محمد برادة: لا يوجد كاتب عربي واحد يستطيع العيش من أعماله

الكاتب والناقد المغربي: لم أكتب «امرأة النسيان» لتصفية حساب مع منظمة سياسية ويجب ألا ينزوي المثقفون المغاربة ويقولوا إن الاتحاد انتهى

TT

كان اللقاء بالروائي والناقد المغربي محمد برادة، ممتعا وحزينا في نفس الوقت، قدم فيه الكاتب نوعا من النقد الذاتي لمساره الابداعي وللتحولات التي شهدتها كتاباته، ونقدا للمغرب الثقافي والمغرب الجديد، الذي خيب انتظارات مجموعة من المفكرين والكتاب المغاربة الذين كانوا يطمحون لتغييرات أفضل تجعل الثقافة المغربية في الصدارة وليس في الهامش كما هي عليه الآن، حيث خف وزن الثقافة والأدب ولم يعد للفعل الثقافي ذلك الوثوق بأنه يشيد شيئا ما.

«كنا ممتلئين بآمال عريضة، ولكننا الآن نحس بالألم لأن وتيرة التغيير كانت متسمة بكثير من العنف ومقترنة باحباطات كثيرة ومخلفة لمرارة عميقة يعرفها من عاشوا هاته الفترات بالمغرب«، بهذه العبارات المتأسية وبهذا النقد والتشريح تحدث الكاتب والناقد المغربي محمد برادة، في لقاء نظمته له مؤسسة سوشبريس للنشر والتوزيع بالدارالبيضاء يوم 2 يوليو (تموز) بمناسبة صدور الطبعة الثانية من روايته الأخيرة «امرأة النسيان» في سلسلة «كتاب الجيب» عن دار نشر الفنك ومؤسسة سوشبريس، موضحا أنه من خلال تجربته اقتنع أن الكاتب يتقصد الحرية ويحاول الوصول الى ما يشعره بها، ولكنه يظل مع ذلك خاضعا للسياقات والشروط السياسية والاجتماعية التي لا دخل له فيها، ولكنها في المقابل تؤثر على مواقفه.

وأضاف برادة أن استقلالية الأدب والكاتب مرهونة بشرط أساسي هو استقلالية الحقل الثقافي، وأنه من الصعب اليوم في العالم العربي الذي يتألف من 300 مليون نسمة أن نجد كاتبا محترفا يستطيع العيش من أعماله، خصوصا وأن رقابات الأنظمة في البلدان العربية تحول دون تداول الكتاب بسهولة، مما يقلص من هذه الاستقلالية المنشودة، التي تعد المجال الحيوي للكاتب، التي تمكنه من التحرر من وصاية السلطة.

وأشار برادة أن التحولات التي عرفها الأدب المغربي من ستينيات القرن الماضي الى الآن وانكشاف العديد من الحقائق وتبدد أوهام خطاب «التغيير» المشبع بالعديد من الاديولوجيات، جعلت العديد من الكتاب وبالخصوص الجيل الجديد يفتح عيونه على البعد الكوني للأدب ويدعم استقلاليته وإحساسه بقيمة الذات الفردية، ويصمم على التعبير عن نفسه ضدا على كل القيود وعبر اللجوء الى وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت، حيث قال «أنا أحس بالغبطة حينما أقرأ لكاتب أو كاتبة جديدة، وأفاجأ بأقلام تكتب فيما يشبه الفراغ، ولكنها مع ذلك تكتب في انتظار أن يساهم الأدب في تشكيل الخطاب الثقافي العام».

وعن سؤال لـ «الشرق الأوسط» حول الغربة والحزن اللذين يطبعان الآن كتاباته وجدوى الكتابة لديه، أجاب محمد برادة أنه فعلا يحس بنوع من الغربة ومن النوستالجيا لسنوات الكفاح الحقيقي من خلال الكتابة، وأنه «من الصعب على الكاتب اليوم أن يكون متفائلا، فطبيعة التجربة والمناخ الثقافي العام بالمغرب هو ما يجعل نصوصي تتشح بهذا الوشاح الحزين، كما أنني أعيش أقل غربة في باريس مقارنة مع وطني». وأشار أن الكتابة لديه الآن بمثابة متنفس تحول أفق الزوال والموت وتعطيه سببا للاستمرار في الحياة.

وعن روايته الأخيرة «امرأة النسيان»، التي أثارت الكثير من ردود الفعل في الساحة الثقافية المغربية واعتبرها البعض رواية آثمة تتطرق لقضايا سياسية تتعلق بحكومة التناوب وبتفاصيل تندرج في اطار أدبيات حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، ذكر محمد برادة أنه لم يكتب «امرأة النسيان» لتصفية حساب مع منظمة سياسية، ولكنه قصد التعامل مع مجموع العناصر الحياتية بنوع من المساواة، حيث لا يجب اقصاء ما هو سياسي حينما يكتب الكاتب ويتخيل عملا ابداعيا.

وحول التراجع الكبير الذي شهده اتحاد كتاب المغرب، الذي ترأسه الكاتب من 1979 الى 1983، ذكر محمد برادة أن الاتحاد عرف العديد من التحولات وردود الفعل على مر التاريخ، ولهذا لا يجب أن ينزوي المثقفون المغاربة ويقولوا أن الاتحاد قد انتهى، بل يجب المحافظة عليه كقيمة رمزية. وأشار أنه «مؤهل لأن يكون منبرا للنقاش والحوار وملتقى للكتاب المغاربة بمختلف مشاربهم وليس شقة صغيرة لا تسع حتى أعضاء المكتب المركزي». وقد صدرت للكاتب والناقد المغربي محمد برادة ثلاث روايات هي: «لعبة النسيان» 1987، «الضوء الهارب» 1992، «امرأة النسيان»2001، ومحكيات عن القاهرة بعنوان «مثل صيف لن يتكرر» عام 2001، ومجموعتان قصصيتان هما: «سلخ الجلد» 1979، و«ودادية الهمس واللمس» 2004. وإلى جانب الأعمال الابداعية نشر لمحمد برادة العديد من الترجمات والدراسات النقدية منها «أسئلة الرواية، أسئلة النقد» 1996، و«سياقات ثقافية» و«فضاءات روائية» الصادرين عام 2003 ضمن شورات وزارة الثقافة المغربية. وأخيرا صدر له كتاب بعنوان «تحولات مفهوم الالتزام في الأدب العربي الحديث» عن دار الفكر.