مَن يقف وراء المدبح في الجزائر؟

ضابط سابق يتحدث عن تورط الجيش الجزائري في كتاب يثير ضجة كبيرة في فرنسا

TT

«رأيت بعض الزملاء يحرقون مراهقا يبلغ من العمر 15 عاما. رأيت ضباطا تنكروا في أزياء إرهابيين لقتل إسلاميين. رأيت عقداء يقتلون مدنيين ببرودة تامة. رأيت الكثير مما يسيء للكرامة الإنسانية، ولأنني كنت شاهداً على هذه الجرائم البشعة، قررت اليوم كشفها وأنا مقتنع بضرورة كسر جدار الصمت».

هذه كلمات جاءت على الغلاف الخلفي لكتاب «الحرب القذرة»، الصادر عن دار لاديكوفرت بباريس لحبيب سواعدية، الضابط السابق في صفوف الفرق الخاصة التابعة للجيش الجزائري والبالغ من العمر 31 عاما.

خلافا لنصر الله يونس، صاحب كتاب «من قتل بن طلحة»، الذي كان قد صدر عن الدار نفسها، لم يتردد سواعدية في الحديث في القنوات التلفزيونية الفرنسية كافة، الأمر الذي ضاعف من وقع الضجة الإعلامية الكبيرة، التي أحدثها كتابه في الأوساط الفكرية والسياسية عشية زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر، وصدور بيان عدد من المثقفين في صحيفة «لوموند»، يؤكدون فيه تورط الجيش في المجازر الجماعية المنسوبة إلى الإسلاميين المسلحين، كما يقول سواعدية.

الجنون الدموي في كتابه الذي ضمّ 12 فصلا، تحدث سواعدية عن التعذيب والإعدامات بلا محاكمة، والقتل الذي طال المدنيين و«الجنون الدموي» الذي أصاب بعض الجنرالات، وعمليات غسل الدماغ التي يتعرض لها الضباط الصغار، على حد قوله.

وتحدث سواعدية وبشكل غير مسبوق، عن انتشار ظاهرة تناول المخدرات في صفوف الضباط الصغار على نطاق واسع، والقتل الذي يقومون به، نتيجة مباشرة للأساليب التي يستعملها الجيش أو بعض الجنرالات تحديدا، للتأثير في معنويات الضباط النفسية ودفعهم لارتكاب جرائم في حق مدنيين أبرياء وعزل وغير مسؤولين عن حرب قذرة، ما زالت قائمة إلى هذه اللحظة.

وقد كتب مقدمة الكتاب فرناندو انمبوزيماتو، القاضي الإيطالي الشهير، الذي تخصص في قضايا الرشوة والمافيا وحقوق الإنسان والإرهاب، وسبق له أن حقق في مقتل ألدو مورو ومحاولة اغتيال جان بول الثاني، كما اشتغل مستشارا في الأمم المتحدة، وألف كتب «السلطة والرشوة والإرهاب» و«الملفات السوداء للمافيا» و«قاض في إيطاليا».

يقول في مقدمته بأن كتاب «الحرب القذرة» فتح عينيه على حقائق مرعبة لم يكن يعلم بها، على الرغم من باعه الطويل في كل ما يتعلق بالإرهاب، لأن الحقيقة ليست منطقية، وبالتالي ليست سهلة، لكنها ربما تصبح كذلك حينما تأتي على لسان ضابط عايشها».

وقال القاضي الإيطالي عن الكتاب: «إن شهادته صادقة لسببين رئيسيين، يتمثلان في دقة الوقائع التي فحصها الناشر وانسجام روايات المؤلف مع ما أكده مراقبون ينتمون إلى منظمات غير حكومية، خاصة منظمة العفو الدولية، وباحثون اجتماعيون وسياسيون ومؤرخون وصحافيون من داخل الجزائر وخارجها».

جزء من السلطة العسكرية! علاوة عن أساليب القتل غير الجديدة، التي تحدث عنها نصر الله في كتابه «من قتل بن طلحة»، ركز سواعدية على السياق التاريخي والاقتصادي لبروز الحرب، وربط بينها وبين هدف الحفاظ على الثروات والمصالح التي تسيطر عليها جماعات عسكرية، وهو الهدف الرئيسي الذي دفعها، من وجهة نظره، إلى إلغاء الانتخابات الديمقراطية عام 1992، والسيطرة على مقاليد الحكم وفرض هيمنتها. والحرب القذرة في نظر المؤلف، تتمثل في العلاقة المعقدة بين الإرهاب والرشوة وجزء من السلطة السياسية والعسكرية، فقد فرضت هذه العلاقة توظيفا عضويا للإرهاب كوسيلة لمحاربة الجماعات الإسلامية المسلحة المناهضة للسلطة:

«التي استعملته بدورها للحفاظ على نفوذها المتستر والبقاء في الحكم وليس للدفاع عن الديمقراطية، فارتكبت السلطة العسكرية مجازر بشعة متخفية تحت إرهاب الإسلاميين، وذلك بهدف تهميش ومحاربة خصومها السياسيين»، على حد قول سواعدية.

لو وجهت اتهامات إلى سواعدية بكونه «إسلامياً متنكراً»، لكن من يقرأ كتابه، يجده ايضا يتحدث عن الإرهاب الإسلامي، كما أنه يشير في عدة مواقع إلى التناقضات التي تعاني منها المعارضة الإسلامية الجزائرية، وأكثر من ذلك يعتقد أن هناك جماعات إسلامية مسلحة تم تكوينها بعد أسابيع من توقيف المسار الديمقراطي، وهي جماعات اخترقتها المخابرات الجزائرية.

على الطريقة الإيطالية يصف سواعدية أسلوب الجيش الجزائري بـ «استراتيجية الضغط» التي ركزت على الاعتقال الأعمى لعدد غير قليل من إسلاميي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وقتلهم وتغذيبهم، الأمر الذي دفع الكثير منهم إلى الالتحاق بالجبال واللجوء إلى الكفاح المسلح مكرهين. والاستراتيجية نفسها استعملت في إيطاليا، حسب القاضي فرناندو، وموازاة للإرهاب الذي كانت تمارسه الألوية الحمراء، ويتلقى مرتكبو الجرائم المنسوبة إلى الإرهابيين المعارضين في الحالتين الجزائرية والإيطالية، دعم المخابرات العسكرية السرية. ويذكر سواعدية حادثتي تفجير مطار هواري بومدين ومقبرة سيدي علي، كمثالين على المناورات الهادفة إلى تشويه صورة المعارضين.

والحرب المتبادلة بين ممارسي إرهاب المعارضة وإرهاب السلطة لم تدم في إيطاليا بفضل إصرار القضاة على تطبيق القانون، على الرغم من الاغتيالات التي راح ضحيتها عدد منهم خلافا لما حصل في الجزائر «حيث ديست دولة القانون وفرضت تشريعات استثنائية لتجريم معارضة إسلامية تكونت من 3 ملايين ناخب صوتوا لجبهة الإنقاذ».

في نهاية الكتاب، يرى المؤلف أن هناك تقاطع مصالح بين أطراف تبدو متعارضة، وان سنوات الإرهاب المتبادل سمحت لصناع الحرب القذرة من إعادة إنتاج ريع كبير مكنهم من تكوين ثروات هائلة وتعزيز سلطة اوليغارشية ترفض مفهوم تطوير التاريخ وتفضل الحديث عن نظرية «المؤامرة العالمية الكبرى».

«الحرب القذرة» المؤلف: حبيب سواعدية الناشر: دار لاديكوفرت، باريس