هتلر: شخصية عبقرية.. أم نبات شيطاني

جون لوكاس يقارن بين أكثر من 100 سيرة بتفسير مختلف لظاهرة الدكتاتور الألماني

TT

يعتمد جون لوكاس في كتابه «تاريخ هتلر» أو «مؤرخو هتلر امام القضاء» على مقارنة اكثر من مائة ببليوغرافيا مع بعضها صدرت عن هتلر ابتداءً بالرواية الكلاسيكية عنه التي كتبها الصحافي الألماني المنفي كونراد هايدن عام 1936.

وفي الحقيقة لا تمثل هذه الكتب إلا نسبة ضئيلة من مجموع الكم الهائل من الكتب المتوفرة التي تناولت إما هتلر كشخص أو النازية بشكل عام.

ان خدمة «وايتاكرز» على سبيل المثال تقدر وجود ما يقرب من ستمائة كتاب حالياً تحمل عناوين مختلفة عن هتلر وستمائة كتاب آخر عن النازية. ان حجم مبيعات الكتب من هذين الموضوعين يظهر ان هذا الزخم سيستمر، هذا اضافة إلى ما تم دفعه من مبالغ طائلة لكل ما يتعلق بهتلر ابتداءً من خادمه مارتين بورمان وحتى فاتح رسائله.

وموضوع الكتابة عن هتلر لم ولن يكون موضوعاً يقتصر على الكتاب والصحافيين الألمان فقط وانما أصبح موضوعاً عالمياً أو بالاحرى تجارة عالمية يحتل فيها مركز الصدارة الكتاب الإنجليز والاميركان خاصة. وكانت الببليوغرافيات المبكرة مثل ببليوغرافيا آلان بولوك «من هو هتلر» قد اعتمدت كمصادر اساسية وهي تصور الدكتاتور النازي كشخصية نفعية لا يهمه من أمر سوى السلطة، وكرجل يحمل بعض القناعات الراسخة، وهو بذلك يختلف عن غيره.

وفي ما بعد اخذ المؤرخون ينظرون إلى هتلر من منظور مختلف تماماً، مشيرين إلى جملة من الادلة مثل كتابه «كفاحي»، أو مذكرات وزير اعلامه جوزيف غوبلز التي تشخص نزعاته المعادية للأجناس البشرية الاخرى وازدراءه للسلافيين واعتقاده باعادة تنظيم الجنس الالماني ومن ثم الاوروبي، وإيمانه بان المانيا بحاجة إلى احراز ما أصطلح عليه بـ «المجال الحيوي» في الشرق من خلال اخضاع الاتحاد السوفياتي عن طريق إحداث المجازر واستعباد مواطنيه.

ولعل لوكاس بكتابه هذا استطاع ان يفسر ظاهرة هتلر اكثر من اي شخص آخر سبقه إلى هذا الموضوع وان يكشف مواهبه وطبيعة هذه المواهب وحدودها. ويؤكد لوكاس ان الاشارة دائماً إلى هتلر باعتباره شخصية عبقرية ربما تكمن في قابليته غير الاعتيادية على ترجمة افكاره إلى افكار شعبية واستخدام هذه الافكار لغرض تغيير العالم. كذلك فانه يخالف ما يدعي بعض الذين تناولوه ووصفوه بانه «نبات شيطاني» وذلك لان هذه الفكرة الميتافيزيقية تبرئ الآخرين من مسؤولياتهم التاريخية.

وبتحليل دقيق ومقارن لشخصية هتلر يجد لوكاس بانه كان اقرب إلى القومية منه إلى العنصرية رغم انه كان متطرفاً في كليهما، وعدواً للثقافة والحضارة. اما في موقفه ازاء البرجوازية والارستقراطية والرأسمالية فيمكن اعتباره اشتراكياً. وعلى المستوى العسكري كان هتلر على خلاف قادته العسكريين ليس متفائلاً في امكانية الألمان على دحر الاتحاد السوفياتي، لكن موافقته استندت الى حالة نجاحه، في الهجوم فان تشرشل وروزفلت وحلفاءهما سوف يسلمون في الأخير بعجزهم عن عزله والحيلولة دون سيطرته على وسط اوروبا وسيضطرون إلى عقد اتفاقية سلام معه حسب شروطه.

مؤرخو هتلر أمام القضاء المؤلف: جون لوكاس الناشر: وايدنفلد، لندن 2001 =