عبد الكريم غلاب: أتحسر على «كسكس الاربعاء» وحينما تم اختياري رئيسا للاتحاد كانت السلطة ضدي

قال لـ«الشرق الاوسط» إنه لم يبق للاتحاد ذلك الإشعاع الذي كان في الماضي.. ولم يعد اتحادا لكل الكتاب

TT

عن البداية والتأسيس يقول الكاتب المغربي عبد الكريم غلاب: «كانت النشأة والتأسيس بداية الستينيات، وكنت من مؤسسي اتحاد كتاب المغرب، كان المرحوم الدكتور عزيز الحبابي، صديقا لي، ومعرفة قديمة من مدينة فاس، حيث كنا نسكن في نفس الشارع، وكانت داره مقابلة لداري، وكنا كثيرا ما نقف ونتحدث بين منزلين، او داخل منزل احدنا، فنتحدث عن القضايا الثقافية خاصة، حيث هي التي كانت تهم الاستاذ الحبابي اكثر من القضايا السياسية، لم يكن له اهتمام بها. الحديث عن القضايا الثقافية جرتنا لفكرة اتحاد يجمع الكتاب والادباء والمثقفين. بدأت الفكرة هكذا، وللحقيقة والتاريخ، أؤكد ان المرحوم الحبابي هو صاحب الفكرة الاساسية، ولكن التقينا حولها واجتمعنا وبدأنا العمل بعدما انضم الينا بعض الاصدقاء الآخرين، اذكر منهم الاستاذ الصباغ، وكان معنا ايضا اصدقاء من الجزائر منهم مولود المعمري، وغيرهم من تواردوا على الاتحاد، من هنا وهناك، فاصبحنا كتلة مغربية او مغاربية، وفكرنا في انشاء اتحاد للكتاب المغاربة حيث لم تكن فكرة المغاربيين موجودة في ذلك الوقت، فابتدأ العمل، وانضم الى الاتحاد كل المثقفين والشعراء وأغلبهم كانوا شبابا في ذلك الوقت، ونشط الاتحاد نشاطا كبيرا ومهما جدا، ووفقنا في اتخاذ مقر له سمي انذاك «دار الفكر» وكان عبارة عن منزل قديم يوجد بالمقر الذي توجد به بناية وكالة المغرب العربي للأنباء الآن، وبدأنا العمل بوسائل بسيطة، اقول بسيطة لان وسائل العمل كانت قليلة جدا، ووزارة الثقافة كانت لا تقدم الا النزر القليل من المساعدات. وطبعا كانت الامكانيات المادية تقتصر على الاشتراكات وتبرعات الاصدقاء. وأؤكد لك، ان الاتحاد رغم امكانياته الضعيفة كان نشيطا وكانت انشطته مهمة خلال الستينيات، ولكن كانت فكرة الدكتور الحبابي رحمه الله، هي ان يكون الاتحاد قريبا من السلطة نظرا لضيق اليد ونظرا لرغبته في ان يضمن له مساعدة من الدولة، وهو ما يعني بالنسبة لنا، جعل الاتحاد مؤسسة لا أقول قريبة من السلطة ولكن ليست بعيدة عنها، وهذه من نقط الخلاف التي كانت بينه وبيننا نحن مجموعة من الكتاب الشباب المتحزبين خاصة الاتحاديين والاستقلاليين، كنا نرفض ان يكون هناك ولاية او سلطة او وصاية على الاتحاد. وهذا لم يكن ليمنعنا من ان نسير في عملنا وفي نشاطنا الثقافي سيرا حسنا، وأؤكد لك، ان الاتحاد كان ينظم تقريبا كل اسبوع او كل اسبوعين ندوة حول كتاب ما أو حول فكرة ما نطرحها للمناقشة ويحضرها الكثير من المثقفين المتعلمين واساتذة بطبيعة الحال.

وكنا ننظم اسبوعيا جلسة حوار الاصدقاء، كان الدكتور الحبابي يسميها «كسكس الاربعاء» وهذا كان بطبيعة الحال نوع من التنشيط للاتحاد. على كل حال، مدة رئاسة الحبابي انتهت وكان لا بد من ان نجمع مؤتمرا للكتاب وفي هذا المؤتمر حدث ما لم يكن في الحسبان، ذلك، ان الاتجاه الغالب، كان وراء تغيير الرئاسة واخترت انا لرئاسة الاتحاد خلفا للمرحوم الحبابي، ولكن السلطة كانت ضدي بالاخص، فبعثت ببعض المتعاملين معها ليحولوا من دون اختياري رئيسا للاتحاد، طبعا المهم ليس هو هذا الموضوع، ولكن المهم، هو الافكار التي اثيرت في ذلك المؤتمر، حيث طرحت افكار مهمة جدا، وكانت مؤثرة في الوسط الثقافي وشيئا ما ثورية وتقدمية اكثر، الشيء الذي كان يقلق احيانا الدكتور الحبابي، وهذا شيء طبيعي، طبيعي ان يكون هناك خلاف بين الاجيال وبين الافكار وبين هذه المجموعة وتلك، وبعد معركة كلامية وسط مؤتمر الاتحاد الذي عقد بمؤسسة مدارس محمد الخامس، في سنة 1964 فيما أعتقد، ووسط اجواء تميزت بالتوتر احيانا وبمشادات كلامية انتخبت رئيسا للاتحاد رغم العمل الذي قامت به السلطة.

اثناء رئاستي للاتحاد، حاولت ان يكون المكتب مكونا من مختلف الاتجاهات والاجيال، وان تكون حرية التفكير وحرية التعبير اساسا لهذا العمل، وهذا ما حدث بالفعل، حيث دأب الاتحاد على ان يستمر في نشاطه وفي مناقشته لبعض الافكار الاساسية من جهة، وبعض الكتب التي تصدر من جهة اخرى، وكذلك استدعى الاتحاد عددا من المثقفين والشعراء من خارج المغرب، سواء كانوا بالصدفة موجودين بالمغرب، أو لم يكونوا موجودين، ولكن، المهم، هو ان الاتحاد نظم لهم قراءات شعرية، وكان نشاط الاتحاد يتعدد ويتميز بالتنوع، حيث كنا نهتم بتنظيم ندوات وقراءات شعرية وايضا تقديم الاصدارات والكتب الجديدة. واعتقد انني نجحت في ان يستمر الاتحاد بأطره المتعددة الاتجاهات السياسية، هناك استقلاليون، وهناك اتحاديون، وهناك غير المنتمين، وكان الاقبال على الاتحاد قويا ومستمرا، ولكن، واجهتنا في الحقيقة بعض المشاكل، من الناحية المادية اساسا، حيث كان علينا ان ندفع اجرة المقر، وقد غادرنا المقر الاول وكان مجانا، والتزامات مادية اخرى، (تعويض الموظفين، فاتورات الهاتف..الخ). اقول ذلك لأؤكد انه من المحقق، ان الامكانيات المادية كانت تعوزنا لكن مع ذلك، كنا مستمرين في العمل، اظن انني في المرحلة الثانية هذه والتي تلت التأسيس، قضيت ثلاث ولايات، اي انتخبت ثلاث مرات، وكانت المؤتمرات دائما عادية والانتخابات نزيهة، ولم يكن هناك اي تأثير اداري او سلطوي، وكنت مسرورا بعملي في الاتحاد، وكان اخواني مسرورين كذلك بعملهم معي، فبعد الولاية الثالثة، قررت ان اترك مكاني لشباب آخرين من الشبان الجدد او المتجددين حتى يمكن للاتحاد ان يتغير شكلا وموضوعا، وهذا ما حدث بالفعل، حيث تركت مكان الرئاسة لمناضل اخر من المناضلين المثقفين، لكن ما حدث في هذا المؤتمر الذي تخليت فيه عن رئاسة الاتحاد، هو ان بعض المنتمين للاحزاب السياسية اخذوا القضية صراعا، ولم يكن الامر كذلك، بل كان القرار قرار مني اولا، ليس لاني فشلت في سير العمل، ولكن لان الاحتكار غير مستحب في مثل هذه المؤسسات خاصة الثقافية ولا السياسية ايضا، فاحتكار المناصب غير مستحب مطلقا، فكان هناك نوع من الصراع المكتوم، فالمؤتمر كان يضم عددا كبيرا من المنتسبين لبعض الاحزاب، غير ان الذين ارادو ان يجعلوا من المؤتمر صراعا لتغيير ما، وهو صراع على كل حال احادي الاتجاه، يعني انه ليس هناك من يصارع هؤلاء، ضموا الى الاتحاد الكثير من الطلبة والكثير من لا يحسنوا ان يكونوا اعضاء في الاتحاد، لانهم لم يقدموا بعد شيئا للثقافة او للفكر، لم ينتجوا ابداعا يؤهلهم للعضوية في هذه المؤسسة الثقافية.

ومع ذلك، قبلنا هذا الوضع وحضرنا المؤتمر وكان في الواقع مؤتمرا انفعاليا، حتى ان الذي ترأس المؤتمر كان يقوم بسلوك غير كريم، لانه اعتبر نفسه مصارعا ولكنها مصارعة في غير ميدان. وتخليت عن الاتحاد او بالاحرى عن رئاسة الاتحاد، ولكني بقيت بطبيعة الحال عضوا في الاتحاد، اناقش بعض الاصدارات او تناقش لي بعض اصداراتي، واسير مع الاخوة سيرا عاديا جدا، كأن شيئا لم يحدث، بحيث ان تركي للرئاسة لم يكن له اي اثر في نشاطي داخل الاتحاد. طبعا الزمن تغير وتولى الرئاسة الاستاذ برادة، ثم الاستاذ اليبوري، ثم الاستاذ محمد الاشعري...الخ.

المهم في كل هذه المراحل، كنت دائما مع الاتحاد اناصر الاتحاد، واعمل كل جهدي لكي يبقى ناجحا، لكن، بدأت في الواقع اتخلى نوعا ما عن النشاط داخل الاتحاد، وداخل مكتبه، وقليل ما احضر نشاطاته الثقافية بسبب اشغالي التي كثرت ولم يعد يتسع لي وقت لذلك.

الآن اعتقد ان اتحاد كتاب المغرب، لم يبق له ذلك الاشعاع الذي كان عنده في الستينيات، ولا أظن ان الشيخوخة ادركته، فالمثقفون كثروا وتزايد عدد الكتاب ومن الطبيعي ان يزداد قوة وشبابا، ولكن، في ملاحظاتي الخاصة، وهي ليست قدحا في الاتحاد، اعتبر انه فقد الكثير من إشعاعه ولم يعد اتحادا لكل الكتاب، بسبب ذلك، وفيما أعتقد وبصراحة، يعود لبعض الاخوة الاتحاديين الذي اعتبروه خلية من خلايا الاتحاد الاشتراكي، ولذلك، تخلى عنه الكثير من الكتاب ومن المثقفين، معتبرين انهم كانوا داخل الاتحاد ويعملون مع الاتحاد يوم كان لا يعتبر الحزبية اساسا لتنظيماته ولعمله، ولكن بعد ان تغير الوضع تخلوا عنه.

الآن يترأس الاتحاد الاستاذ حسن نجمي، وهو على كل حال شاب نشيط وشاعر مبدع وله غيرة على انجاح الاتحاد. واظن انه مرت عليه ولايتان، لكن وكما قلت لك، نشاط الاتحاد خلال هذه الفترة، كان محدود جدا ولكن الذي آمله هو ان يجدد الاتحاد نفسه مستقبلا، ليس من الضروري، ان يكون دائما رئيس الاتحاد، اتحادي النزعة السياسية، او الاتحاد خلية من خلايا حزب ما، وهذا ما كنا نسعى اليه، بشهادة من كانوا معي في المكتب، حيث كان بعضهم اتحاديون والبعض استقلاليون وبعضهم غير منتمي وكنا نسيّر اتحاد كتاب المغرب كمنظمة ثقافية بعيدة عن النشاط والعمل السياسي. آمل اذن، ان يتجدد الاتحاد بتجدد هياكله، وبتجدد اعماله وبانفتاحه على جميع المثقفين وتكوين مكتب مشترك يضم جميع المثقفين والكتاب من مختلف النزاعات السياسية او الثقافية، فهو، اتحاد وليس وحدة، اعتقد ان الاتحاد سينجح اذا غير منهجه وغير سلوك مكتبه الجديد.