اتحاد كتاب المغرب .. السياسة والثقافة

محمد العربي المساري

TT

كنت من بين أعضاء الوفد الذي عينه المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب قصد تمثيل المنظمة في المؤتمر العام لاتحاد الأدباء العرب في الجزائر في يناير (كانون الثاني) 2004. كنا خمسة أفراد رافقوا رئيس الاتحاد ورئيس الوفد الشاعر حسن نجمي. وكانت تلك فرصة أخرى لكي يظهر الاتحاد المغربي بميزة وسمته منذ ميلاده وهي التعددية والاستقلالية.

ومنذ الستينيات ونحن نقدم في المحافل العربية المماثلة، (المثال الآخر هو النقابة الوطنية للصحافة المغربية) نموذجا متميزا للعمل الجمعوي كما هو متعارف عليه في المغرب، أي نموذج لتنظيم تتعايش في حظيرته تيارات فكرية وسياسية متعددة، ويتخذ القرارات من خلال مؤسساته التي لا تعطي الحساب إلا للجمع العام للمنظمة. إذ لم يكن لنا في المغرب قط حزب وحيد يحتكر السلطة، ويوجه التنظيمات الشعبية في الوجهة التي يريدها. وكلما كان هناك مؤتمر بالخارج فإن ممثلي المغرب يذهبون إلي المطار من دون متطلبات أخرى غير جواز السفر والتأشيرة.

كنا خمسة أفراد، أي خمسة عطاءات وخمس إرادات، وخمسة عوالم متعايشة في حظيرة اتحاد كتاب المغرب. والتوجيه الذي كنا نعمل به هو الذي اتخذه المكتب المركزي لمنظمتنا والذي يسهر رئيس الاتحاد على تطبيقه.

مرة أخرى اصطدمنا في المؤتمر المذكور بأن قومنا لم يفهموا دلالات تركيبة الوفد المغربي. ومنذ اللحظات الأولى وجدنا أن الانشغالات الانتخابية هي التي تتصدر الاهتمام. ولمسنا كيف أن كل مجموعة من الوفود قد تمترست، كل منها في تكتل، بحسابات انتخابوية. وهناك من افترض أننا، لأننا وفد من المغرب، سنكون في خانة معينة من تلك التكتلات. ولعلهم فوجئوا بأن الوفد المغربي تقدم باقتراح إسناد الرئاسة للجزائر تكريما للبلد المضيف. وانقلبت بعض الحسابات من جراء ذلك.

وكما يحدث في غالب الأحيان فإن محفلا من هذا القبيل يتحول، بسبب سهولة الانزلاقات التي ينطوي عليها الخطاب السياسي العربي، إلي جامعة عربية مصغرة كل وفد فيه يغني على ليلاه. وكانت ليلى الوفد المغربي هي أن السياسة لها مجالاتها، وأننا اجتمعنا في الجزائر لنناقش أدب الطفل، والوضع الاعتباري للكاتب، وللقراءات الشعرية، ولتعزيز التعددية والاستقلالية لاتحادات الكتاب العرب.

وقد تكوَّن عندي على مر السنين نفور من الولوغ في القضايا السياسية في المحافل المهنية العربية بسبب أنها تأخذ منا الكثير من الوقت، وتخلق أوضاعا متمزقة، ليس فقط لأن تلك القضايا بطبيعتها تجر إلى الاحتداد في الجدل بل بسبب أن كل تنظيم يأتي إلى المحفل لتمرير مقولات حكومته أو الحزب الوحيد في بلده. وفي مرحلة من تاريخ اتحاد الصحافيين العرب ارتفع نداء يرمي إلي أن نمهِّن الاتحاد، كما قال النقيب ملحم كرم، بعد أن أسرفنا في تسييسه. ففي كل مرة نلتقي ونصدر توصيات طويلة عن الأوضاع العربية ونترك الأمور المهنية جانبا. ولأعد إلى اتحاد كتاب المغرب. إننا كأعضاء نمثل ذواتنا. نحن مجموعة من المبدعين. والإبداع مخاض فردي هو مثل الولادة أمر غير مشترك. الإبداع أيا كان مشربه لا يحدث بقرار، فلا يولد أدب بمرسوم. كل واحد منا أتى إلى الاتحاد بدافع ضم صوته إلى المجموعة. وإذا ما حدثت تقاطعات فلا يعني ذلك أننا هوياتنا الفردية تنمحي.

في المؤتمر الثاني لاتحاد كتاب المغرب في سنة 1968 كنا قد دبرنا انقلابا على الرئيس المؤسس المرحوم الدكتور محمد عزيز الحبابي، من أجل أن ننتقل بالاتحاد إلي خانة الاشتغال بالشأن العام، وبوأنا الأستاذ عبد الكريم غلاب في الرئاسة. وكان الدكتور الحبابي يرى أن الاتحاد يجب أن يضم في صفوفه ممثلي مختلف الحساسيات السياسية، ولكن من دون أن يكون ذيلا لحزب من الأحزاب.

وفي المؤتمرين الثاني والثالث كان النقاش محتدما حول مفهومي السياسة والتحزب. ووقع بعض الخلط. وحدثت تطورات في مسار الاتحاد أدت به في الأخير إلي إفراز خط عام متوافق عليه، قوامه الانشغال بالسياسة من دون أن يتحول الاتحاد إلي فصيل سياسي أو إلي جبهة لفصائل سياسية. واستقر الرأي على أن الاتحاد يجب ألا يكون غرفة صدى لهيئات سياسية، كما كان على الاتحاد أن يعترف بأن هناك مبدعين من حقهم ألا يكونوا منتمين سياسيا.

وكما يرفض أن يكون اتحاد الأدباء العرب ساحة لتمرير مقولات ومواقف الحكومات، فإن أفضل صيغة يمكن أن تسود في اتحاد كتاب المغرب هي الحفاظ علي سمة تمثل جوهره الأصيل وهي التعددية والاستقلالية. ولكي ينجح اتحادنا في هذا التمرين الدقيق عليه أن يعزز الهوية التي رافقته منذ الميلاد الأول. وقد حرص الرئيس نجمي على ضم كل الأصوات لربح المصداقية للاتحاد.

في نهاية الأمر لا مفر من الانشغال بالسياسة ولكن كما يراها المثقفون، بتعددية واستقلالية.

* وزير الإعلام الأسبق، وكاتب عام سابق لاتحاد كتاب المغرب