حسن نجمي لـ «الشرق الاوسط»: المؤتمر الـ 16 محطة حرة للحوار الديمقراطي ووقفة حاسمة للمحاسبة أنا جاهز لها

رئيس اتحاد كتاب المغرب: لو كنت في جزيرة عزلاء لما نلت كل النقد الذي يأتيني

TT

يغادر حسن نجمي رئاسة اتحاد كتاب المغرب بعد ولايتين متتابعتين ولن يرشح نفسه للمرة الثالثة رغم ان القانون الاساسي لا يحرمه من ذلك، هذا ما قاله في هذا الحوار الذي خص به «الشرق الأوسط» عشية انعقاد المؤتمر، مضيفا انه مستعد ليجيب عن كل الانتقادات والمؤاخذات الموجهة للتجربة التي قادها وجاهز للمحاسبة.

* في الوقت الذي يعتبر فيه الكثيرون ان اتحاد كتاب المغرب يعيش على إيقاع الخلافات والانقسامات التي كانت وراء تأجيل مؤتمره، ويوجهون انتقادات عديدة للتجربة الحالية التي قدتها على رأس هذه المؤسسة الثقافية، أشرت في مؤتمر صحافي ان المؤتمر سيمر بكيفية اعتيادية، وبدون مفاجآت، هل أنت مطمئن لهذه القناعة؟ وهل يعني ذلك، انه لن تكون هناك محاسبة او تقييم بحصيلة وعمل المكتب الحالي؟

ـ أولا، لم نعلن عن انعقاد المؤتمر الا مرة واحدة، هي بالذات الموعد الذي سينعقد فيه المؤتمر، أي يومي 25 و26 فبراير (شباط) الحالي، وكما سبق ان قلت، فالمؤتمر سيعقد في دورة عادية لا تكتسي اي طابع استثنائي، والرهان هو ان ينعقد هذا المؤتمر في ظروف وشروط ملائمة ليتاح لنا ان نقيم عملنا وتجربتنا في الثلاث سنوات الماضية، لكي نؤسس للمستقبل. وبكل تأكيد، ان المؤتمر ينعقد بالاساس ليكون فضاء للنقاش والمحاسبة، والا لماذا تعقد المؤتمرات. ففي كل المنظمات والجمعيات والاحزاب والنقابات سواء في المغرب او في العالم، تنعقد المؤتمرات لتؤدي مثل هذه الوظيفة التنظيمية العادية والطبيعية، حيث سنقدم تقريرا أدبيا وماليا وننصت الى وجهات نظر الاعضاء وأسئلتهم وملاحظاتهم وانتقاداتهم، ونقدم التوضيحات الضرورية واللازمة لنقنعهم بقيمة ما أنجزناه وايضا أسباب ودواعي الاخفاق فيما لم ننجزه. والأكيد، ان اتحاد كتاب المغرب ليس ضريحا او مزارا مقدسا ينبغي ان يقدم له الاعضاء القرابين والنذور، وإنما هو مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، تتفاعل مع الواقع، تشتغل بروح موضوعية على قدر ما نستطيع وفي أفق الامكانيات المادية المتاحة لنا، لكننا في كل الأحوال سندخل هذا المؤتمر مرتاحي الضمائر، وبراحة بال لأاننا استطعنا أن نفي بجملة الالتزامات التي أخذناها على عاتقنا في المؤتمر السابق، بل أكثر من ذلك وسعنا حجم الانشطة وحجم المنشورات، وحسنا الاداء الثقافي والانتشار على مستوى المساحة الجغرافية لبلادنا، تخطينا تمركز الانشطة الثقافية في قطب الدار البيضاء ـ الرباط، خرجنا في علاقتنا الخارجية عن الفضاء العربي الى الفضاء المتوسطي، رفعنا من حجم الشراكات مع نصرائنا ومع المهتمين والمتدخلين في الشأن الثقافي، سواء كان الامر يتعلق بمؤسسات عمومية او شبه عمومية او قطاع خاص. لكن، بكل تأكيد نحن اعطينا ما يمكن ان نعطيه، لم نتخاذل في لحظة من اللحظات عن اتخاذ المواقف الضرورية، لم نتراجع عن بعض من التزاماتنا، لم نتخل عن اعضاء الاتحاد في اللحظات التي يحتاجون فيها الى مؤسستهم، لكن بكل تأكيد، تظل طموحاتنا أكبر من الإمكان.

*ما الجديد الذي يحمله هذا المؤتمر؟ وما هي الاسئلة الكبرى التي سيطرحها؟

ـ يعقد الاتحاد مؤتمراته الوطنية لأداء وظيفتها الطبيعية: التقييم العام للعمل، وتهيئة الافق الجديد، لكن، مع ذلك، ظل دائما يحرص في مؤتمراته على ان يتيح مساحة حرة لأعضاء المؤتمر كي يلتئموا حول جملة من الافكار، حتى لا يظل المؤتمر مجرد محطة لانتخاب الأجهزة او تجديدها، ولذلك كان كل مؤتمر ينعقد حول فكرة مركزية او حول تصور معين فكري ثقافي، فكانت هناك محطات سابقة نوقشت فيها العلاقة بين الثقافي والسياسي مثلا، ومسألة الكتابة، والوضع الاعتباري للكاتب في المجتمع المغربي.

في هذا المؤتمر، سنركز بالأساس على العلائق الثقافية القائمة والمفترضة بين الدولة والمجتمع. وخلال هذا الأفق من الحوار الممكن، سيتاح لأعضاء المؤتمر أن يناقشوا الوضع الاعتباري لمؤسستهم الاتحاد كتاب المغرب بالذات، هذا اتحاد كيف يمكن ان يصون استقلاليته في ظل التحولات السياسية التي يجتازها المغرب، كيف يمكنه ان يتواصل مع مختلف مكونات الدولة والمجتمع بما يخدم الشأن الثقافي، بما يغني تجربة الثقافة المغربية ويطور العمل الثقافي من دون تفريط في الالتزامات وفي المواقف وفي الموقف النقدي الذي ينبغي ان يميز مؤسسة ثقافية كالاتحاد، او يميز المثقف، لأن المثقف بالذات ليس شيئا آخر غير موقفه النقدي ورؤيته التي تشخص الاوضاع وتصنع المستقبل.

* لماذا لم تترشح لرئاسة الاتحاد لولاية ثالثة، علما ان القانون الاساسي يسمح بذلك؟ هل في ذلك تجنب وخوف من الانتقادات خاصة وانك نلت الكثير منها خلال التجربة الحالية بالخصوص؟

ـ لو كنت في بيتي ولم اتحمل اي مسؤولية واكتفيت بجزيرة ذاتية عزلاء لما نلت اي شكل من اشكال النقد. النقد يأتي لأنني في الساحة في عمق الانشغالات، لدي موقف ورؤية. وبالتالي، أعتبر هذه الخطابات النقدية والسجالية تشرفني، لأنها تعني انني امضي في الطريق الصحيح، وأذكر هنا ان الشاعر العربي الكبير ادونيس، عندما سألته مرة عن نظرته لهاته المواقف النقدية الجارحة التي تنال منه دائما، قال: «على العكس، لو ان الآخرين لم ينتقدوني سأشك في نفسي». اذا كنت سأخشى مثل هذه الانتقادات لما دخلت المؤتمر، لأن المؤتمر بالذات هو محطة للانتقاد والمحاسبة والمساءلة، وأنا جاهز ومرتاح البال وضميري مطمئن عندما سأنصت لإخواني واصدقائي وزملائي وسأرد على كل الملاحظات والانتقادات حتى نصنع جميعا معا سويا لحظة ديمقراطية ظلت تميز دائما هوية اتحاد كتاب المغرب. أما لماذا لم أرغب في ترشيح نفسي للمرة الثالثة، فلاعتبارين أساسيين، يعود الاعتبار الاول لاقتناعي الجوهري والعميق بأهمية التداول في المسؤوليات والمواقع. وقد عانيت في فضاءات اخرى من انعدام التجديد في المسؤوليات وفي المواقع. وأهم ما يفسد الحقل السياسي والاجتماعي في العالم العربي هو ان كل شخص يجلس في مقعد لا يريد ان يغادره حتى يتكفل الموت بذلك. الجانب الآخر، هو انني، فعلا تعبت وينبغي ان اعترف بذلك، لقد تعبت شخصيا وكنت اشتغل ليل نهار لكي اكون في مستوى التوقعات والانتظارات ورغم كل ما يمكن ان انجزه واقوم به واهيئه لزملائي واخواني في اتحاد كتاب المغرب، هناك دائما المزيد من الطلبات التي احيانا اكون عاجزا عن الاستجابة لها. لقد تعبت جسديا، ولم اعد استطيع ان اواصل العمل في هذه الواجهة بنفس الوتيرة التي كنت اتحرك بها في الماضي. لكن هذا لا يعني على الاطلاق انني سأنسحب من اتحاد كتاب المغرب، فبصفتي الجديدة، كرئيس سابق للاتحاد، سأصبح بقوة القانون الاساسي عضوا للمجلس الاداري لهذه المؤسسة، وبهذه الصفة يمكنني ان اساعد اخوتي في الاتحاد ولن ابخل مطلقا بكل ما امتلك ماديا وادبيا.

* من المؤاخدات الاخرى الموجهة للتجربة الحالية، مسألة العضوية هناك من يقول ان البعض يتمتع بعضوية ابدية، رغم انه لم تعد له علاقة دائمة بالانتاج الادبي، والبعض الآخر حصل على العضوية بسبب نشر مقال او كتاب واحد او وحيد، وهناك من يقول ان العضوية اصبحت تمنح لأي كان، لدرجة ان البعض يرى ان الاتحاد تحول الى منظمة جماهيرية، ألا تخشون من تورم المنظمة؟

ـ سؤال العضوية، ليس سؤالا جديدا، واظن انه سيظل يطرح باستمرار في المستقبل لعدة اعتبارات، اولا لكون المسؤولين عندما يمنحون العضوية او يحجبونها عن البعض، دائما يستندون الى معايير يحضر فيها الجانب الذاتي، وقد كان يؤخذ على الاتحاد في الماضي، انه يعطي العضوية للمتحزبين والاصدقاء ويحجبها عن غيرهم، طبعا لم يكن هذا صححيا ابدا ويمكن الاطلاع على سجل اعضاء الاتحاد الذين يبلغ عددهم 517 عضوا، والآن ما يؤخذ على الاتحاد انه فتح الباب اكثر مما ينبغي، في حين ان المؤتمر السابق، انتخب لجنة للبث في العضويات وتقييدها، وبدون شك فإن المؤتمر السادس عشر سينتخب لجنة اخرى لمواصلة هذا العمل.

* ارتفعت أصوات كثيرة، حتى من داخل الاتحاد نفسه تؤاخذكم على علاقتكم بالسلطة، معتبرة ان اليد امتدت لها إلى اقصى ما يمكن، من دون ان يحقق ذلك مكاسب مهمة للاتحاد، فيما يعتبر البعض ان علاقة الاتحاد بالدولة أفقدته استقلاليته واصبح مجرد ملحقة لوزارة الثقافة وذهب البعض الى ان وزارة الثقافة سيكون لها تأثير على التشكيلة المقبلة؟

ـ اظن ان هذا السؤال ليس بالبساطة التي يمكن ان يتصورها البعض، والذين يؤاخذون الاتحاد على هذا الانفتاح لا يعطوننا تصورهم الحقيقي لمفهوم السلطة، هل يتعلق الأمر بسلطة وصية على القطاع الثقافي، ام يتعلق بسلطات قائمة على الإكراه؟ اظن ان من حق اتحاد كتاب المغرب كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني ان تتصل بالجهات الوصية على القطاع الثقافي، انا لم اتوجه يوما الى وزارة الداخلية لكي أطالب بتوفير تذكرة سفر او وجبة عشاء او غذاء. انا اتوجه الى الوزارة الاولى، واتوجه الى وزارة الثقافة، ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، والى وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، والى وزارة الاتصال لكي احصل على بعض المكاسب الخاصة بأدائنا وتنفيذ برامجنا، ولست أتوسل في ذلك لأحد، بل أسعى لنستفيد كمؤسسة وطنية من حقنا في استعمال المال العمومي. انا لم اطرق بابا لأحصل على شيء اضعه في جيبي، نطالب بوجبات عشاء، بتذاكر سفر. وكل ذلك في اطار تنفيذ برامجنا التي التزمنا بها في المؤتمر السابق، اي شيء، خارج هذا الحوار وهذه الالتزامات التي تخص بالاساس تنفيذ برنامج الاتحاد وتعزيز مكاسب اعضائه والدفاع عن كرامة الكتاب المغاربة. أنا مستعد وجها لوجه ان احاور اي منتقد او ملاحظ، وعلى كامل الاستعداد لكي احاسب على اي سلوك منحرف في هذا الاتجاه او ذاك. الجانب الآخر، الذي ينبغي ان اوضحه ايضا، هو ان هؤلاء الاخوة الذين يخافون على استقلالية الاتحاد، لماذا لا يطرحون السؤال على أنفسهم ومدى استقلاليتهم هم عن مؤسسات المال وعن بعض المؤسسات المشبوهة. بعض الصحافيين من بعض الصحف يتوجهون الى الاتحاد ويضعونه في موضع المساءلة حول هذه الاستقلالية المتوهمة، كما لو ان الأمر يتعلق ببكارة يخشى ان تفتض. إن الأمر ليس بهذا المعنى على الاطلاق. احدى الصحف وجهت الي بعض الاسئلة أخيرا، ورفضت ان اجيبها، وأعتبر نفسي أنني كرئيس للاتحاد مستعدا لأن اضع نفسي أمام مساءلة اعضاء الاتحاد داخل المؤتمر. والحال ان الاتحاد معروف بتاريخه برصيده، بمواقفه، بحسه الاخلاقي ومسؤوليته. فلست أخجل مطلقا من أن أحاور وزير الثقافة وهو قبل كل شيء رئيس سابق للاتحاد، ومناضل تقدمي دخل السجن، دفاعا عن افكاره واختياراته الحرة، وهو قبل كل شيء حريص على سمعته ومصداقية اتحاد كتاب المغرب، أكثر من بعض هؤلاء الذين ينتقدون الاتحاد. فإذن، فأنا شخصيا لم أسع للسلطة للحصول على مكاسب شخصية او على امتيازات شخصية، أحاور المسؤولين بكل وضوح وانشر البلاغات عن كل اللقاءات والاتصالات وكل ما طرقت بابا يكون في الغالب من أجل تنظيم ندوة او مساعدتنا على تنفيذ برنامج فكري او ادبي او من اجل إنقاذ حياة كاتب او شاعر، لم يشكرنا احد ولم ننتظر ذلك عندما كنا كل يوم الى جانب محمد زفزاف، ومحمد شكري، ومحمد الكغاط، والعربي باطما، وغيرهم من الكتاب والمبدعين الذين كانوا في حاجة الى من يساندهم ويطرق كل الابواب لإنقاذ حياتهم بدلا من اولئك الذين راكموا من حولهم الخطب والكتابات العصماء.

* ارتباطا بسؤال الاستقلالية، هناك رغبة عبر عنها الكثيرون في إبعاد الاتحاد عن ظل الاحزاب، بينما يرى البعض الآخر ان التقرب منها يشكل نوعا من الضمانة؟ ماذا يمكن في رأيك ان تعطي الاستقلالية المطلقة للاتحاد؟

ـ أولا، للحديث في هذا الجانب مستويان، المستوى الاول، هو ان اتحاد كتاب المغرب، منذ الستينيات ظل حليفا للقوى الوطنية والديمقراطية، وظلت هذه القوى حليفة لاتحاد كتاب المغرب في مطالبه، ولذلك كانت مواقف الاتحاد الثقافية والاجتماعية والسياسية تصب في أفق مشترك مع هذه المؤسسات الوطنية ذات الرصيد النضالي الحي والمضيء. والجانب الآخر، ان تجربة الاتحاد لن تسلم من إعطاب هذه العلاقة، ففي كثير من الاحيان، كان يهيمن الجانب السياسي على الجانب الثقافي في هوية الاتحاد. وكانت المؤتمرات عادة تطبع بطابع التحالفات القائمة على التنسيق والتوافق بين هذه التيارات والمكونات السياسية داخل اتحاد كتاب المغرب. لكن هذه التجربة، أظن أنها أصبحت في ذمة الماضي على الاقل منذ المؤتمر الرابع عشر، لم نعد نرى ان الكتل الحزبية والسياسية تجتمع وتنسق وتجتمع مع بعضها البعض قبل المؤتمر أي ليلة انعقاده كما كان الامر في الماضي.

* هذه المرحلة طبعت ايضا الاتحاد عندما كان هناك بالخصوص تناوب وتداول بين ثنائية سياسية، حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال؟

ـ بل عندما كان بالخصوص نوع من التمايز القائم بحدة بين معسكرين، الدولة من جهة، والقوى الوطنية الديمقراطية من جهة ثانية، وكنا نتحدث حتى على مستوى التشخيص الثقافي والمقاربة الفكرية بين بعدين للثقافة المغربية، ثقافة مهيمنة سائدة مخزنية عنيفة محافظة ورجعية، وثقافة جديدة ديمقراطية تقدمية متجهة الى المستقبل، لكن الآن، الوضع الثقافي نفسه لم يعد قائما على هذا التقاطب التقليدي، كما ان التحولات السياسية والبنيوية والجوهرية التي يعيشها النسق السياسي المغربي حاليا، دفعت ليس اتحاد كتاب المغرب وحده بل المكونات الثقافية والاجتماعية، لكي تعيد النظر في أطروحاتها القديمة. نحن في اتحاد كتاب المغرب لسنا نسخة كربونية الى حركة سياسية، كيفما كانت هذه الحركة وكيفما كان حجمها ورصيدها في الساحة، لم يعد الكتاب انفسهم حتى المتحزبون منهم يقبلون ان يأتوا الى مؤتمر وهم مبرمجون بأفكار وأطروحات، ومواقف يتم الاتفاق حولها داخل مقار الاحزاب، لم يعد يقبل كاتب او شاعر برغم التزامه الحزبي ان يكون بوقا لأحد، شخصيا، وقد قلت ذلك مرارا. قد اقبل في اطار سياسي الذي انتسب اليه، ان اتفق على افكار معينة، ولكن لا أضمن لهذا الاطار السياسي ان اصرف موقفه داخل مؤسسة الاتحاد. فكل موقف يتخذه اتحاد كتاب المغرب، يجب ان ينتسب وينبثق من سيرورة العمل الطبيعي داخله لضمان استقلالية العمل الثقافي.

لقد جرت وقائع المؤتمر الخامس عشر سواء تعلق الامر بالمناقشات او القرارات التي اتخذت، تحت أنظار الصحافيين، بل ان العملية الانتخابية والاعلان عن النتائج جرت مباشرة عبر مكبر إذاعة طنجة في تلك الليلة المعلومة. فنحن مستعدون ان نستضيف ملاحظين عن المجتمع المدني، وقد وجهنا دعوة للاخوة في المنظمة المغربية لحقوق الانسان، وجمعية ترانسبارنسي، لكي يحضروا معنا كشهود وضيوف لمواكبة هذا العمل داخل المؤتمر، بل سنفتح الباب ايضا للصحافيين المهنيين لكي يواكبوا اشغال المؤتمر.

* هناك أسئلة حول علاقة اتحاد كتاب المغرب باتحاد الأدباء العرب، المعروف انك رفعت في البداية شارة العصيان، واخترت كما قلت في احدى تصريحاتك ان تكون صوت الشعب، لكن، تراجعت عن ذلك، وخضعت لما يمكن ان يسمى منطق التسوية من دون ان تتحقق مكاسب من وراء ذلك؟

ـ لقد كنا في المؤتمر العام للاتحاد العام للادباء والكتاب العرب امام خيارين، اما ان نمارس الشغب الى نهايته وقد مارسناه الى نهايته فعلا، حتى اصبحنا «وقحين» ومزعجين داخل المؤتمر، بل توقف المؤتمر تحت ضغط موقفنا، وكان الخيار الثاني ان نشاغب لكي نحقق قدرا معينا من الدمقرطة الداخلية لأجهزة الاتحاد العام. ولا أخفيك، وصلت في النهاية لأقول داخل المؤتمر، بأنه لن أخسر شيئا اذا وضعت الاتحاد العام وراء ظهري وانصرفت، وتدخل الروائي الاخ مبارك ربيع، وقال انه يكفي الى هــــذه الدرجة، ولا ينبغي ان نصل الى درجة القطيعة، ولا ينبغي ان نكون سببا في تقسيم وتمزيق، ووضع حد نهائى لوجـــــود هذه المؤسسة التي رغم ملاحظاتنا تتوفر على رصيد تاريخي يمــــكن ان نشتغل به. الاخوان الذين كـــــانوا معي في الوفد، وهــــــم شهود، يحيى بن الوليد، واحمد شراك، وعبد الحكيم عنكر، ومبارك ربيع، ومحمد العربي المساري، يمكنهم ان يشهدوا على موقفنا. وقد كتب احد اعضاء الوفد يوميات حضورنا في الجزائر ونقل اصداء وردود الفعل التي كانت حول عنف وصلابة المواقف التي كنا نتخذها، حتى ان رئيس رابطة الكتاب الليبيين قال «ان رئيسكم لا يضحك»، ووصلنا في لحظة من اللحظات الى ان كتلة من روابط الاتحاد، ثمانية روابط حررت رسالة موقعة لتجديد انتخاب، الاخ علي عقلة عرسان، للمرة الثالثة، وكان القانون لايسمح بالتثليث بل التجديد لولاية واحدة فقط، فكنا اربعة اعضاء: اتحاد كتاب المغرب، رابطة الكتاب الاردنيين، اسرة الادباء في البحرين، اتحاد الكتاب الجزائريين، اربعة فقط في مواجهة ثمانية ندافع عن الشرعية وعن الديمقراطية. واضطررنا في النهاية لكي ألتمس من رئيس المؤتمر رفع الجلسة، لانني لا استطيع ان اواصل العمل في مؤتمر يخرق الشرعية ويزكي تصرفا غير مسؤول وغير قانوني. وفعلا، رفعت الجلسة، ودخل المؤتمر في لحظة مأزقية وبدأ الحوار مع الاقلية واصبح المؤتمر تحت رحمة الاقلية، بدأ التفاوض معنا ووضعنا امام خيار صعب. أمامنا ان نحمل الحقائب ونتصرف ونعتبر ان المؤتمر فشل وان الامور اصبحت امام افق التلاشي، وإما ان نصل الى حل مشترك متوافق عليه، فنحن الذين اقترحنا الحل الذي ينبغي ان يفتح افقا جديدا للعمل. اقترحنا أولا استحداث منصب رئيس للاتحاد العام، ونحن الذين اقترحنا الجزائر لتحمل المسؤولية لأنها البلد المضيف للمؤتمر، وايضا اقترحنا ان منصب الامين العام يظل لسورية، لكن شريطة ان تعطونا شخصا آخر يمثل سورية. وفي هذا الاتجاه اقترحت ان يصبح منصب الامين العام منصبا مديريا خصوصا وانه سيكون في مقر الاتحاد ويمثل دولة المقر سورية. وهكذا توصلنا الى هذا الحال، ووافق عليه المؤتمر بالإجماع.

* هل ما زال لمثل هذه المنظمات معنى؟ وما هي الأدوار التي يمكن ان تلعبها؟

ـ أهم شيء هو ان هذه المؤسسة ما زالت بإمكانها ان تتيح لنا فضاء لكي نلتقي على الاقل. المثقفون العرب لا يحاورون بعضهم البعض ولا ينصتون لبعضهم البعض. ثم على الاقل يمكن لهذه المؤسسة أن توحد التصورات والرؤى والمواقف للكتاب العرب بخصوص القضايا العربية المصيرية، صحيح ان هذا الاتحاد يعطي الانطباع احيانا بأنه اتحاد للمقاولين العرب وأكثر مما هو اتحاد للكتاب نظرا لإغراقه الشديد والمتطرف والمبالغ فيه في اولويات العمل السياسي على اولية العمل الثقافي. وقد قلنا هذا بكل وضوح في قلب المؤتمر في الجزائر 2003، قلت إذا مر بنا عابر ودخل علينا صدفة قاعة المؤتمر سيتصور ان الامر يتعلق بمؤتمر للمقاولين وليس بمؤتمر للكتاب. دعوا العمل السياسي المباشر للمؤسسات السياسية العربية، دعوا المواقف الحقوقية التفصيلية للمؤسسات الحقوقية العربية، ودعونا نحن نفكر في الوضع الاعتباري للكاتب العربي في التطورات التي تشهدها نظريات الادب وانواع الكتابة والفعل الفكري العميق بدل من ان نبتذل الكتابة والادب في حسابات سياسية ظرفية.

* وأنتم تغادرون رئاسة الاتحاد، يتداول الوسط الثقافي والصحافي عدة أسماء لخلافتكم، من الأوفر حظا لرئاسة الاتحاد في نظركم؟

ـ لا يحق لي ان أرشح أحدا فأنا عضو في المؤتمر وسأدلي بصوتي في عملية اقتراع سرية ولحد الساعة لم يعلن احد رسميا عن ترشيح نفسه لرئاسة الاتحاد او لعضوية المكتب المركزي او المجلس الاداري.

الأسماء متداولة في الصحافة والشهية مفتوحة. وبكل تأكيد فإن مؤتمر الاتحاد سيكون له الكلمة الحاسمة في اختيار الاشخاص. ما أتمناه هو ان نعثر على رئيس قادر على ان يحقق الإجماع من حوله وان يكون محاورا جيدا بالنسبة لكل مكونات الاتحاد، الفكرية والسياسية وان يكون مخاطبا جيدا ايضا لمختلف اجيال الاتحاد. وليس هنا من شك في ان الاتحاد قادر على اختيار قيادة جديدة قادرة على استيعاب تحولات المرحلة والإسهام في صناعة المستقبل.