باحث بريطاني: البرزانيون هم الأكثر تضرراً اقتصادياً بالتغيير في العراق

TT

يعد غارث ستانسفيلد من الباحثين الأكاديميين القلائل في بريطانيا ممن يهتمون بالشأن السياسي العراقي بشكل عام والكردي منه على وجه الخصوص. وهو يعمل محاضرآ بمعهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أكستر، ونشر ابحاثاً عديدة عن العراق وكوردستان في الدوريات والمجلات الأكاديمية المتعددة منذ 1990 وأصدر عدة كتب في هذا المجال المجال. وفي كتابه الجديد « كردستان العراق: التطور السياسي والديمقراطية الناشيءة» والصادر حديثآ عن دار روتلج كيرزن المهتمة بالشرق الأوسط والدراسات الإسلامية، يتناول ستانسفيلد اشكاليات السياسة والديمقراطية في كردستان ويحلل مؤسسات النظام السياسي فيها مركزاًعلى الفترة من1990ولغاية2001، ومحللاً دور الحزبين الكرديين : الحزب الديمقراطي الكوردستاني،الذي يترأسه مسعود البارزاني والاتحاد الوطني الكوردستاني برئاسة جلال الطالباني.

وتوزعت دراسته على ثمانية فصول، يحتوي كل فصل منها على عدة مباحث تفصيلية تغني موضوعاته بالتحليل والمناقشة. الفصل الأول هو فصل مدخلي مقتضب يتضمن طرح الفرضيات والأفكار الرئيسية للبحث. أما الفصل الثاني فهو عن منهجية البحث والنظرية المعتمدة فيه. الفصل الثالث جاء تحت عنوان تحليل المحتوى وفيه يحلل الباحث كردستان جغرافيآ،ولغوياً،و دينياً وأقتصادياً، في حين يغطي الفصل الرابع تطور النظام السياسي الحزبي، مستعرضاً تطور الأحزاب السياسية في كردستان من خلال تجربتي الحزب الديموقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني. ويشتمل الفصل الخامس على عملية صنع القرار لدى الحزبين وخصوصآ في التسعينات. ونلاحظ بأن الفصل السادس مكرس لدراسة البناء التنظيمي لحكومة أقليم كردستان. و يغطي الفصل السابع الجانب البنائي والوضيفي للكابينات الثلاث لحكومة الإقليم. ويخصص الفصل الثأمن والأخير للخلاصة والإستنتاج. وربما يكون للكتاب اهمية خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق والأصداء وردود الفعل التي اعقبت أصدار قوانين ادارة الدولة والدستور الجديد واستلام السيادة وتشكيل الحكومة الانتقالية والانتخابات المزمع اجراؤها مع نهاية هذا العام.

ويطرح ستانسفيلد تساؤلات عديدة في سياق التفكير في مستقبل كردستان : الى اي مدى نجحت هذه التجربة؟ ما هي مسقبلها؟ وكيف يمكن لتجربة تتسم بالانقسام بدلأ من الأتساق ان تصبح نموذجا لكل عراق المستقبل ؟ ينطلق الباحث من حقيقة تاريخية وهي بأن الكرد يمثلون أكبرأمة بدون دولة، وعلى امتداد القرن العشرين حاول الأكراد في كل أجزاء كردستان و بشتى الوسائل الحصول على حقوقهم. ورغم أن توحيد كردستان الكبرى في كيان قومي سياسي موحد كان وما يزال مطمحاً من مطامح الجماهير الكردية يرنو اليه ابناء كردستان، إلا أن الواقع السياسي الكردي في ضوء السياسة الدولية يشير الى ان هذا المطمح ليس بقريب المنال. أما فيما يخص كردستان العراق، والقول لستانسفيلد، فإن لموقعه الجفرافي أهمية جيوبوليتيكية كبيرة في عالم اليوم فوضعها السياسي لايقل أهمية عن موقعها الجغرافي. ومنذ أوائل التسعينات وتحديدآ في 1992 بعيد الانتخابات أصبح الوضع السياسي والأداري في كردستان بمثابة دولة الأمر الواقع defacto state، مما سبب الرعب لدول الجوار مثل تركيا، ايران وسورية.

مرت التجربة الكردية بمشاكل عديدة للفترة 1994 ـ 1997 لحد أن وصلت لمرحلة الإقتتال الداخلي بين الحزبين(لأسباب داخلية واقليمية متعددة). ولكن الوضع السياسي والاداري والاقتصادي تحسن نحو الأفضل بكثير منذ عام 1997، حين تشكلت حكومة أقليم كردستان منذ 1992، وتم تقاسم السلطات سياسياً وأدارياً وأستتب الأمن والأستقرار في الأقليم وخصوصآ بعد 1998. يرى ستانسفيلد بأن هذا التقاسم السياسي و الأداري القائم بين الحزبين هو تجل مباشر ومميز للتطور التاريخي للنظام السياسي فيه. بصيغة اخرى فإن هذا الأنقسام يِؤدي وظيفة إيجابية لديناميكية الحزبين وأن محاولة توحيد الادارتين بشكل متسرع قد تؤذي اكثر مما تفيد التجربة الكردية في الدمقرطة وخصوصآ انها تعاني من ضغط جيوبوليتيكى من البلدان المجاورة مثل ايران و تركيا. ولذلك فقد تبنى الباحث افكار وطروحات عالم السياسة الألماني آرند ليفارت في مفهومه لنموذج ديمقراطية الرابطةاللاأتحادية Consociational Democracy، وهو نموذج يصلح لتفسير ميكانزمات الأستقرار السياسي لمجتمعات تتسم بالانقسامات الاجتماعية.

ويتم ذلك من خلال اتفاق النخب السياسية المختلفة على صيغ معينة في ادارة الدولة. ويؤكد الباحث بأن منظمات الأمم المتحدة لعبت دوراً بارزاً في تقليل العبء عن الادارتين وخاصة بعيد تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء الذي أصدرته الأمم المتحدة، إذ تم صرف 13% من واردات النفط العراقي للمنطقة للتقليل من الصعوبات والمعانات التي عاناها الشعب الكردي، كما كانت لإتفاقية واشنطن في 1998 دور مهم في تقارب وتناغم الحزبين سياسياً وأدارياً، مما جعل أواصر الوحدة والتكامل الاداريين أقوى. والى جانب كل ذلك فأن الحزبين لعبا دوراً اساسياً في أستقرار كردستان وبناء المشاريع الخدمية والصحية، فأعيد إعمار اكثر من ألفي قرية دمرها النظام البعثي السابق. أما بالنسبة لموضوعة الفيدرالية، فإن الباحث لم يتطرق لها بالتفصيل سوى إشارته إلى إن البرلمان الكردستاني قرر في عام 1992ان تحل القضية الكردية في عراق الغد على أساس فيدرالي.

ويلاحظ المؤلف أن الأطاحة بنظام صدام حسين غيرت ديناميكية الوضع الكردي بحيث لم تعد كردستان مركز اهتمام الغربيين والأميركان كما كانت عليه سابقاً، وانما تحول هذا الاهتمام الى بغداد ومستقبل العراق. وهو يرى بأن الخاسر الأكبر اقتصادياً نتيجة لتغيير النظام هو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا هو احد الأسباب الرئيسية التي جعلت الديمقراطي يلح دائماً على المطالبة بالفيدرالية لكردستان في حين ان موقف الاتحاد الوطني الكوردستاني اكثر مرونة فيما هذا المطلب.

* باحث كردي مقيم في لندن

* كردستان العراق: التطور السياسي والديمقراطية الناشئة

Iraqi Kurdistan Political development and emergent democracy

المؤلف:غارث ستانسفيلد

الناشر: دار روتلج كيرزن