من كابل إلى لندن بحثا عن الأمان أم الدعوة؟

الباحث المصري جهاد عودة يحلل في كتابه الجديد عولمة الحركة الإسلامية الراديكالية في مصر والمغرب من خلال نشأتها وظواهرها

TT

كيف تحولت الحركات الاسلامية الراديكالية من نطاقها المحلي الى النطاق العالمي لتصبح جزءا منظومة العولمة السياسية والاستراتيجية؟

يبدو هذا هو السؤال الرئيسي في كتاب «عولمة الحركة الاسلامية الراديكالية» للدكتور جهاد عودة والصادر حديثا عن دار الهدي بالقاهرة، خاصة مع انتقال المفهوم العولمي من كونه احد ملفات النظام الدولي الى التسييد الكامل له باعتباره السمة الأساسية لذلك النظام.

يربط الدكتورعودة هذه الظاهرة بهجرة قيادات الجماعات من أوطانها الاصلية، ففي مصر بدأت قيادات الجماعات الاسلامية في النزوح من مصر بعد صدور حكم باعدام خمسة من قيادات تنظيم الجهاد الذين قاموا باغتيال الرئيس السادات عام 1981، وكانت افغانستان هي المحطة الأولى مرورا بالسعودية، وقد بلغ عدد هؤلاء النازحين حوالي 800 شخص، وبعد انتهاء الحرب في أفغانستان نزح هؤلاء الى بعض البلدان العربية كاليمن والسودان بينما حصل عدد كبير منهم على حق اللجوء السياسي أو على اقامة دائمة في الدول الأوروبية والافريقية والاميركية، ففي أوروبا يعيش نحو 150عضوا بالجماعة الاسلامية حصل 40 منهم على اقامة دائمة بينما يتوزع الباقون في دول مثل الدنمارك ورومانيا واليونان وبريطانيا والمانيا واسبانيا.

ويرجع عودة أسباب الهجرة الى معاناة الجماعة الاسلامية والجهاد من آثار الضربة الأمنية وهجرة عدد من قيادات تنظيم الفنية العسكرية وجماعة الجهاد الذين تم كشفهم في عامي 77، 1979 الى الدول النفطية والبحث عن التمويل، وتصاعد أعمال القتل في أفغانستان واعتبارها حربا ضد الشيوعية.

ويشير الكتاب الى انه عقب حادثة الأقصر وتداعياتها انشقت الجماعة الاسلامية الى أربعة أقسام، مجموعة أفغانستان وهي التي نفذت العملية ومجموعة لندن، ويقودها ياسر السري مدير المرصد الاعلامي الاسلامي وأبو حمزة المصري، ومجموعة هولندا ويديرها اسامة رشدي أحد قيادات الجماعة الاسلامية منذ تأسيسها وهو الذي أصدر بيان وقف استهداف السائحين الأجانب في مصر ومجموعة النمسا وهي التي انشقت عن قيادة أفغانستان.

وأهم قيادات الجماعة بالخارج كما يذكر جهاد عودة هم عمر عبد الرحمن (في اميركا) وطلعت فؤاد قاسم (أعلن اختفاؤه في كرواتيا) وياسر السري (في لندن) ومحمد الاسلامبولي (غير محدد المكان) ورفاعي طه (في افغانستان) أسامة رشدي (في تركيا) ومصطفى حمزة (في الصومال).

ويقول الكتاب انه منذ عام 1996 فرضت الدول الأوروبية قيودا على دخول عناصر تنتمي الى الجماعة الاسلامية الى أراضيها، بل والقبض عليهم في بعض الأحيان، وهو ما يشير الى استراتيجية دول الخراج تجاه الجماعات في الآونة الأخيرة، بالاضافة الى تجفيف منابع التمويل المادي خاصة مع اتفاق مصر مع دول النفط على تنظيم جمع التبرعات.

وفي رصده لعولمة الحركة الاسلامية الراديكالية يقسمها الدكتور عودة الى طريقين، المصري والمغربي، وفي نقده للفريق المصري يتناول أولا عوامل ومسارات الخروج من مصر، ثم يعرض لنمط الانتشار العالمي للمصريين المنضوين تحت جناح الحركة الاسلامية الراديكالية ثم يوضح طبيعة المنعطف الاستراتيجي الذي اتبعته هذه الحركة كنتيجة مولدة من عملية العولمة.

وقد أججت حرب الخليج الثانية ـ كما يؤكد عودة ـ التوجه الخارجي للراديكاليين المصريين لأنها كانت ملحمة كبرى أحدثت هزة عنيفة لكل التيارات السياسية في العالم العربي وان كان ما نجم عنها لا يتعدى رد الفعل، ويمكن رصده ـ في هذا السياق ـ التنظيم الدولي للاخوان المسلمين قبل هذا، بالاضافة الى تيار ديني واسع الانتشار يتعدى في تمدده حدود الدولة القومية وهو الطرق الصوفية والذي تخرجه سكونيته من المعادلة السياسية الجهادية.

ويؤكد عودة ان الجماعات الاسلامية الراديكالية العربية قد استفادت من مجمولة الاتصالات والمعلومات فتمكنت من صناعة اعلام مضاد لاعلام الدولة من خلال شبكة الإنترنت واستخدمت التقنيات الحديثة في حشد وتعبئة الكوادر التنظيمية وامتلاك قدرات متطورة نسبيا علي تنفيذ عمليات العنف المسلحة ضد رموز السلطة، ورجال الأمن وكبار الكتاب واستعادت من بنية الحداثة القانونية في الدول الغربية كما أن محنة الأفغان العرب جعلت الراديكاليين الاسلاميين يبذلون أقصى جهد ممكن في سبيل توفير حياة آمنة بعد أن أدركوا استحالة عودتهم الى بلادهم، وكان هذا ثمرة تكوين نواة شبكة عالمية ظهرت فيما سمي بالجبهة الاسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين.

ويبين المؤلف انه خلال الفترة السابقة قد تشكلت ملامح الموقف الاميركي الراهن في قضية الارهاب والتي أكتملت بعد حادث 11سبتمبر (ايلول) والذي جعل اميركا تدخل في غمار مواجهة ما اسمته بالارهاب بكل قوتها بعد تردد واستحياء في التعامل مع هذه الظاهرة وهو ما أعطى حافزا لاسرائيل ان توغي صدر اميركا ضد بعض المنظمات الاسلامية التي تناهضها وضد بعض الدول كايران مثلا.

أما الطريق المغربي، فيرى ان عملياته ذات الانتماءات الآيديولوجية يغلب عليها الطابع الحداثي (فندق ـ مطعم) بجانب وجود تيار اسلامي قوي داخل المغرب كان من بعض الأماكن العشوائية مركزا يدعو منه الى العودة للأصول الدينية وقيامه في بعض الاحيان بمهاجمة أماكن اللهو والشواطئ.

ويرى المؤلف ان العاهل المغربي قد عهد الى التمسك بالشرعية الدينية كرافد اساسي لتدعيم الشرعية السياسية ولضمان كل من الزعامة الدينية والسياسية وحرص على البعد عن كل ما يمكن ان يقوض أو يهدد دعائم هذه الشرعية الراسخة والتي تشهد نوعا من الاجماع من قبل مختلف الاحزاب السياسية ولذلك قد يرى البعض في ظهور تنظيمات الحركة الاسلامية تهديد الشرعية النظام السياسي خاصة انها قد لجأت الى منازعة الشرعية الدينية وعارضت الاتجاه التحديثي الذي انتهجه النظام، ولعل ابرز هذه الجماعات هي العدل والاحسان والتي يتزعمها روجيا عبد السلام ياسين. يربط الكتاب بين ظهور الحركات الاسلامية في المغرب بالظاهرة العامة التي انتشرت في العالم الاسلامي منذ أوائل السبعينيات، هذا الي جانب فشل ما سمي بالليبرالية الواقعية التي وقع عليها الاختيار كاستراتيجية للتنمية من قبل الطبقة الحاكمة بالاضافة الى الفراغ الذي عرفته الحياة السياسية في المغرب أوائل السبعينيات نتيجة حملات القمع الموجهة صد المعارضة.

ويشير الكتاب في فصله الأخير الى أن مصادر تمويل الحركات الاسلامية يكتنفه بعض الغموض حيث لا يمكن حصر جميع هذه التبرعات لعدم وجود حسابات معلنة وعدم معرفة مصير أموال التبرعات وتشعب الحركات الاسلامية وعدم القدرة على تحديد المنخرطين في هذه الحركة ومساهمات بعص الدول بصورة سرية، واستخدام الحركات وسائل متعددة في نقل الأموال.