أحمد اليبوري: أستاذ الأجيال

TT

يعتبر أحمد اليبوري، أو«أستاذ الأجيال»، كما ينادونه في الأوساط الجامعية والثقافية، من بين أبرز الأسماء التي ساهمت، وما تزال، في بناء صورة المغرب الثقافي، وفي ترسيخها وتعزيزها داخل الجامعة المغربية وخارجها. يلقبونه، كذلك، في الأوساط الجامعية، بـ«مؤلف الرجال»، اعتبارا للدور الأساسي الذي لعبه الأستاذ أحمد اليبوري على امتداد حوالي أربعة عقود من التجربة والتوجيه والإشراف على الأطاريح والأبحاث الجامعية، حيث يعتبر أحمد اليبوري، في هذا الإطار، من بين أهم الأساتذة الذين يشهد لهم بالقيمة المعرفية والمعرفية الأصيلة والرصينة، تلك التي تجلت نتائجها اليوم في العديد من الأساتذة الجامعيين والنقاد والأدباء المغاربة، ممن أصبحوا اليوم يحتلون مواقع مهمة على مستوى مسؤولية التدريس والبحث الجامعي والمعرفي.

ولا يمكن، هنا، أن نفصل صورة أحمد اليبوري الإنسان عن قيمة إنتاجه الفكري النقدي، فكما تمكن من أن يغمرنا بإنسانيته ونبله وسعة صدره، استطاع كذلك، بصرامته وجديته وفكره الحر الواعي والمتجدد والرصين، أن يرسخ في الأجيال قيم الحداثة والبحث والمسؤولية والتفكير النقدي البناء، بشكل يجعلنا نعترف أنه داخل كل واحد منا أثر من اليبوري الإنسان والأستاذ.

وقد شكل انتاج أحمد اليبوري النقدي إلى اليوم مرجعا أساسيا للباحثين الجامعيين وغيرهم، في الداخل والخارج. كما أن أطروحته الرائدة عن «الفن القصصي في المغرب»، وتعتبر بالمناسبة أول بحث جامعي تتم مناقشته في الجامعة المغربية عام 1967 على مستوى البحث الأدبي، لا زالت تحقق المزيد من الامتداد المرجعي والمعرفي في الأبحاث والأطاريح الجامعية اللاحقة، كما في الدراسات النقدية والأدبية، بما يعني أن التفكير النقدي والتحليلي كما مارسه ويمارسه أحمد اليبوري في كتاباته وأبحاثه، هو تفكير له من الجدية والجدة ما يجعل منه مرجعا لا مناص منه لدارسي الآداب العربية عموما، وهو ما تعكسه كذلك أبحاثه النقدية والتحليلية اللاحقة.

وإذا كان أحمد اليبوري قد مر بتجربة رائدة مع الإدارة الجامعية في أصعب مراحلها ومحطاتها التأسيسية الصعبة، بما عكسته هذه التجربة على مستوى المواقف الوطنية للأستاذ اليبوري من إصلاح التعليم والجامعة، فإن تجربته مع رئاسة اتحاد كتاب المغرب كان لها، هي أيضا، طعم خاص ومتميز، هو الذي يعتبر رابع رئيس لاتحاد كتاب المغرب، بعد الراحل محمد عزيز الحبابي وعبد الكريم غلاب ومحمد برادة. لقد تمكن أحمد اليبوري من قيادة اتحاد كتاب المغرب مع هبوب رياح الثمانينيات، بما حملته من تغيير وانتقال في المسار السياسي والديمقراطي وتحول ثقافي في المغرب. غير أن الأستاذ أحمد اليبوري بقي وفيا على امتداد فترتي رئاسته للاتحاد، واللتين امتدتا من 1983 إلى 1989، لمبادئه الصادقة والنبيلة والصارمة في التسيير وفي النضال الثقافي، على الصعيدين الوطني والعربي، كما طبع المرحلة بجديته، وبانفتاحه على الأفق الثقافي الوطني والعربي.

فعلى امتداد فترة قيادته للاتحاد، تمكن أحمد اليبوري من استعادة الحوار مع رموز الثقافة الوطنية، على مستوى اللقاءات الثقافية والتكريمات التي خصهم بها اتحاد كتاب المغرب. كما تمكن الاتحاد من الاستمرار في تعميق جسور التواصل الثقافي والأدبي مع المشرق العربي، من خلال مجموعة من الندوات واللقاءات الثقافية والأدبية المؤثرة، نذكر من بينها على سبيل المثال ندوة «نجيب محفوظ والرواية العربية» وندوة «أسئلة الرواية العربية بالرباط».

وتميزت تلك المرحلة، كذلك، بالحضور القوي واللافت لصوت الأدباء الشباب داخل اتحاد كتاب المغرب، مما عبد الطريق للرؤساء التاليين للاتحاد ليولوا المزيد من الاهتمام والانتباه لهؤلاء المقبلين الجدد، بما حملوه معهم من أفكار وقيم وكتابات جديدة. لكنهم وجدوا في أحمد اليبوري أبا روحيا ورمزيا لهم، فبادلوه المحبة بالمحبة والاهتمام بحسن الظن. فكان أحمد اليبوري عبر ذلك كله خير من ساهم في نشر جو ديمقراطي داخل اتحاد كتاب المغرب. ويشهد كذلك لأحمد اليبوري بكونه من أهم المدافعين على النبوغ المغربي في الثقافة والفكر والأدب، فكتاباته وحواراته ومواقفه ومشاريعه تعكس هذا البعد الوطني في ثقافته ومبادئه، من دون أن نقصد بذلك انتصاره لأية شوفينية لا مفكر فيها على الإطلاق. فكما يحضر الأدب المغربي في محاضراته وفي أبحاثه النقدية، يحضر كذلك الأفق الثقافي والأدبي العربي، ممثلا باتجاهاته التأسيسية والحداثية، هو الذي يشهد له أيضا بفتحه أعين الباحثين المغاربة ومناهجهم على البحث في المراحل التأسيسية للأدب العربي في المغرب والمشرق والشام، وقد تمكنت بعض أبحاثه وتصوراته بالفعل من إعادة النظر في العديد من «المسلمات» و«الحقائق»..كما يعتبر كتابه المهم «دينامية النص الروائي» من أهم الكتب التحليلية حول الرواية المغربية، من حيث تمكنه من الكشف عن جوانب من الثراء الذي يميز الرواية المغربية، في مجموعة من نصوصها الأساسية، على مستوى العمق الذي تتميز به هذه التجربة السردية، على مستوى المضامين، كما على مستوى الأشكال والعلامات والدلالات وآفاق التأويل. تلك، إذن، جوانب فقط من شخصية أحمد اليبوري الإنسان والمثقف والمؤطر والمسؤول، فسعة شخصيته لن تسعفها العبارة أبداً.