فلسطين وجنوب لبنان.. تقاطعات وخيارات مشتركة

باحثون عرب يتحدثون عن مستقبل القدس وملامح المرحلة القامة ويستذكرون دروس المقاومة اللبنانية

TT

عن مؤسسة عبد الحميد شومان والمؤسسة العربية للدراسات والنشر صدر كتاب جديد بعنوان «فلسطين وجنوب لبنان معركة الاستقلال والتحرير» يشتمل على خمس عشرة محاضرة القيت في منتدى عبد الحميد شومان الثقافي خلال عامي 1999 ـ 2000 عالجت قضايا فلسطينية راهنة وركزت اربع منها على الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان وانعكاسات ذلك على الوضع الفلسطيني حاضرا ومستقبلا، ألقتها مجموعة من الخبراء والمختصين في الشؤون الفلسطينية واللبنانية.

ويرى الدكتور محمد علي الفرا، الذي راجع الكتاب وكتب مقدمته، أنه مرجع مهم لكل باحث يريد الانطلاق في بحثه من المواضيع الفلسطينية الراهنة، وهو في الوقت نفسه يفيد المسؤولين ومتخذي القرار في السلطة الفلسطينية لان ما ورد فيه تشخيص دقيق للقضايا المطروحة، فقد وسع هؤلاء الخبراء «مجال دراساتهم ولم يحصروا انفسهم في تسليط الاضواء على الحاضر ولكنهم انطلقوا منه ليستطلعوا المستقبل ويستشرفوا آفاقه وابعاده وعلى الرغم من تباين ارائهم واختلاف وجهات نظرهم وتنوع موضوعاتهم الا ان قواسم مشتركة قد جمعت بينهم لعل من ابرزها المنهجية العلمية التي انطلق معظمهم منها والتزموا بها في معالجاتهم لموضوعاتهم وهذا يعود الى خلفياتهم الاكاديمية وطبيعة تخصصاتهم العلمية».

يبدأ الكتاب بمحاضرة الدكتور علي الجرباوي وعنوانها: «فلسطين وتحديات المستقبل» وفيها يحدد خمسة تحديات هي: تحول السلام الى خيار استراتيجي واسقاط الخيارات الاخرى ووضع القدس والضفة والقطاع وتحولها جميعا الى اراض متنازع عليها بعد ان كانت ارضا محتلة وفقدان البعد الدولي في النزاع والصراع مع الاسرائيليين بعد الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة الاميركية والتفاوض غير المتكافئ الذي ادى الى سلسلة من التنازلات وتحول المستقبل الفلسطيني ليصبح رهينة المحددات والمتطلبات السياسية الاسرائيلية المحلية، اي ان القضية الفلسطينية اصبحت شأنا اسرائيليا داخليا.

وفي ضوء ذلك يطرح المحاضر خمسة تساؤلات اولها عن ماهية الخريطة الفلسطينية بعد مصادرة اسرائيل للاراضي التي احتلت في حرب يونيو (حزيران) عام 1967 واقامتها للعديد من المستوطنات على تلك الاراضي، فاذا كانت اتفاقية اوسلو قد اسقطت المطالبة بالاراضي التي احتلت عام 1948 فإن اسرائيل لا تريد الانسحاب من الاراضي التي احتلتها عام 1967.

ويتعلق السؤال الثاني بموعد اعلان الدولة الفلسطينية الذي اصبح يشكل ورطة يحاول الفلسطينيون البحث عن مخرج منها ربما عبر التوجه الى الاوروبيين. ويركز السؤال الثالث على المكان الذي تقوم عليه هذه الدولة التي لا يمانع الاسرائيليون في قيامها ويحددون مكانها في قطاع غزة بحيث لا تمتد سيادتها الى الضفة الغربية التي يرون بأن تتوزع الوظائف عليها بين طرفين او ثلاثة، فلسطينية واردنية واسرائيلية.

في السؤال الرابع يستفسر المحاضر عن طبيعة المرحلة المقبلة خاصة ان النظام الموجود حاليا يقوم على سلطة الفرد ويتسم بضعف نظام المؤسسات. اما السؤال الخامس فيتعلق بمضامين الدولة الفلسطينية القادمة ونظامها السياسي وشكل السلطات المكونة لها.

وفي المحاضرة الثانية وعنوانها: «الحال الفلسطيني والتحديات الاسرائيلية الراهنة» يقارن الدكتور ابراهيم ابو لغد حال الفلسطينيين اليوم بحالهم قبل النكبة والتشتت إذ يعيش قسم من الشعب الفلسطيني حاليا تحت الاحتلال الاسرائيلي والباقي يعيش في الشتات لا يجمعهم غير الانتماء الوطني والقومي ويواجهون غموض المستقبل.

ويتناول المحاضر المخطط الصهيوني منذ ايام «هرتزل» الذي صمم على اقامة دولة يهودية استيطانية ترتبط بالغرب، ودور بريطانيا في إنشاء دولة إسرائيل على ارض فلسطين، وقيام الجيش البريطاني بتحطيم البنية التحتية للشعب الفلسطيني.

ويطالب الدكتور ابو لغد باعادة قراءة صراعنا مع الاسرائيليين في ضوء الواقع بالاطلاع على ما يكتبه الاسرائيليون حاليا وبخاصة بعد حدوث تحول في تفكيرهم، اذ انهم ولاول مرة يقبلون بوجود الشعب الفلسطيني والتعايش معه ولكن بشروطهم الخاصة وعلى ان لا يتعارض ذلك مع مواصلة الاستيطان على الارض واخضاع البلد لهم.

ويختتم الدكتور ابو لغد محاضرته قائلا بأنه كان هناك قبل اوسلو اجماع على الثوابت الفلسطينية الا انه بعد ذلك تبدلت هذه الثوابت ولم يعد هناك اتفاق فلسطيني وانما هناك اتفاقات تنطلق من رؤى مختلفة وان اوسلو وصلت غايتها.

ويعرض فيصل الحسيني في محاضرته «القدس تحت الحصار» اوضاع القدس واحوال سكانها ومعاناة اهلها وجهود ابنائها واعمال لجانها وهيئاتها ومؤسساتها التي اقامها المقدسيون للتغلب على الحصار الذي فرضه الاسرائيليون عليهم وممارساتهم الرامية الى تهويد مدينتهم وابتلاع ارضهم وطردهم من مساكنهم بوسائل كثيرة منها قوانين سنتها اسرائيل لتحقيق تلك الاهداف والغايات.

وعلى الرغم من كل هذه الاجراءات الاسرائيلية فإنه بتمسك المقدسيين بمدينتهم وتشبثهم بأرضهم فقد تمكنوا من التغلب على عدد منها فأفشلوا مخطط تفريغ القدس من سكانها العرب الامر الذي رفع نسبة العرب في المدينة الى 28% في عام 1993 والى 33% في عام 1998، الا ان الاسرائيليين تمكنوا من اختراق الاحياء العربية واقاموا احزمة استيطانية حول القدس ولكن الفلسطينيين قاموا ببناء المزيد من المباني كرد على الحركة الاستيطانية الاسرائيلية.

ويرى الحسيني انه حين يتم بحث موضوع القدس في المفاوضات النهائية يجب ان لا يكون الطرح مقصورا على القدس الشرقية وحدها وانما ينبغي ان يشمل القدس بقسميها الغربي المحتل عام 1948 والشرقي الذي احتل عام 1967، فالفلسطينيون كانوا يملكون ما لا يقل عن 70% من القدس الغربية.

وآثر الدكتور اسعد عبد الرحمن ان يكون اكثر تحديدا «لأن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية في مطلع هذا القرن كثيرة ومعقدة ولا يمكن لشخص ان يوفيها حقها في محاضرة واحدة»، فركز في محاضرته على تحد واحد عده الاهم والاكبر ويتمثل في التحالف القائم بين الشطر المتصهين من الغرب من جهة واسرائيل والصهيونية من جهة ثانية.

وعن وصول العملية السلمية الى طريق مسدود بسبب التعنت الاسرائيلي تحدث غسان الخطيب عن ثلاث فرضيات اولاها ان عملية السلام فقدت ديناميكيتها، وثانيتها انها اصبحت غير قادرة على السير في تحقيق اهدافها المعلنة، وثالثتها ان عملية السلام لا تمت بصلة الى تلك المفاوضات الجارية حاليا.

أما الدكتور سمير عبد الله فانتقل إلى الاقتصاد، وتناول في محاضرته «التنمية الاقتصادية في فلسطين» العوامل الرئيسية التي اثرت على الاقتصاد الفلسطيني بعد اوسلو، وقد لخصها في ثلاثة هي: الارث المتراكم للاحتلال، والاتفاقات الفلسطينية ـ الاسرائيلية، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية.

ويتمثل العامل الاول بقاعدة انتاجية ضعيفة وبنية تحتية محطمة وتبعية اقتصادية لاسرائيل كرست معظمها الاتفاقات التي ابرمتها السلطة الفلسطينية مع اسرائيل التي واصلت عملية نهب موارد الاقتصاد الفلسطيني ومواصلة الاستيطان والتحكم في التجارة الخارجية والداخلية. ويرى المحاضر انه كان بامكان السلطة الفلسطينية استغلال صلاحياتها في عملية التنمية الاقتصادية والقانونية، ويأخذ عليها عدم تطوير قدرتها التخطيطية في المجالات التنموية وعدم نجاحها في كبح جماح التضخم في الجهاز الحكومي وكذلك عدم تمكنها من تخفيف العبء الضريبي فضلا عن عدم قدرتها على معالجة تداخل السلطات. وهو ينتقد أيضاً تدخلها في بعض القطاعات الاقتصادية مما اثر سلبيا على تلك القطاعات.

وتناول القسم الثاني من الكتاب احد ابرز المؤشرات المهمة في مسار الصراع العربي ـ الاسرائيلي والمتمثل في اندحار الجيش الاسرائيلي واجباره على الانسحاب من جنوب لبنان، فيشير الدكتور طلال عتريسي في محاضرته «ماذا حصل في جنوب لبنان» الى العوامل التي اجبرت اسرائيل على الانسحاب الذي كان مطلبا اجمع عليه الاسرائيليون بعد الخسائر البشرية الفادحة التي تكبدوها، ويحلل اسباب نجاح المقاومة اللبنانية ويحصرها في عوامل اربعة هي: العامل الديني، والقدرة على تحديد الاولويات، والدعم الاقليمي، وتمسك اللبنانيين بوطنهم وتشبتهم بأرضهم على الرغم من ظروفهم الصعبة.

ويرى الدكتور ساسين عساف في محاضرته «تحرير الجنوب اللبناني والوحدة الوطنية في لبنان» ان تحرير الجنوب اسقط مقولات المدرسة الانتدابية التي تريد ان يظل لبنان في دائرة التبعية الثقافية والسياسية الاجنبية وأحل محلها مقولات المدرسة الوطنية التي تؤمن بأن لبنان ملك لجميع سكانه على اختلاف انتماءاتهم الطائفية كما يؤكد عروبة لبنان وانتماءه القومي.

أما معن بشور فقال في محاضرته «الاثار العربية للاندحار الاسرائيلي من جنوب لبنان» ان من الخطأ تعميم نموذج ما حرفيا في الزمان والمكان الا انه في الظروف العربية الراهنة وما تشهده من ترد وانقسامات فإن احتمال تفاعل هذا الحدث (الانسحاب) في ظل الاوضاع العربية المتفجرة يمكن ان يطلق تداعيات ايجابية سياسيا ونضاليا.

اما المحاضرة الاخيرة في هذا الكتاب «لبنان والعالم بعد تحرير الجنوب» فقد حاول ان يستشرف فيها الدكتور عدنان السيد حسين وضع لبنان عالميا بعد ترسخ الوحدة الوطنية.

وقال بأن من المتوقع ان يساهم لبنان مع سورية ومصر والعراق والدول المغاربية بالتمهيد لاقامة مناطق تجارية حرة في عام 2010 وذلك تنفيذا لمقررات برشلونة المتعلقة بالتعاون الاوروبي ـ المتوسطي. وهو يرى بأن لبنان المتفتح عالميا منذ نشأته سيكون له دور بارز في تشجيع الحوار الحضاري الاسلامي ـ المسيحي.