«قناعات» ليبرمان دليل إدانة للسياسة الإسرائيلية

يعتبر الوضع الراهن حرب استنزاف مستمرة وأن المصلحة الإسرائيلية تقضي بحسمها

TT

صدر كتاب جديد لنائب الكنيست ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا» الوزير السابق أفيغدور ليبرمان بعنوان «قناعاتي». وليبرمان من زعماء المهاجرين الروس، وأصبح معروفا للقارئ العربي من غوغائيته وتطرفه وتهديداته للدول العربية، إضافة لإيران. ليبرمان هاجر الى إسرائيل وهو في العشرين من عمره، وسرعان ما دخل المعترك السياسي بدءا من اتحاد طلبة الجامعة العبرية، وبعد أن فهم أن التطرف في إسرائيل يعتبر سمة لدخول المعترك السياسي، فهم اللعبة الحزبية الإسرائيلية، فأخذ يتسلق حتى وصل إلى منصب مدير مكتب رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو، ثم جمع المهاجرين الروس حوله وأقام حزب «إسرائيل بيتنا»، هذا الحزب الذي ائتلف مع حزب «موليدت» الفاشي الذي كان يتزعمه الجنرال رحبعام زئيفي الذي لاقى حتفه بعملية نفذتها المقاومة الفلسطينية، ومن خلال هذا التسلق دخل الوزارة، لكنه وحزبه انسحبا من حكومة شارون على خلفية خطة الفصل الأحادي التي يعارضها بشدة، وأخيرا انفصل عن حزب «موليدت»، ويقال إن هذا الانفصال «تكتيكي»، للحصول على المزيد من الأصوات في انتخابات الكنيست القادمة، إذ أن «إسرائيل بيتنا» حزب علماني، و«موليدت» حزب ديني، ومن خلال هذا الانفصال، يعتقدون أن الحزبين سيحصلان على المزيد من أصوات العلمانيين والمتدينين، وأن القاسم المشترك بين الحزبين هو التطرف وكراهية العرب وطردهم إلى الخارج، ولا يستبعد أنه بعد الانتخابات القادمة سيتوحدان من جديد.

ليبرمان يستعرض في كتابه (قناعاتي) الحقيقة الصهيونية التي يؤمن بها، والمبادئ التي يرى بها البديل لخطة شارون للانفصال الأحادي والتي بسببها انسحب من الحكومة، وتتلخص طروحاته الجديدة ـ القديمة، بما يسميه بالفصل الإداري بين الشعبين العربي واليهودي، كحل للمشكلة الفلسطينية، وخطوة نحو السلام وفقا لنظريته. ويرى ليبرمان بأن الحل يأتي عن طريق إقامة دولتين في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، واحدة إسرائيلية، والأخرى فلسطينية، على أن يكون اليهود بلا عرب في إسرائيل، والعرب دون يهود في فلسطين، ومن أجل تحقيق ذلك، يطالب بمبادلة السكان، من خلال تعديل الحدود، والمقصود بضم المدن والقرى الموجودة في وادي عارة، والخاضعة للسيادة الإسرائيلية، منها الطيرة، الطيبة، كفر قاسم، جلجولية، باقة الغربية، أم الفحم، وجميع قرى المثلث ، إضافة إلى المراكز السكانية العربية الكبيرة في الجليل، وهدف الخطة التخلص مما يسمى بالقنبلة الموقوتة لعرب الداخل، وتأثيرهم على الحياة السياسية في إسرائيل، من خلال الزيادة الطبيعية في أعدادهم، إذ أن هذه الزيادة تربو عن 4% سنويا، مقابل 2.4% لدى اليهود، لكن عرب الداخل يرفضون هذا التبادل، ويصرون على البقاء في مدنهم وقراهم، بل إنهم بانتظار عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، فخطة «ليبرمان» الخبيثة، محاولة بشكل غير مباشر لإلغاء حق العودة. ويناقض ليبرمان نفسه بنفسه، حين يطالب بضم مستوطنات غوش عتصيون (منطقة بيت لحم)، والكتلة الاستيطانية آرئيل (منطقة قلقيلية)، ومنطقة معاليه أدوميم وجبعات زئيف (منطقة القدس) إضافة إلى كتل استيطانية أخرى لإسرائيل، فإنه لا يبقي مساحة في الضفة الغربية، لتوطين فلسطينيي الداخل الذين يطالب ليبرمان بنقلهم رغم أنفهم، فليبرمان يستشهد في خطته على حالات نقل سكان جرت في أوروبا ويوغسلافيا والهند وباكستان وقبرص، إلا أن جميع هذه الحالات، لا يوجد لها أي شبه في قضية فلسطين، والصراع العربي ـ الإسرائيلي. ولا يؤمن ليبرمان بالسلام، ولا يؤمن بالتعايش، وهذا يتطلب تعريف العالم به، فهو يعتبر أن تحسين أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية، أو منحهم المزايا بمختلف أنواعها، وحتى رفع التمييز اللاحق بهم ـ معترفا بوجود هذا التمييز ـ لن يلغي تطلعاتهم القومية، وهذا صحيح ومنطقي، ولذلك يقترح ليبرمان في كتابه، التوجه إلى المجتمع الدولي، وللرأي العام العالمي، للقبول بهذا الحل الذي يطرحه، وبأن لا وجود لحلول أخرى، وأن أي طروحات غير ذلك يعتبرها جبنا وتهربا من الواقع وتحمل المسؤولية، فهو يصف هذا الحل بالنموذجي والشجاع الذي يوقف سفك دماء اليهود، وهو لصالح الشعبين، لكن ليبرمان وقع بالفخ مرة أخرى، فهو يريد التوجه للمجتمع الدولي والرأي العام العالمي بهذا الصدد، لكنه يتجاهل أن المجتمع الدولي قال كلمته في إصداره عشرات القرارات التي تضمن حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه، وبإقامة دولته، لكنه يتجنب إظهار شجاعته بمطالبة حكومته بالاستجابة للقرارات الدولية، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، فهو يريد مصادقة الأمم المتحدة على مشروعه، ويرفض القبول بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بهذا الصراع. إن ليبرمان يعتبر الوضع الراهن حرب استنزاف مستمرة وطويلة، وأن المصلحة الإسرائيلية تقضي بحسمها، سلما كان أم حربا، وهو يعترف بأن هناك من يعتبر مقترحه جنونا، أو مجرد حلم خيالي.