هل صحيح أن الجالية اليهودية في المغرب مرشحة للتلاشي في غضون عقدين أو ثلاثة؟

TT

صدر أخيرا للكاتب الصحافي السوداني أبوبكر الصديق الشريف، كتاب «اليهود المغاربة.. أسئلة التطبيع وجدلية أهل الذمة» في 160 صفحة من الحجم المتوسط. وهو كتابه الثاني في الموضوع بعد «اليهود المغاربة.. الورقة المطوية».

ويستهل الشريف كتابه الجديد بإحصاءات تشير إلى أن اليهود ذوي الأصول العربية يشكلون نسبة 24.5% من إجمالي السكان اليهود في دولة إسرائيل، حسب إحصاء عام 2000.

وتقلب في حكومات إسرائيل عدد من الوزراء من أصول عربية، من بينهم ديفيد ليفي، وشلومو بن عامي، وسيلفان شالوم، ومئير وشيمعون شتريت، وإسحق موردخاي، وموشي ليفي رئيس الأركان الأسبق.

ويوجد في إسرائيل نحو 124 ألف يهودي من أصول جزائرية وتونسية، و61 ألفا من مصر، و72 ألفا من ليبيا، 37 ألفا من سورية ولبنان، و151 ألفا من اليمن، و253 ألفا من العراق. أما يهود المغرب في إسرائيل فيبلغ عددهم 700 ألفا وفق إحصائيات 2000.

ويشكل اليهود العرب الأفارقة، أي المقبلون من مصر وليبيا والجزائر وتونس والمغرب نحو 96% من إجمالي اليهود الأفارقة البالغ عددهم 846 ألف.

يذكر أن تعداد اليهود في المغرب اليوم يصل إلى 7500 يهودي، من بين 25 مليون نسمة هم عدد سكان المغرب. وحسب سيرج برديغو رئيس مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب فإن عددهم لا يتجاوز 5000 شخص، هو ما تبقى من جماعات يهودية كان عددها يناهز ربع مليون شخص عام 1956. فمن 1948 إلى 1997 هاجر إلى فلسطين أكثر من 215 ألف يهودي.

ويعيش حوالي 5000 يهودي اليوم في الدار البيضاء. أما الرباط فلم يبق فيها غير 400 شخص، إضافة إلى 250 في كل من مراكش ومكناس، و150 في طنجة و100 في تطوان. ولا يورد الكتاب ذكرا لعدد اليهود الذين يعيشون في مدن مغربية أخرى مثل الصويرة.

ويقيم غالبية اليهود المغاربة في أحياء راقية. وتفيد دراسات الوضع الاجتماعي المغربي أن اليهود الذين ظلوا في المغرب أرسلوا أبناءهم إما إلى إسرائيل أو إلى فرنسا. ومن بقي منهم يغادر فور إنهاء الدراسة الثانوية. ويكون السفر باتجاه واحد من دون رجعة، اللهم إلا ضمن الأفواج السياحية الوافدة لقضاء العطلة الصيفية مع الأهل.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الجالية اليهودية في المغرب مرشحة للتلاشي في غضون عقدين أو ثلاثة. وقال سيمون ليفي، مدير المتحف اليهودي في الدار البيضاء، إن «وتيرة الهجرة الحالية لدى الشباب، تجعل من المشكوك فيه أن يبقى يهود في المغرب بعد عشرة أعوام».

ويتحدر اليهود المغاربة من ثلاث طوائف مختلفة هي السفارديم واليهود البرابرة والإشكناز.

ويعتبر مجلس الجماعات الإسرائيلية في الدار البيضاء، المنظمة الرسمية اليهودية الأولى بالبلاد، وهو الذي يدير شؤونهم الداخلية ماليا واجتماعيا ودينيا.

ويتردد بين الأوساط الاقتصادية المغربية أن على رأس غالبية مؤسسات القطاع الخاص الناجحة يوجد يهودي مغربي.

ويشير الكتاب إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني لعب دورا هاما بين الإسرائيليين وباقي دول الطوق. وأبرز علامة في هذا السياق ما قام به من أجل عقد قمة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، فضلا عن أن المغرب لعب دورا لا يقل أهمية في المفاوضات السرية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو ما أسفر عن تعبيد الطريق بين الطرفين للوصول إلى اتفاقيات مدريد وأوسلو.

وينتظم اليهود المغاربة في تجمعات، أحدثها «الاتحاد العالمي لليهود المغاربة» الذي تأسس عام 1999، إلى جانب «التجمع العالمي لليهودية المغربية» المؤسس عام 1985 ويقوده سام بن شتريت، و«المركز العالمي للأبحاث حول اليهود المغاربة» المؤسس عام 1995 ويقوده شيمون ليفي وروبير أسراف.

ويذكر الكتاب بقيام سيرج برديغو، رئيس الطائفة اليهودية بالمغرب، مصحوبا بممثل لليهود المغاربة من مختلف المدن المغربية، بزيارة سفارة فلسطين في الرباط للتعبير عن تضامنهم مع المسيرات الشعبية المغربية ضد الحصار المفروض على الرئيس ياسر عرفات.

ويوضح أن المغرب اعتاد أن يستقبل سنويا حوالي 100 ألف إسرائيلي، غالبيتهم من اليهود المهاجرين الذي يستغلون عطلة الصيف لزيارة أضرحة أقربائهم وأضرحة من يطلقون عليهم «الصديقين» وهي قبور لأحبار يهود منتشرة في طول المغرب وعرضه. مسجلا تراجع هذا العدد، حسب مصادر إسرائيلية إلى 10 آلاف فقط عام 2003 بسبب تفجيرات الدار البيضاء.

وينقل عن الباحث جيرمان عياش، وهو يهودي مغربي، قوله «كما هو الشأن في كل بلد إسلامي كان يوجد يهود بالمغرب.. كان بعضهم يوجد منذ ما قبل مجيء العرب، بينما لم يصل البعض الآخر إلا في ما بعد إثر طردهم من إسبانيا (الأندلس)». وضمن قوافل الهاربين والمهاجرين من جحيم الدويلات المسيحية الإسبانية إثر سقوط قرطبة وبعدها غرناطة، كانت هناك أعداد غفيرة من اليهود الذين لحق بهم ما لحق بالعرب المسلمين على أيدي الرهبان المسيحيين، وكان الجنوب هو الاتجاه المفضل لتلك القوافل المهاجرة سواء من المسلمين أو اليهود. والنتيجة المباشرة كانت بروز ملامح الوجود اليهودي في المغرب بشكل أكثر تحديدا وحضورا وتأثيرا في الحياة الاجتماعية.

ويضيف أن الأقلية اليهودية في المغرب عاشت قرونا عديدة تحت مظلة التسامح وعلى أساس الصيغ الإسلامية التي تعترف لأهل الكتاب بالحقوق التي تضمن لهم البقاء كأقلية على ما كانوا عليه. ويقضي هذا القانون بتجريد الأقلية من سلاحها لضمان أمن واستقرار وانتشار الدولة الإسلامية، على أنه من جهة أخرى يلتزم السلطان بضمان حمايتها.

وتفيد الوثائق أن هناك فئة من كبار تجار اليهود احتلت موقعا متميزا عبر التاريخ المعاصر بفضل خبرتها وحجم وتنوع أنشطتها، إلى حد تمييزها بصفتها «تجار السلطان». وقد ساهمت هذه الفئة في استثمار أموال «المخزن» (الحكم) واستغلال الامتيازات السلطانية، بل ووصلت إلى حد التوسط للدولة في معاملاتها مع الشركات التجارية الأجنبية والاقتراض لـ«بيت المال».

ومن بين هؤلاء التجار الأعيان المتدخلين على مستوى عال مثل موسى أفلالو الذي اتخذ من لندن مقرا لسكناه، وأسهم من موقعه بالقرب من التاج البريطاني، في إبرام عدة صفقات باسم السلطان الحسن الأول وباسم وريثه مولاي عبد العزيز، في فتح مفاوضات مع البحرية البريطانية بهدف اقتناء وحدات حربية لحراسة الشواطئ المغربية والدفاع عنها.

ويؤكد الكتاب أن أغالبية مشاهير يهود المغرب في التاريخ المعاصر هم من الفئات ذات الأصول الأندلسية التي هربت من جحيم الحكم الأوروبي المسيحي إثر ضياع الأندلس. وكان بينهم العلماء ورجال الأعمال والمستشارون والقناصل والملحقون التجاريون.