أزمة «الثقوب السوداء» في بنية الاقتصادات العربية

اقتصاديون يؤكدون ضرورة قيام تكتل اقتصادي عربي لمواجهة الوضع الراهن

TT

بالاشتراك مع مؤسسة عبد الحميد شومان أصدرت المؤسسة العربية للدراسات والنشر أخيرا كتابا بعنوان «التحولات الاقتصادية العربية والألفية الثالثة» قدم له د. منذر الشرع، وزير التنمية السياسية، وضم آراء نخبة من خبراء الاقتصاد ورجال الفكر في العالم العربي.

الدكتور احمد جويلي، الذي أمضى سنوات في العمل بمجلس الوحدة الاقتصادية العربية والجامعة العربية، يؤكد على الآثار السلبية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر وتبعاتها على الاقتصاد العربي والعالمي. ويرى أن هذه الأحداث اثبتت أهمية الاعتماد على الذات من خلال التكامل الاقتصادي العربي.

وهو يشير الى تواضع مستوى الناتج المحلي الإجمالي العربي الذي بالكاد يوازي (2.2 %) من إجمالي الناتج العالمي. والصادرات العربية التي لا تتجاوز (3.8 %) من إجمالي الصادرات العالمية، بما في ذلك النفط، إضافة إلى تدني حجم التجارة العربية البينية التي لا تزيد عن نسبة 8% من اجمالي التجارة العربية الخارجية، ومعدل بطالة سافرة يحوم حول (20 %) من قوة العمل العربية، وضعف الجاذب الاستثماري حيث لا تتجاوز الاستثمارات الأجنبية المباشرة (1 %) من جملتها العالمية. لا بل يؤكد الدكتور جويلي أن البيئة الاقتصادية العربية هي بيئة طاردة حتى للاستثمارات الوطنية التي تدفقت الى الخارج لتصل الى ما يقارب 1000 مليار دولار.

ولزيادة هذه الصورة قتامة يقول الدكتور جويلي إن حجم الفجوة التكنولوجية والرقمية والقدرة التنافسية بين الدول العربية والعالم في تزايد مستمر. أما التحديات التي تواجه الاقتصاد العربي في رأيه فتتمثل بالمخاطر الناجمة عن اتفاقيات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية كل على حدة، والآثار السلبية لتلك الشراكة على الصناعات الوطنية القائمة والسيطرة المتفاقمة للشركات المتعددة الجنسيات على مجريات الاقتصاد العالمي، بينما لا يزال العمل الاقتصادي العربي المشترك يراوح مكانه لاسباب وعوامل سياسية بالدرجة الأولى وهو يشير للخروج من هذه المعضلة إلى أهمية التحول إلى اقتصاد السوق وتحرير التجارة والأسواق. وإيلاء القطاع الخاص العناية التي يستحقها باعتباره قطاعا رائدا ومبادرا، وتحسين نظم المعلومات والاتصالات لتكون الحاضنة لكل التطورات الحديثة المأمولة، وفوق ذلك كله توافر إرادة سياسية وشعور جماعي بأهمية إنشاء سوق عربية مشتركة للتعامل مع التكتلات العالمية المماثلة.

معظم الباحثين تعرضوا لموضوع النفط واتفق كل من الدكتور محمد سعيد النابلسي والدكتور احمد النجار على أن النفط كان وما يزال الهدف الرئيسي من الحروب في المنطقة. وفي هذا السياق يستعرض النجار تطور أسعار النفط خلال الحقبة الماضية والدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية بالذات منذ عام 1998 في إنهاء عصر النفط الرخيص.

وحول الموضوع ذاته يتحدث الدكتور ماجد المنيف عن اقتصادات دول الخليج العربية بين إرث الطفرة النفطية وتحديات المستقبل داعيا إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتحويل ثروة النفط الى مصادر وأصول منتجة وهيكلة الاقتصادات الوطنية في ظل تحديات العولمة الجديدة.

معظم المشاركين في الابحاث كانت لهم نظرة تشاؤمية حول الأوضاع الاقتصادية العربية في غياب التنسيق بين هذه الدول اقتصاديا. فالدكتور محمد سعيد النابلسي، محافظ البنك المركزي الأردني الأسبق، يرى أن هناك ثقوبا سوداء في الاقتصاد العربي أهمها ثقب الأيدي العاملة الأجنبية التي تحرم 20 مليونا من الأيدي العاملة العربية من وظائف واعمال هي أحق بها لا سيما ان ما يربو على 25 مليونا من العاطلين عن العمل في البلدان العربية. كما أن هذا الثقب الأسود، كما يسميه، يعمل على هدر ما يقرب من 28 بليون دولار سنويا من الناتج المحلي الإجمالي على شكل تحويلات تحرم منها الأسواق العربية الاستهلاكية والاستثمارية، إضافة إلى النمو السكاني الذي يجعل معدلات النمو المرتفعة اكثر تواضعا عند حساب نصيب الفرد من الدخل الوطني. ويؤكد الدكتور خالد الوزني على أن قيام فضاء اقتصادي عربي على هيئة كتلة واحدة أمر لا مفر منه إذا أرادت الدول العربية أن تواجه الاقتصاد العالمي الجديد بمتطلباته واستحقاقاته. هذا الاقتصاد الذي يقوم على سرعة انتشار استخدام التكنولوجيا والتوسع في مفاهيم التحرر الاقتصادي واعادة الهيكلة وحرية انتقال رؤوس الأموال والتركيز على التنافسية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والاعتماد على الاقتصاد المعرفي بشكل متزايد. كل ذلك في إطار انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي واقتصارها على القيام بإدارة السياسات الاقتصادية الكلية وتعزيز دورها التشريعي والرقابي والسعي للدخول في التكتلات الاقتصادية العالمية.