اتحاد كتاب المغرب وأسئلة الكتاب الشباب

إكرام عبدي

TT

سحابات عزلة، وإقصاء وتجاهل ملبدة في سماء مشهدنا الثقافي العربي، أزمة قيم تبعث على الاكتئاب، حالة عزوف عن القراءة، أمية مستشرية، عولمة مستوحشة تأتي على الأخضر واليابس من قيمنا الثقافية، أزمة ثقة في كل ما يحوم حولنا، في المؤسسات والقيادات والحكومات، حالة تبخيس للذات مقابل تعظيم وتفخيم للآخر، سطوة الإعلام بمختلف أجهزته، كتاب يعانون، يقيمون في مناطق ظليلة من النسيان، يتدثرون بأغطية التجاهل والإجحاف، يتجرعون في صمت كؤوس اليأس والمرارة، ولا من يقول كلمة في حق كتاباتهم، أو يربت على أكتافهم، أو يمسح آثار الغبار العالق على سطح نصوصهم اليتيمة، المنزوية في رفوف مكتباتهم، ليلقوا مصيرهم الحتمي منفردين، يلفظون آخر أنفاسهم بين ذراعي الموت، من دون أن يجدوا حتى من يترحم عليهم.

فقد لا يكفي أن يكون الكاتب موهوبا، كما قال رجاء النقاش، لأن الموهبة تحتاج إلى مناخ صحي نفتقده في عالمنا العربي اليوم، بسبب عدم وجود مؤسسات ثقافية تأخذ بيد الموهوبين، تخرجهم من دائرة عذاباتهم، وتطرد عنهم أشباح اليأس والإحباط.

واتحاد كتاب المغرب، كأول مؤسسة ثقافية عتيدة في البلاد، تمكنت على امتداد عقود زمنية خلت (حوالي 45 سنة من عمر هذه المنظمة)، أن تراكم رصيدا ثقافيا ورمزيا ونضاليا هاما، وأن تستقطب العديد من الأسماء الفكرية والثقافية والإبداعية المغربية الجديدة، بمختلف توجهاتها وحساسياتها السياسية وتنوع أساليب تعبيرها، كما استطاعت أن تلم شملهم داخل خيمة موحدة.

وقد تمكن جيل التأسيس أو «جيل الظمأ»، المتعطش للحرية والاستقلال عن السلطة، أن يقاوم كل أشكال التشتيت وطمس الهوية، كما تمكن من الانفتاح على الأفق الثقافي العربي ومن تحقيق نوع من المصالحة مع رموز الثقافة الوطنية، من خلال «استعادة الذاكرة المفقودة»، ومواجهة إكراهات عديدة بحب وغيرة وطنيين، حتى يبقى نبض الكلمة حيا لا يموت، الأمر الذي يستلزم اليوم من اتحاد كتاب المغرب، أكثر من أي وقت مضى، في ظل التحولات السياسية والثقافية والاجتماعية الجديدة التي تعرفها البلاد، مواجهة كل الإرغامات والضغوطات المحيطة بها، والتي ما زالت تحد من انطلاقتها، بجدية ومسؤولية، وبالمزيد من نوع من الحكمة والتروي.

ولا ننكر أن اتحاد كتاب المغرب قد تمكن، منذ تأسيسه، من تسليط الضوء على العديد من الأسماء الجديدة والشابة، وخصوصا بعد أن تم إحداث «جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب»، هاته التي شكلت دائما فرصة لاكتشاف الطاقات والأقلام الشابة في بلدنا، والاعتناء بهؤلاء، عبر تحفيزهم على مواصلة الكتابة والنشر، كما منحتهم هذه المنظمة الفرصة لتثبيت أقدامهم بجدارة واستحقاق في المشهد الأدبي المغربي والعربي، خصوصا وأن اتحاد كتاب المغرب ما فتئ يعمل، من جهته، على طبع ونشر الأعمال الفائزة في إطار هذه الجائزة، وخارجها، بل ويتكفل بنشر الأعمال المنوه بها كذلك، شعورا منه بأهمية إسناد كل مجهود إبداعي وفكري مضيء. أسماء غدا لبعضها اليوم حضور مشع ومهم في الساحة الثقافية والأدبية بالمغرب، وعلى مستوى مختلف أجناس التعبير الأدبية، والأسماء أضحت اليوم معروفة ومتداولة.

وبموازاة ذلك، لا بد من الإشارة أيضا إلى الجهود التي ما فتئ يبذلها اتحاد كتاب المغرب في سبيل تحقيق جوانب من مشروعه الثقافي العام مع النشر تحديدا، كذلك الدعم الذي يوفره اليوم المكتب الإعلامي الكويتي بالرباط لمشاريع الاتحاد مجال النشر، وهي المبادرة التي لقيت صدى طيبا، في مراحلها الثلاث إلى حد الآن، لدى فئة عريضة من الكتاب الشباب تحديدا، ممن استفادوا من هذه التجربة الجديدة، والأولى من نوعها في تاريخ اتحاد كتاب المغرب، كما استحسنها الجميع، بالنظر لأهميتها ومردوديتها على مستوى النشر لفئة من الكتاب المغاربة الشباب، وغيرهم، ومن بينهم من عرف طريقه إلى النشر لأول مرة. ويشهد لاتحاد كتاب المغرب، على امتداد تاريخه ومؤتمراته ومواقفه وسياسته الثقافية، أنه كان دائما منفتحا، على مستوى أجهزته المركزية والفرعية، في وجه الكتاب المغاربة الشباب، انطلاقا من شعوره الدائم بالدور اللافت والفعال لهؤلاء الكتاب في ضخ دماء جديدة في شرايين اتحاد كتاب المغرب، وفي المشهد الثقافي والأدبي بالمغرب، على حد سواء، وذلك بشكل يكسب هذه المنظمة فحولة وتجددا مستمرين، عبر مساهمة بعضهم إما في التسيير المباشر لشؤون هذه المنظمة، على مستوى أجهزتها المركزية والاستشارية والفرعية، أو في أنشطة الاتحاد وملتقياته الداخلية والخارجية.

ورغم أن اتحاد كتاب المغرب كان دائما يرفض أن يخضع لوصاية أو يرفع الأنخاب لهامات تدعي السبق والريادة، فإنه بتفتحه ووعيه المتجددين كان دائما يرحب، في المقابل، بكل المبادرات والاقتراحات التي تُمكن من تحقيق التواصل وتفعيل مختلف أشكال التلاقح بين مختلف الحساسيات وأجيال الكتاب، من الأعضاء القدامى والجدد، ممن جاؤوا إلى هذه المنظمة محملين بأسئلة جديدة تمتص عمقها من راهننا، وبأفكار وانتقادات هادفة، بعيدا عن كل انتهازية أو مصلحة شخصية، لتفعيل دور الاتحاد وتطوير طرق أدائه، مترجمين بشكل جلي درجة تفاعلهم وفهمهم للواقع ورغبتهم الأكيدة في تطوير هذه المنظمة نحو الأفضل، وذلك في إطار من الإبداع والفكر الحر، المتجدد المنفتح على كل القيم الإنسانية النبيلة والراقية.

وفي ظل اتحاد كتاب المغرب، لا خوف اليوم وغدا على كتابنا الشباب من مستقبل قاتم تخيم فيه سحب المرض والتجاهل والنسيان، ولا توجس من مستقبل غامض يكرم فيه الكاتب المغربي في حياته وبعد مماته.. كما أنه في ظل هذا الزخم في الأسماء وفي النصوص التي يتعزز بها المشهد الثقافي المغربي الراهن، على مستوى ما ينتجه الكتاب الشباب، فإن اتحاد كتاب المغرب مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، وهو يستعد لتنظيم مؤتمره الوطني السادس عشر، بضرورة الاستمرار في احتضان هؤلاء الكتاب وتحصينهم ضد كل أنواع التلاشي والإهمال والموت الرمزي، وأن يخصص لإنتاجهم الإبداعي والنقدي المزيد من اللقاءات والندوات، والمزيد من فرص النشر والحوار، فقط انطلاقا من إيمان الاتحاد، المسبق والأكيد، بأن هؤلاء هم صانعو مستقبلنا الثقافي والإبداعي.

* شاعرة