الكتابة ضد الصدأ الوجداني

TT

أتذكر اني عندما ألِفت الكتابة انشغالا وممارسة في البداية، اعتبرتها لحظة ممتعة اعبر فيها عن خياراتي الوجودية، ومواقفي المعرفية وشكل رهاناتي. كنت كمن يريد ان يجعل الكتابة حصنا حصينا لأفكاره وتطلعاته، وتعمق عشقي لها بتعمق عشقي لوجودي كموقف وارادة.

لكننا اليوم نعيش هذا الزمن الدموي الذي يخذل حتى شفافية الروح عندما يلطخها الصدأ وهي بعد فتية، عندما بدأت العلاقة بين الذات والآخر، بين المرأة والرجل يحكمها الصراع كرد فعل على العلاقة التي ماتزال تتحكم في مصائرنا بدون ان نفككها، علاقة الحاكم بالمحكوم على جميع الواجهات، وعلاقة المنتج بالمستهلك، والقوي بالضعيف. بتنا نجرب رد الفعل فينا، في ذواتنا، فابتعد الألق عن روحنا، وانعكس ذلك على ابتسامتنا التي شاخت في شبابنا.

مع هذا الزمن، صرت ارى الكتابة كلحظة لاحتضان افقي في هدوئه واتزانه، في بعده الرومانسي والجمالي. صارت الكتابة عندي، او كما أتصورها، لحظة اعيد فيها ترتيبي، وترتيب نفسي الممزقة لعلني ادرك هذا الزمن الذي صار بطعم الجنازة.

اتساءل مع نفسي هل يمكن للكتابة بهذا المعنى ان تنتصر على هذا الزمن الذي نشهد معه اعلى درجات المكر الحضاري؟ فاقول في كل التبدلات، تبقى الكتابة عندي اجمل انتماء اسجله في تاريخي. وقبلها رفضت كل الانتماءات، لم اجد نفسي الا فيها، لانها تذكرني باستمرار بجسدي ولغتي، بصحوي وذاكرتي، بأسئلتي ورهانات كينونتي، لا تلقنني الاوهام ولا تطالبني بالانصياع، انها تروضني على تذوق الحرية في ارقى معانيها، وعلى ارتشاق الحب، والاحساس بالجمال. وحدها فتحت لي فضاءها بدون ان تقيدني في صفه.

هي تحثني على التمرد على ذاتي، وعلى الاشياء من حولي، وتجعلني اخطو خطوات جريئة نحوي. ويحدث هذا عندما تكون قراءة الكتابة منتجة، وتجعلني اقف عند وعي كتابتي وافق النص الذي ابنيه.

شعرت بهذا التوجه باتجاه ذاتي ووعيي في بعض القراءات النقدية التي قاربت نصوصي الابداعية، وكان آخرها قراءة قدمت لروايتي «قلادة قرنفل» بشكل جعلني اكتشف شكل الوعي الذي املكه ولا ادركه في لحظات الزمن المادي، وادرك حالات ادراكاتي زمن المتخيل، وهذا اتاح لي امكانية الاستمتاع بما كتبت اولا ثم الخطو باتجاه التعرف على وعيي المحتمل الذي عبر عنه هذا النص الروائي.

اجدني اتجدد عبر الكتابة وقراءتها المنتجة، وفي تجددي ارتقائي الوجودي، وانتصاري على الثبات في الدلالات والادراكات للاشياء.

انها شكل حياتي التي ارغبها، ولهذا لا أطلب طقوساً لممارستها، انها تأتيني من حيث لا أدري كما هي الحياة، وآتيها متى شعرت بالامتلاء ورغبت في الاسترخاء لكي يعود الي صفائي.

وأطمح ان اراني في نص اشكله كتابة.