نحن أمة لا تقرأ وإذا قرأت لا تفهم وإذا فهمت فمصيرها الشقاء

عبد الغني مروة*

TT

هموم الناشرين مثل هموم المؤلفين، هي اكتساب المزيد من القراء. وحال الناشرين تسعد بكثرة القراء وتشقى بقلتهم في هذا العصر المزدهر بثقافة الأكفان والذبح على السكين وانتشار الدعاة والمطربين والصحافيين الذين: «صاروا يقرأون بالنيابة عن شعوبهم ويغنوهم عن الحاجة إلى الاطلاع والمعرفة».

على صعيد النشر، صرنا مسخرة العالم فنحن أمة لا تقرأ وإذا قرأت لا تفهم وإذا فهمت مصيرها الشقاء. بعيداً عن لغة الأرقام التي فضحها تقرير التنمية في العالم العربي والذي وضعته مجموعة من الخبراء العرب «وليس الأجانب»، صار بإمكاننا القول إن في العالم العربي، دكاكين للنشر. وربما كتاتيب وليس ناشرين بالمفهوم الأممي. ولا غرابة في الأمر طالما هناك حجر رسمي وجماهيري على الثقافة والفكر والإبداع وكأنه مفروض على هذه الأمة أن تجتر ثقافتها وكل ذلك بفضل الرقابة الرسمية، الظاهرة منها والخفية، الناشطة في قمع أي فكر جديد وجريء والرقابة الذاتية التي تكونت في العقل الباطن لكل كاتب عربي مقيم والتي يرهبها التهويل بالردة والتكفير والتشريد. صرنا أمة مسربلة بالصمت، وإذا سمع لنا صوت، فهو صوت العويل والولولة على أفواه أمهات وأباء الشهداء والضحايا والأبرياء.

نعم لدينا، فضائيات، ولدينا إذاعات ناشطة، ولدينا منابر قومية وإقليمية وصحافة تباع بالكيلو بعد صدورها. أما النشر فهو يزخر بمجلات الأثرياء و«الحريم» والعري والرياضة. وإذا سألت عن الكتاب فإنه كاسد وأربابه يتنازعون على تقاسم ما بقي من «التركة» وينعمون بفتات الموائد، إنهم مختلفون ومشتتون متشرذمون لاهون بأهوائهم ومطامعهم وليسوا منظمين ولا متحدين وبذلك لا خير منهم يرتجى، ولا أمل يبعث على التفاؤل بمستقبل زاهر لمهنة نبيلة شاء لها القدر أو قضي عليها أن تنهار وتتآكل بصمت في عصر الردة.

سقى الله مرحلة الستينات والخمسينات من ذلك القرن التي انتعش فيها الفكر وتبلورت المفاهيم. ولا بد لنا أن نترحم على تلك الأيام. وهمنا الأكبر اليوم هو ماذا نترك لأحفادنا سوى ثقافة الإنترنت والفضائيات ودعاة الفتاوى «الجاهزة» أو عند الطلب.

أخشى، أن يأتي يوم ولست أراه بعيداً، تصبح فيه اللغة العربية، لغة محكية منقرضة ونتحول إلى أمم ناطقة بالإنجليزية إذا سمح «الفرانكوفون» بذلك! ولعلنا بعدها نطمح إلى رواج حركة للنشر نامية ومزدهرة وعندها فقط أطلب إلى أحفادنا إذا التقوا برقيب عربي أن يبلغوه التحية، أو يبصقوا في وجهه!

* صاحب «دار الانتشار العربي» اللبنانية