كذلك ضم ملاحق وثائقية وخريطة رحلة المؤلف.

في المقدمة يقول جوستاف نافتيقال: «إن المؤرخين والجغرافيين العرب، أطلقوا اسم بلاد السودان على الحزام الذي يقع جنوب الصحراء وشمال الغابات المطرية والممتدة شرقاً حتى ساحل البحر الأحمر وغربا إلى نهر السنغال والمحيط الأطلسي، وشاع هذا الاسم بين المؤرخين المعاصرين، وقد احتوى هذا الحزام ممالك إسلامية عديدة، إذ ضم السودان الغربي ممالك مثل مالي والهوسا وكانم، وضم السودان الأوسط ممالك البرنور والبافرمي ووداي وضم السودان الشرقي مملكة دارفور (1445 ـ 1874) وسنار (1504 ـ 1821)»، ويضيف ان دارفور كانت بالنسبة للرحالة والمؤرخين كالطريق المسدود الذي لا يؤدي إلى شيء، ومع هذا فإن كتابات الرحالة الذين عبروا بها أو كتبوا عنها ذات أهمية كبيرة. وأشاد بوجه خاص بالرحالة التونسي، محمد بن عمر التونسي الذي زار دارفور عام 1803 في عهد السلطان محمد فضل، ومكث فيها حوالي ثماني سنوات.

ويعتبر كتابه (تشحيذ الأذهان في سيرة بلاد العرب والسودان)، من أغنى الكتب عن تاريخ ونظام وعادات دارفور وتراثهم ولغاتهم وثقافاتهم وتناول المؤرخ الألماني النظام السياسي والمبادئ الأساسية للإدارة ونظام العدل وألقى الضوء على نشأة ما عرف بـ «قانون دالي»، الذي لم يدخل أي تغيير جوهري فيه مع تعاقب السلاطين في دارفور.

ويذكر نافتيقال السمات الشخصية لبعض السلاطين، ويروي أن السلطان تيراب قد أوقف عشر سنوات من حكمه للدين والدراسة، وكان بحق أفضل كاتب في البلاد، واكثر الأمراء علماً في دارفور، وكان يطلب الكتب من مصر وتونس. كذلك تحدث عن وضع المرأة في السلطنة الإسلامية ووصفه بأنه فريد وجدير بالتوقف: "كان لملوك دارفور الأوائل بلاط وبيت ملكي غاية في التنظيم، فهنالك بعد الملك الذي يسمى (باكوري)، توجد الملكة الأم، ولها أعلى مرتبة، وتلقب (ابو) وتعني (الحبوبة) (الجدة)، ومنصبها لا يمثل سلطة حقيقية، فهي نادراً ما تتدخل في شؤون الحكم.

وتناول المؤلف ايضا عادات الفور عند الاقتتال، وهي أشبه بأخلاق فرسان ونبلاء القرون الوسطى، يقول: «يبدو أن العادة جرت في فروسية ذلك الزمان أن يتبع نظام تحد خاص، فيخرج رسول من سليمان الى تنسام يغني بكلمات الرسالة إليه، وتصاحب غناءه حركات راقصة محددة ومناسبة، سليمان ولد كورو يرسلني إليك، ويقول إنه سيتحرك غدا صباحا، ويجيبه تنسام بنفس الأسلوب: اذهب إليه وانبئه بأنه في صباح غد سيلقى تنسام.

كذلك وصف مظاهر النظافة الواضحة وهو مظهر حضاري وإسلامي متجذر في عامة بيوت أهل دارفور، كما لم يفته وصف زي النساء، وزي الرجال، وملابس الحرب، وصناعة النسيج، وأدوات التجميل والصناعات المتعلقة بدواب الركوب وزينتها. لقد سجل المؤرخ في الكتاب مشاهداته منذ بداية رحلته في 11 يناير 1874، ومع الزمن أصبح مؤلفه بمثابة وثيقة للحقبة التي عاصرها في دارفور وترجمته للعربية ووصوله للقارئ السوداني والعربي في هذا التوقيت يعد متعة وفائدة كبيرة.

* سلطنة دارفور.. أقاليمها وأهلها وتاريخها

* المؤلف: جوستاف نافتيقال

* المترجم: النور عثمان أبكر