ناشرون سعوديون يلجأون إلى المزادات للتخلص من الكتب بعد خسائر فادحة

TT

عرضت إحدى كبريات دور النشر والتوزيع السعودية أكثر من 40 ألف كتاب للبيع عبر المزاد بسعر التكلفة الذي يساوي عادة ربع سعر البيع في دلالة واضحة على حال الكتاب، وأوضاع مبيعاته التي تراجعت في الآونة الأخيرة بفعل عوامل عديدة من بينها زيادة تعامل القراء مع الوسائط الاتصالية الجديدة، وتحوّل كثير المؤلفين للبحث عن غاياتهم المعلوماتية باستخدام مواقع النشر الالكتروني مما أدى الى ضعف عوائد الكتاب بالنسبة للناشرين التقليديين والمؤلفين.

وتتوزع عناوين الكتب المعروضة للبيع بين الدينية، الثقافية العامة، المراجع الاكاديمية، السيَر والأعلام، الدواوين الشعرية، الجغرافيا، التاريخ، الفنون الكلاسيكية.

ويرجع المتابعون الحال السيئة التي يواجهها الكتاب في السعودية بوجه خاص إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والثقافية والمؤسساتية منها غياب الدور الداعم للمؤلفين والكُتاب لتجنيبهم تبعات الطباعة والنشر، ثم البيع بسعر يذهب النصيب الأكبر منه لشركات التوزيع، إن قبلت توزيعه.

بينما يرى البعض الآخر في انصراف الجيل الجديد عن القراءة والاطلاع سبباً واضحاً، وعنصراً رئيسياً في تراجع المبيعات حيث تتكدس آلاف الكتب في نقاط التوزيع دون التفات الشباب إليها، ويرى هؤلاء أن المؤسسة التربوية لم تفلح كثيراً في غرس عادة القراءة لدى الطلاب في سنوات التعليم العام، وهي حالة تنسحب على التعليم العالي على مستوى الذكور والإناث.

يذكر أن في السعودية أكثر من 20 ألف مدرسة للبنين والبنات، وعشرات الكليات تتوفر فيها المكتبات المدرسية وتمدها الجهات المعنية بمئات الاصدارات سنوياً في عملية ناهضة للتزويد والإنماء، لكن ذلك لا يواكبه وعي جيد من قبل الإدارات التعليمية والمعلمين بدور المكتبة ومعطياتها وبالتالي ضعف ارتباط الطلاب بالكتب وارتيادهم للمكتبة داخل المدرسة وخارجها.

ويلاحظ المتابع لشارع الثقافة السعودية تراجع حملات افتتاح المكتبات المتخصصة في بيع الكتب وتحول الكثير منها إلى بيع الأدوات المكتبية والقرطاسية في محاولة لتجاوز الخسائر التي منيت بها دور النشر والمكتبات جرَّاء الاخلاص لبيع الكتاب دون سواه.

ومع فشل دور النشر في القيام بدورها الحقيقي توقف كثير منها وبدأ جزء آخر في النشر بحذر باحثاً عن الكتاب المثير والجماهيري في ما تيسَّر من مناخ التسامح في منح أذونات الطباعة التي تقدمها وزارة الإعلام للطباعة، واختفت سلاسل تهامة الشهيرة وعرضت كميات كبيرة منها بسعر زهيد قبل سنوات رغم خدمتها الرفيعة للثقافة السعودية، وتنوع عناوينها، وتراجعت حركة الدار السعودية للنشر والتوزيع بعد عمر من العمل الحضاري الجيد، وركزت دار أخرى مثل المريخ على النشر الأكاديمي باعتباره أقل الأنواع مغامرة مع ضمان مردوده المالي.

لكن هذا الغياب لا يعني انقطاع حركة التأليف، ونضوب معطيات الفكر بشكل عام حيث دأبت مكتبة الملك فهد الوطنية على نشر سلسلة طويلة من العناوين على قدر جيد من دقة الاختيار والاقتراب من اهتمامات الباحثين في مجال الفكر المكتبي والمعلوماتي والثقافة السعودية، كما قدمت دارة الملك عبد العزيز، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية اصدارات عديدة كانت محل حفاوة المطلعين عليها لكنها لم تحظ بتوزيع جيد، واقتصر توزيعها على معارض الكتب الكبرى، أو عن طريق الإهداء.

وهدأت فجأة حركة توجه المثقفين الجدد إلى النشر عن طريق دور النشر العربية الكبرى حيث شكلّت هذه العملية فسحة مثالية لكثير من كُتاب النص الحديث لكنهم واجهوا مجموعة من العقبات من بينها غياب اصداراتهم عن القارئ الداخلي إلا قليلاً، وتعثر توزيعها بشكل كانوا يأملونه في الخارج.

وتعد مشكلة التوزيع من أهم العقبات التي اعترضت طريق الكتاب السعودي نظراً لمحدودية عدد الشركات العاملة في هذا المجال، وانصرافها لتوزيع الصحف والمجلات باخلاص لأنها شركات ربحية أنشأتها المؤسسات الصحافية، وإليها تعود رؤوس أموالها ومن الحتمي أن يكون ولاؤها الأول للمؤسسات الصحافية وإن جنت أحياناً على الكتاب، ولم تستفد دور النشر والأندية الثقافية من هذه التجربة لتأسيس شركة توزيع خاصة كانت احدى محاور لقاءات رؤساء الأندية السنوية، لكنها لم تر النور الى اليوم.