إشكالية اللجوء من عصبة الأمم إلى الجامعة العربية

أوضاع وقوانين وسياسات اللجوء في بعدها الدولي والعربي

TT

* اعتمدت الأمم المتحدة سياسة تقوم على مفاهيم وقواعد متجانسة للحماية

* المعاهدة العربية الخاصة باللاجئين لم توقع عليها سوى جمهورية مصر العربية الرياض: مأمون حسن في كتابه «إشكالية اللجوء على الصعيدين العربي والدولي»، يتعرض مؤلفه اختصاصي القانون الدولي الدكتور عبد الحميد الوالي، الاستاذ بالجامعة المغربية والملحق حالياً بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين كنائب لرئيس بعثتها في المملكة العربية السعودية، لقضية من أعقد القضايا الإنسانية المعاصرة وأكثرها حساسية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وما يجعل هذا الكتاب مميزاً عن سواه من الأبحاث القليلة في هذا المضمار الشائك هو تناوله لمسألة اللجوء ليس فقط في بعدها الدولي بل أيضاً ولأول مرة في بعدها العربي في مجال التعريف بأوضاع وقانون وسياسة اللجوء في العالم العربي خصوصاً في الوقت الذي أصبحت فيه الكثير من الحكومات العربية والمنظمات غير الحكومية، خاصة بمنطقة الخليج، تولي اهتماماً متزايداً بقضايا اللاجئين وتساهم بفعالية في معالجة مشاكلهم في أنحاء مختلفة من العالم. كما يتميز هذا الكتاب بكونه لا ينحصر في توجهه إلى جمهور المثقفين والاختصاصيين والأكاديميين فحسب بل يخاطب القراء عامة.

يقسم الكاتب مؤلفه المكون من 158صفحة من القطع المتوسط إلى ثلاثة أجزاء، يناقش في الأول إشكالية اللجوء على المستوى الدولي، وبيحث في الثاني في إشكالية اللجوء على الصعيد العربي وفي الجزء الثالث والأخير يقدم تحليلاً لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لسنة 1951، التي تعتبر الأساس القانوني الذي تستند إليه ولاية المفوضية السامية علاوة على الملاحق التي تشمل الاتفاقية العربية لتنظيم أوضاع اللاجئين في الدول العربية وإعلان القاهرة حول حماية اللاجئين والنازحين في العالم العربي.

يتناول الكاتب إشكالية اللجوء على الصعيد الدولي من خلال عرض تحليلي لتاريخ تطور تجربة المجتمع الدولي في التعامل مع مسألة اللجوء منذ بداياتها الأولى في إطار عصبة الأمم المتحدة، التي، حسب قوله، اتسمت بعدم الوضوح نظراً لانعدام وجود سياسة شاملة وموحدة للجوء، وتعدد الهيئات الدولية الراعية للاجئين وقلة إمكاناتها وتضارب اختصاصاتها. ثم يبحث الكاتب هذه الإشكالية في إطار الأمم المتحدة، وتحديداً في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وامتدت حتى نهاية الحرب الباردة، والتي شهدت أثنائها قضايا اللجوء زيادة مطردة في الانتشار والحدة على السواء، مع نجاح المجتمع الدولي في إرساء سياسة متناسقة ومعقلنة نجحت إلى حد كبير في التعامل مع الكثير من هذه القضايا. ويحيل الكاتب أسباب ذلك النجاح إلى اعتماد الأمم المتحدة سياسة ترتكز أساساً على مفهوم وقواعد متجانسة للحماية الدولية للاجئين ثم توظيفها من خلال آليتين رئيسيتين فعالتين، الأولى: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي أنشئت في عام 1950 والثانية: اعتماد اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين عام 1951. وبذلك استطاع المجتمع الدولي أن يعالج العديد من المشاكل التي نتجت عن الصراعات المختلفة في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات، وذلك بتوفيره الحماية الدولية لللاجئين ومنحهم المساعدة الإنسانية الضرورية وإيجاد حلول دائمة لهم إما عن طريق إعادتهم طوعياً لأوطانهم الأصلية حينما تسمح الظروف بذلك، أو بإدماجهم في بلدان اللجوء أو بإعادة توطينهم في بلدان أخرى.

غير أن هذا التحسن سرعان ما أخذ في التراجع بعد نهاية الحرب الباردة والفراغ الهائل في ميزان القوى الذي خلقته ونشوء ما يسمى بظاهرة العولمة التي، حسب الكاتب، لا تشجع الناس على مغادرة بلدانهم فحسب بل إنها تدفعهم لذلك نتيجة لانعكاساتها السلبية على حياتهم الاقتصادية في نفس الوقت تغلق أمامهم حدود البلدان الأجنبية حارمة إياهم من وسائل الحماية وأبسط الحقوق. ويرى الكاتب بأنه إذا ما استمر التدهور على هذا النحو، فإن العالم مقبل لا محالة على كوارث إنسانية أكبر حجماً وحدة من سابقاتها في العقد الماضي، سوف تؤدي إلى ازدياد تدفقات اللاجئين وبالتالي صعوبة إعادة الحماية الدولية إلى سابق عهدها. ولمعالجة هذه المستجدات يدعو الكاتب إلى التحلي بالواقعية عبر الإقرار بأن الوضع الدولي الجديد غير قابل للتكيف مع متطلبات نظام الحماية الدولية الحالي على الرغم من تمكنه سابقاً من معالجة قضايا اللجوء بشكل ملائم ومشرف، وبالتالي يتوجب إصلاح نظام الحماية دون المساس بالمبادئ الأساسية والثوابت وأن يتم ذلك تحت شعار «توفير حماية أفضل لمن هم في حاجة ماسة لها» كي يتمكن من الاستمرار والقدرة على الاستجابة لمتطلبات اللجوء بشكل يحفظ مصالح اللاجئين ومصالح الدول المستقبلة لهم.

وفي الجزء الثاني، يبحث الكاتب في خصائص ومسببات إشكالية اللجوء على مستوى العالم العربي عبر تناوله لثلاث مسائل رئيسية وهي التدفقات البشرية القسرية في العالم العربي، والمستندات القانونية لحماية اللاجئين، وممارسات الدول العربية فيما يخص حماية اللاجئين. ففي المسألة الأولى يوضح الكاتب ان الحروب كانت وراء أكبر التدفقات القسرية التي شهدها العالم العربي، تتقدمها الحروب العربية الإسرائيلية وحرب تحرير الجزائر وحروب القرن الأفريقي وحربا الخليج والتي أفرزت أعداداً هائلة من اللاجئين ومعاناة شديدة ما زال اللاجئون الفلسطينيون على الأخص يتلمسون قسوة تواصلها ومرارة تبعاتها حتى يومنا هذا. ويرى المؤلف ان أية فئة من اللاجئين في العالم في نصف القرن الأخير لم تعان مثل ما عانى اللاجئون الفلسطينيون من إجحاف بالنسبة لأبسط حقوقهم كلاجئين ليس فقط من قبل إسرائيل بل أيضاً من قبل المجتمع الدولي ككل. وفيما يخص المستندات القانونية، يلاحظ الكاتب غياب وجود مدونة قانونية عربية معترف بها من قبل الدول العربية ومحدودية عدد الدول العربية المنضمة إلى الاتفاقات الدولية كاتفاقية سنة 1951 الخاصة باللاجئين وبروتوكول 1967، إضافة إلى قلة أو عدم ملاءمة القوانين الوطنية إن وجدت للتشريعات والمعايير المعمول بها دولياً. ومن هنا، كما يقول الكاتب، تنبع أهمية انضمام الدول العربية للمعاهدة العربية الخاصة باللاجئين التي أقرها مجلس وزراء الجامعة العربية في سنة 1994، ولم توقع عليها حتى الآن سوى دولة واحدة وهي جمهورية مصر العربية. ويلاحظ الكاتب أنه عندما يتفحص المرء المسألة التالية المتعلقة بممارسات الدول العربية في مجال حماية اللاجئين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وأثناء الحرب الباردة، فسوف يجدها في مجملها سلبية ومتناقضة مع روح ومضمون التراث والتقاليد العربية الإسلامية الخاصة باللجوء. ألا إن العوامل المختلفة التي ظهرت بعد انتهاء الحرب الباردة والتي أوجزها الكاتب بالمأساة الإنسانية التي نتجت عنها تدفقات اللاجئين في حرب الخليج وحرب البوسنة ونمو الاهتمام بمسألة احترام حقوق الإنسان إضافة إلى الدور الذي لعبته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في كسب عطف ومساعدة دول المنطقة العربية وشعوبها نحو قضايا اللاجئين كما التعريف بقانون اللجوء... كلها أفضت إلى إيلاء بعض الدول العربية خاصة دول الخليج، نوعاً من الاهتمام بقضايا اللاجئين ومسألة اللجوء. وقد دلل الكاتب على هذا التحول الجزئي بتعزيز دول المنطقة العربية لعلاقاتها مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والفتح النسبي للحدود أمام طالبي اللجوء، واعتراف أكبر بحقوق اللاجئين ورفع مستوى مساهمة الدول العربية في برامج المساعدة الدولية الإنسانية وتنظيم حملات جمع التبرعات لصالح اللاجئين، إضافة إلى بروز هيئات عربية غير حكومية تهتم بقضايا اللاجئين من بينها هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية واللجنة المشتركة لإغاثة كوسوفو والشيشان والهلال الأحمر السعودي بالمملكة العربية السعودية وجمعية قطر الخيرية وبيت الزكاة بالكويت ومؤسسة الشيخ زايد بالإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال لا الحصر.

ولكن بالرغم من هذه التطورات الإيجابية، يعتقد الكاتب بأن أوضاع اللجوء في العالم العربي بصفة عامة لم ترق إلى المستوى المطلوب بعد، وبالتالي يلزم الكثير من العمل من أجل بناء مؤسسة اللجوء في المنطقة من خلال انضمام المزيد من الدول العربية للاتفاقات الدولية الخاصة باللاجئين بما فيها الاتفاقية العربية وسن وتفعيل القوانين والتشريعات الوطنية ذات الصلة والمتناسقة مع المعايير الدولية.

وفي الجزء الثالث والأخير من مؤلفه، يقدم الكاتب تفسيره لمواد اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لسنة 1951 التي انضمت لها حتى الآن أكثر من 140 دولة منها 8 دول عربية فقط، حيث يتبين من خلال تحليله بأن اتفاقية سنة 1951 تتسم بالواقعية والليونة وبأنها بنيت على توازن عادل بين مصالح اللاجئين ومصالح الدول المستقبلة لهم.

إشكالية اللجوء على الصعيدين العربي والدولي المؤلف: د. عبد الحميد الوالي الناشر: دار النشر المغربية ـ الدار البيضاء ـ 2000 =