الصراع على عرش الكرملين

الأحداث السياسية والاقتصادية ما قبل انهيار الامبراطورية السوفياتية والتطورات التراجيدية اللاحقة

TT

يتناول الدكتور سامي عماره في كتابه الصادر حديثاً عن دار الهلال بالقاهرة بعنوان «قريباً من الكرملين.. من جورباتشوف الى بوتين» الأحداث السياسية والاقتصادية ما قبل سقوط الامبراطورية السوفيتية وصولا للوضع الراهن في ظل حكم بوتين مدعماً كتابه بحوارات مع رموز العمل السياسي في مراحل مختلفة.

في مقدمة الكتاب، الذي يقع في 262 صفحة من القطع المتوسط، تحدث المؤلف، بشكل خاص، عن الرئيس الأسبق للاتحاد السوفياتي ميخائيل جورباتشوف من خلال مجموعة من المحاور من اهمها «جورباتشوف في شرك التجربة والخطأ» و«الاستقلال أعلى درجات الدلع السياسي» ثم «جورباتشوف واعترافات فوروس». وفي حديثه عن التجربة والخطأ في مرحلة جورباتشوف، عاد المؤلف إلى لينين، «السلة الكبيرة التي اتسعت لتناسب كل الاذواق والميول منها التطرف والاعتدال» مشيراً إلى أنه في هذه السلة توجد الماركسية ومعها أسس التحول الى اقتصاد السوق كما توجد مختلف صنوف السباب العقائدية المتعددة الاطياف، على حد تعبيره.

ويرى المؤلف ان الرئيس السوفياتي الأسبق وجد في هذه السلة غايته، ومنها انتفى مفردات خطابه السياسي وتوجهاته التي صاغها في ما بعد في نظرية اعادة البناء التي عرفها العالم تحت اسم «البيرويسترويكا» ومعها «الجلاسنوست» أي العلانية والمكاشفة، كما تعرض لبعض من ملامح التغيير الذي قام به الحزب الشيوعي في الاتحاد «المنهار» وظروف اختفاء تلك الامبراطورية العملاقة.

ثم تناول الابعاد الغائبة في علاقة ميخائيل جورباتشوف وبوريس يلتسين منذ ان بارك الأول طرد الثاني من المكتب السياسي للحزب الشيوعي وتهديده له بأنه «لن يسمح له ثانية بالعودة الى السياسة الكبرى»، معتبراً ان الصراع بين هذين القطبين أحد الاسباب المهمة للانهيار الذي طال الحزب والدولة بعد ان تبلورت ظروف عديدة عجلت بسقوط الامبراطورية السوفياتية، كما ان ذلك الصراع لم يكن بمنأى عما احتدم من جدل حول مشروعية إلغاء المادة السادسة من الدستور السوفياتي التي كانت تتيح للحزب الشيوعي احتكار السلطة، مما اتاح المجال لظهور التيارات السياسية الأخرى التي تبلورت في ما بعد في احزاب وحركات سياسية وشعبية متباينة.

ووجدت هذه التشكيلات في تطورات الأحداث ما يكفل لها تجسيد ما ترفعه من شعارات حول المزيد من الديمقراطية واستقلالية القرار التي بلغت حد المطالبة بالانفصال، كما تعرض المؤلف الى بعض تفاصيل تلك الصراعات القومية بطريقة محايدة وجادة اعتمدت على الرأي والرأي الآخر لرموز هذه الحقبة التاريخية. ومن هذا المنظور تناول دور المثقفين «الانتلجنسيا» باعتبارهم الفئة التي دعمت البيرويسترويكا ومحركها الأول جورباتشوف قبل سقوطه في «شراك» الهرولة نحو الغرب.

ويرى عماره ان «سقوط المثقفين» كان مقدمة طبيعية للتحولات التي طرأت على مسيرة الصحافة التي كادت تنجح في الحصول على حريتها بعد التخلص من سلطة الدولة والأجهزة الرقابية والحزبية، لكنها سقطت أيضاً في «شراك» اساطين المال والاعمال ممن يسمونهم في موسكو «الاوليجاركيا» وهم في معظمهم من ممثلي الطائفة اليهودية الذين نجحوا في تحويل الصحافة وأجهزة الاعلام الى «سلعة رائجة» تباع وتشترى بأبخس الأسعار في مزاد «التخصيص».

وعن فترة بوريس يلتسين يتحدث المؤلف في صفحة 136 عما اسماه «نوادر يلتسين والسعودية»، فهو يتهم الرئيس الروسي السابق بالجهل وعدم المعرفة سواء بالتاريخ او الجغرافيا أو حتى مقتضيات البروتوكول. ولم يهمل المؤلف «القضية الشيشانية» في كتابه إذ تناولها في أكثر من 40 صفحة، وأشار الى تفاصيل لقائه مع أول رئيس لدولة الشيشان الجنرال جوهر دودايف في قصر الرئاسة بقلب العاصمة «جروزني» عام 1992.

وفي الفصل الأخير من الكتاب تطرق المؤلف الى الكثير من تفاصيل رحلة الصعود التي قطعها الرئيس الجديد بوتين خلال اشهر معدودات، ويشير الى ان رسوخه في موقعه اكد ثقته اللامحدودة في نفسه بخوض الحرب على 3 جبهات، الأولى ضد اجهزة الاعلام التي تخضع لهيمنة ممثلي اللوبي اليهودي من أمثال فلاديمير جوسيفسكي وبوريس بيريزوفسكي الذي عاد وانقلب على الرئيس ثم هرب للخارج، أما الجهة الثانية وتبدو أخف وطأة وتتمثل في المحافظين ورؤساء الجمهوريات الذين سبق وحصلوا من الرئيس السابق بوريس يلتسين على الكثير من الاستقلالية التي يحاول بوتين اليوم الحد منها بما يكفل هيبة السلطة المركزية واعلاء القوانين الفيدرالية، ثم الجهة الثالثة في الشيشان، حيث شمال القوقاز الذي لا يمكن أن يفرط به بوتين. قريباً من الكرملين.. من جورباتشوف الى بوتين المؤلف : د. سامي عماره الناشر : دار الهلال بالقاهرة