.. وخططنا لإرشاد الحكومة العراقية الانتقالية لبناء قوات عسكرية وأمنية من الجيش النظامي المهزوم

كان الهدف استخدامها مع قوات التحالف لمنع مواجهات بين الأجنحة المنتمية لطوائف ومجموعات عرقية مختلفة

TT

التقيت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بمنزله في عمان بعد ظهر يوم الخميس 23 يناير 2003. قال لي الملك عبد الله خلال ذلك اللقاء: «سعادة الجنرال... اعتمادا على مصادر استخباراتية موثوق فيها، اعتقد أن العراقيين يخفون أسلحة كيماوية وبيولوجية».

كان لدى الأردنيين مصادر موثوق فيها فعلا من داخل العراق. كنت أثق في الجانب الأردني وأثق في تقديرات الملك عبد الله، كما أنني لم أتفاجأ إزاء ما أوردته مصادرهم. قضيت أياما وليالي خلال الـ12 عاما السابقة أشعر بالقلق إزاء برنامج صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، والأثر الذي يمكن أن تتركه هذه الأسلحة على قواتنا أو على الولايات المتحدة. شكرت الملك عبد الله وتركت منزله متوجها إلى الفندق حيث توجهت مباشرة إلى غرفة الاتصال لإبلاغ المعلومات إلى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. بعد أربعة أيام من ذلك اللقاء، وعلى وجه التحديد يوم الاثنين 27 يناير، كنت في طريقي من باكستان باتجاه كريت للتزود بالوقود عندما ربت منسق الرحلة، المقدم ماني تشيفز، على كتفي قائلا إن سرعة الرياح في منطقة خليج سودا لا تسمح بالهبوط، وإننا ربما نضطر للتوجه صوب القاهرة للهبوط هناك. أول ما خطر بذهني هو أن وصولنا غير المعلن عنه الى مصر، قد يتسبب في إحداث ربكة في السفارة الاميركية في القاهرة، وربما في مكتب الرئيس حسني مبارك.

ولكنا توجهنا في نهاية الأمر الى القاهرة. كان الرئيس حسني مبارك وديا مثلما هو الحال دائما. لكنه كان قلقا بشكل واضح من الحشد العسكري الذي كنا نقوم به والتوتر في العراق.

مال إلي ونبس بلغة إنجليزية واضحة «جنرال فرانكس عليك أن تكون شديد الحذر. نحن تكلمنا مع صدام حسين. إنه رجل مجنون. وهو يمتلك أسلحة دمار شامل كيماوية وهو سيستعملها ضد وحداتكم». بعد ساعة وفي غرفة الاتصالات بالسفارة أوصلت الرسالة إلى رامسفيلد.

ومثلما هو الحال في أفغانستان، كنت أعرف أن الدعم الإنساني وإعادة الإعمار مرتبطان بالأمن، وسيكون ذلك في مقدمة الأولويات، حالما تنتهي العمليات العسكرية الكبيرة. وكانت الفكرة وراء تخطيطنا تتمثل في أننا سنرشد الحكومة العراقية الانتقالية لبناء القوات العسكرية والأمنية التي سيتم انتقاؤها من الجيش النظامي المهزوم. وستخدم هذه الوحدات جنبا إلى جنب مع قوات التحالف لفرض النظام ولمنع وقوع مواجهات بين الأجنحة المنتمية إلى طوائف ومجموعات عرقية مختلفة، مثلما كان الحال مع التحالف الشمالي ومجاميع المعارضة البشتونية لنظام طالبان التي شكلت كلها الجيش الوطني الأفغاني تشمل إعادة الإعمار مجموعة من المشاريع العامة، الشبيهة بتلك المشاريع التي عرفت باسم «التعاقد الجديد».

وتتطلب هذه المشاريع تشغيل عدد كبير من العراقيين لخلق زخم قوي لبناء «عراق جديد»، مع قوة أنظمة تتحدث العربية، وتتعاون مع قوات التحالف، وليكون مسرح إعادة الإعمار العراق بأكمله، فيما سيكون لأصحاب الأسر وظائف ورواتب تكفي لإعالة أفراد أسرهم وإرسال أبنائهم إلى المدارس بدلا من جعلهم يعملون. وسيكون للعراقيين كلمة حاسمة في صياغة مستقبل عراق حر.

والى ذلك، وبدون أي شك ستكون المرحلة الرابعة حاسمة، إذ بعد تحقيق النصر العسكري سيكون علينا أن نضمن تحقق السلام. وضمان السلام لن يكون سهلا في بلد اغتصب وتعرض للمجازر الكثيرة لأكثر من ثلاثة عقود تحت حكم صدام حسين. هناك انقسامات عميقة بين السنة والشيعة، وبين الأكراد والعرب، وبين المعدمين والميسورين، مع الخلافات التقليدية بين العشائر، وكل هذه لن يكون من السهل التغلب عليها بسرعة. وقد تحتاج إلى أعوام، وستكون التكاليف عالية خصوصا في مجال المال ومن الممكن في مجال الخسائر البشرية.

وفي الوقت الذي كنت اطلع فيه على الصحف، وأشاهد قنوات التلفزيون التي كانت تتحدث عن احتمال خدمتي كـ«ماك آرثر العراق» كنت ادرس النقاط السلبية والايجابية لمثل هذا الاحتلال:

تحسين الأمن... تحت سيطرة قوة محتلة مستبدة تحسين الفاعلية على المدى القصير... مما يؤدي للتابعية على المدى الطويل. تحسين القدرة على توزيع نفقات اعادة البناء... مع تقليل القدرة على الحصول على مثل هذا التمويل من الكونغرس الاميركي او المجتمع الدولي.

ولم أتمكن من مشاهدة حلول ذكية لمثل هذه المشكلة المعقدة. إن السيطرة المدنية على الحكومة كانت دائما قيمة اميركية. كيف يمكن تحقيق التقدم في العراق باستخدام هذا النموذج الأميركي المميز كان امرا استشكاليا. وعلى أي حال، كان هناك أمر واحد مؤكد: المرحلة الرابعة ستتطلب قيادة مدنية. وبالإضافة الى الجنود علي الأرض، فسنحتاج لمئات وربما آلاف من المدنيين من أميركا والمجتمع الدولي، من المستشارين الحكوميين الى المستثمرين.

وبالطبع فإن المدخل لكل ذلك هو الأمن. ولكن الأمن لن يكون ممكنا في عراق بدون إجراءات مدنية وعمليات مدنية.