نجمي: أغادر الاتحاد وقد أصبح مرصدا للثقافة المغربية الحديثة

TT

* كيف وجدتم الاتحاد ـ عندما انتخبت في نوفمبر (تشرين الثاني) 1998 على رأس اتحاد كتاب المغرب ، جئت بدون شك في مرحلة صعبة كان يجتازها الاتحاد. والواقع انني لم أكن غريبا عن الاتحاد. فقد كبرت فيه وتحملت مسؤولية في المكتب المركزي عندما كان على رأس الاتحاد الشاعر محمد الاشعري، وايضا لم تخالجني أية مشاعر مندهشة، بل كان الفضاء الداخلي للاتحاد اليفا بالنسبة لي، اعرف الوجوه والاسماء واتواصل مع مختلف الحساسيات والمرجعيات والاجيال. لكني ايضا، جئت بشعور صادق هو انني مطالب بالحرص على رصيد رمزي راكمته اجيال، ورواد من الكتاب والمبدعين الذين تحملوا المسؤولية منذ بداية الستينيات ، فكان علي ان اضمن كل عناصر الاستمرارية لكني في نفس الآن كنت واعيا بان عددا وافرا من الاصوات التي حصلت عليها داخل المؤتمر الرابع عشر كانت اصوات الاجيال الجديدة التي حاولت ان تعطي اشارة معينة في اتجاه التجديد وفتح الاتحاد على اسماء وتجارب واصوات صاعدة ، لذلك ، اشتغلت في ظل هذه المعادلة بين حركة لا بد ان نصونها وان نطورها وأفق يدعو الى التجديد والمراجعة. كنت سعيدا بانني كنت محاطا ببعض الاخوة والاصدقاء في المكتب المركزي من الذين يشتغلون بروح مقاتلة ويؤدون المهام بحرص على تاريخ الاتحاد ومصداقيته وصورته، إلا انني اكتشفت منذ البداية ان الآلة التنظيمية تكاد تكون معطلة في الاتحاد، كما ان هناك تصورا اداريا تقليديا كان علي ان اعيد فيه النظر، فسارعت الى اتخاذ بعض القرارات الصغيرة جدا، لكن حاسمة ومؤثرة وتكتسي رمزية مهنية، بدءا من تغيير علامة الاتحاد « LOGO» وأوراق المراسلات وألصقت في المقر الرئيسي بالرباط صور الرؤساء السابقين للاتحاد لأذكر نفسي باني وريث لجهد هؤلاء الناس وتضحياتهم الجسيمة خدمة للثقافة المغربية الحديثة وللادب المغربي المعاصر.

ولعل الصعوبات التي طبعت المرحلة ، ان المغرب السياسي كان يعيش تحولا بنيويا عميقا على مستوى العلاقة بين الدولة والمجتمع وانخراط القوى الوطنية والديمقراطية في التسيير الحكومي، فحاولت ان اوفق بين رهانات مطالب وحاجيات مؤسسة ثقافية وطنية لها استقلاليتها، وعليها ان تتخذ المسافة اللازمة تجاه السلطات العمومية في البلاد، هذه السلطات التي اصبح ضمن مكوناتها عدد من اعضاء الاتحاد وعدد من اصدقائي الشخصيين، بل وعدد من رفاقي في الافق السياسي المشترك.

وفي نفس الوقت حرصت على ان لا أعطي الانطباع لأي جهة بان الاتحاد هو نفسه الجمعية التي كانت تقف في خط المجابهة النارية المتجدرة ضد كل ما هو عمومي ورسمي في البلاد. واظن اني اعطيت الانطباع من سلوكي ومن خطابي ومن طبيعة الانشطة والفعاليات التي انجزتها بان اتحاد كتاب المغرب هو اتحاد لكل المغاربة ، هو اتحاد يخدم الثقافة المغربية والمثقفين المغاربة جميعا وليس خانة حزبية او اطارا يمكن ان يشتغل لحساب احد معين.

* كيف تركتم الاتحاد؟

بكل تواضع ، اغادر الاتحاد وقد اصبح مؤسسة وطنية وازنة. ويصح اليوم ان نقول بكل اقتناع وبكل مسؤولية بان اتحاد كتاب المغرب، اصبح بالقوة وبالفعل مرصدا للثقافة المغربية الحديثة. لم يعد احد في اي موقع من مواقع صناعة القرار سواء داخل الدولة او داخل المجتمع بامكانه ان يتجاهل اتحاد كتاب المغرب كصوت وكقوة اقتراحية وكمخاطب جيد قادر على التعبئة، قادر على ابتكار الافكار وعلى مد الجسور والتواصل وخلق الممكنات المنشودة في تدبير الشأن الثقافي في بلادنا.

ينبغي ان اشير في عجالة ، الى ان الاتحاد هو اليوم ممثل في عدد من المؤسسات الدستورية والوطنية مثل المجلس الاعلى للانعاش الوطني، والمجلس الاعلى للتعمير وعضو في المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، وعضو في لجنة قراءة الاعمال الدرامية في التلفزيون المغربي، وعضو في لجنة المصادقة على الكتاب المدرسي، وعضو في الامانة العامة للائتلاف المغربي للثقافة والفنون، وعضو في الجمعية المغربية لاخلاقيات مهنة الصحافة، وعضو في اللجنة المختصة في الاخلاقيات الاعلامية التي كانت قد دعت اليها النقابة الوطنية للصحافة المغربية، والاتحاد عضو ايضا في اللجنة الوطنية للتضام مع الشعبين، الفلسطيني، والعراقي، كما انه اصبح عضوا في الامانة العامة للاتحاد العام للادباء والكتاب العرب منذ المؤتمر الاخير الذي انعقد في ديسمبر (كانون الاول) 2003 في الجزائر. وقبل هذا وبعده، اصبحت للاتحاد شبكة قوية واسعة من الشراكات مع الجامعات والمؤسسات المنتخبة على المستوى الوطني والجهوي واصبح له شركاء في عدد من المؤسسات العمومية والشبه عمومية، والقطاع الخاص، واصبح الاتحاد ايضا اذا صح التعبير مستشارا ثقافيا لعدد من الجهات المعنية بالحقل الثقافي، يستشار في البرامج الثقافية، في المهرجانات الوطنية، يستشار حتى في اقتراح المبدعين والمفكرين في هذا الحدث الثقافي او ذاك. بل ويرجع اليه، حتى بخصوص عناوين وهواتف الكتاب والمفكرين المغاربة من جهات عربية واوروبية واميركية.

ينبغي ان لا ننسى وانا اغادر الاتحاد، ان مؤسستنا اصبحت لها شراكات جد متينة وقوية مع عدد من المؤسسات الادبية والثقافية البرتغالية، الاسبانية الفرنسية، الايطالية، اليونانية، البلجيكية، الهولندية، والسنغالية والاميركية. وهذا امر في ظني، لم يكن مسبوقا في تاريخ اتحاد كتاب المغرب. اغادر المسؤولية وانا جد مطمئن ان الاتحاد اصبح اكبر وأقوى مما كان عليه في الماضي. ولا ادعي لنفسي ان كل هذه الانفتاح والاتساع والرحابة والقوة يعود الفضل فيها لجهدي الشخصي، بل لقد كان كل هذا المنجز المتعدد الثري والمختلف والمتعدد الجبهات والمسالك تعبيرا عن عمل جماعي وجهد قائم على التضامن والتكامل واقتسام المسؤوليات والافكار والمقترحات. والحقيقة انني لم اتصرف طيلة الست سنوات التي كنت فيها على راس اتحاد كتاب المغرب بوصفي رئيسا للكتاب المغاربة، ابدا، كنت دائما اتصرف كرئيس لجمعية من جمعيات المجتمع المدني، لها اعرافها وتقاليدها في العمل الجماعي. واعتبرت نفسي دائما تلميذا للآخرين، انصت للجميع واتعلم من الجميع ولم اتخذ قرارا بمفردي، كل ما اتخذناه من قرارات صائبة او متعثرة، كنا نتخذها بعد حوار اخوي صادق منفتح وديمقراطي، لم اشعر احدا ابدا في المكتب المركزي او خارج المكتب من اعضاء الاتحاد بانني افضل منه او اكثر منه خبرة او تجربة او ما الى ذلك... حتى الاسفار الى الخارج التي كان يجب ان يحضر فيها رئيس الاتحاد كنت اعتذر عنها واكلف زميلا للقيام بذلك، حتى الكلمات البروتوكولية التي ينبغي تقليديا ان يلقيها رئيس الاتحاد في افتتاح المهرجانات او الندوات الفكرية او في بعض المؤتمرات التي يكون فيها الاتحاد ضيفا من الضيوف، كنت احرص ان أكون حاضرا في القاعة بينما يتناول الكلمة باسم اتحاد كتاب المغرب زميل او زميلة لي من اعضاء المكتب المركزي.

* كيف تريد أو تأمل أن يكون الاتحاد مستقبلا؟

ـ اريد ان يكون الاتحاد مؤسسة منفتحة ومفتوحة على كل كتاب وادباء ومفكري المغرب سواء منهم الذين ينتسبون الى الاجيال المؤسسة او الاجيال اللاحقة، سواء منهم الذين يكتبون باللغة العربية الكلاسيكية او باللغة العربية العامية او الامازيغية او باللغة الفرنسية او باي لغة من اللغات، آمل ان يظل فضاء الاتحاد الدافئ الطبيعي المفتوح، وحتى اذا تبلورت تجربة منبثقة عن سيرورة طبيعية في العمل الادبي والثقافي لدى جماعة من الكتاب فشكلوا جمعية او نقابة او مؤسسة تهتم بالكتابة وبالفكر، فانني اتصور ان على الاتحاد ان يظل حاضرا وحاضنا لكل هذه الفعاليات والخانات والدوائر المفترضة. ان اتحاد كتاب المغرب ليس ملكا شخصيا لاحد وليس خلية حزبية يمكن التحكم فيها وتسييرها عن بعد، انه اتحاد انبثق في نهاية 50 وبداية 60 من القرن العشرين ضمن تحول جوهري في الثقافة والكتابة الادبية بالمغرب، ولعب دورا اساسيا في تطوير وتطوير ابدالات الابداع الادبي والمفاهيم الفكرية الحديثة، واظن ان الاتحاد ما زال بامكانه ان يواصل مثل هذا الدور المشع، خصوصا وان الاجيال الجديدة عبرت عن انها تمتلك من القدرات الابداعية الخلاقة ما يؤهلها لكي تتسلم المشعل من الاجيال السابقة. ان الاتحاد مكسب من مكاسب المغرب الحديث وعلينا ان نصونه ونفتح امام المسالك في اتجاه المستقبل.