إشكالات المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الإنسانية

بسبب تشعب تجاوزات النظام السابق وامتدادها

TT

يناقش كتاب «المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الإنسانية في ضوء ضمانات المحاكمة المنصفة» لمحمود شريف بسيوني أستاذ القانون رئيس المعهد الدولي لحقوق الإنسان بجامعة دي بول بشيكاغو، والصادر حديثاً عن دار الشروق بالقاهرة، الأبعاد المحيطة بإصدار قانون المحكمة، مستعرضاً أحكامها بشيء من التفصيل، سارداً أهم المخالفات الجسيمة التي ارتكبها نظام حزب البعث العراقي السابق في حق الشعب العراقي بطوائفه المتعددة، وكذلك في حق الشعبين الكويتي والإيراني، وتصنيف تلك الجرائم وفقاً لأحكام القانون الدولي.

ويقسم بسيوني جرائم النظام العراقي السابق حسب طبيعتها التي اختلفت بين جرائم كان ضحاياها أبناء العراق أنفسهم وجرائم امتد نطاق أثرها لتتجاوز الحدود الإنسانية والجغرافية، مثل الجرائم المرتكبة أثناء الحرب ضد الجمهورية الإيرانية (سبتمبر 1980 ـ 1988) والحرب ضد الكويت (1990 ـ 1991).

ويشير بسيوني إلى أن جرائم النظام السابق ضد أهل العراق تمثلت في قيامه بقتل ما يربو على ثلاثمائة ألف عراقي بدون أي وجه حق ودون أي سند قانوني أو شرعي وهو عدد إذا ما قورن بعدد سكان العراق الإجمالي والذي يفوق 25 مليونا يظهر بوضوح حجم الجرائم التي تعرض لها هذا الشعب، وتعذيب واعتقال وتشريد واغتصاب عدد يستحيل تقديره نظراً لضخامة أعداد الضحايا طوال ثلاثة عقود، وإجراءات مصادرة الممتلكات وإسقاط الجنسية واستخدام الغازات السامة المحرمة دولياً بموجب بروتوكول جنيف لعام 1925 .

ويرصد بسيوني الجرائم التي ارتكبها النظام العراقي السابق في حق الدول المجاورة، مشيراً إلى أنها تمثلت في قتل وتعذيب وسوء معاملة أسرى الحرب بالمخالفة للحدود الدنيا التي تنص عليها المعاهدات الدولية، والامتناع عن تبادل الأسرى بعد انتهاء النزاعات المسلحة، ورفض الإدلاء بأية معلومات تتعلق بمصير هؤلاء الأسرى، وعدم التعاون مع الصليب الأحمر الدولي في هذا الصدد، واستخدام الغازات السامة ضد العسكريين والمدنيين على السواء في إيران. كما تميز الاعتداء ضد دولة الكويت بقيام قوات الاحتلال العراقي بأعمال سلب ونهب منظم للممتلكات العامة والخاصة على حد سواء، وكذلك على المستندات والوثائق بهدف محاولة طمس الهوية الكويتية، وتدمير آبار البترول الكويتية وما ترتب على ذلك من تدمير للبنية الطبيعية. ويشير الباحث إلى أن تنوع الجرائم وامتدادها إلى الصعيد الدولي دفع الباحثين إلى التفكير في إن آلية للمحاكمة يجب أن تتراوح بين تشكيل محكمة دولية بمعرفة مجلس الأمن ووفقاً لأحكام القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي على نفس نهج ما تم في كل من محكمتي رواندا ويوغوسلافيا السابقة، أو تشكيل محكمة وطنية بمعرفة السلطة الوطنية، قضاتها وطنيون بالاشتراك مع منظمة الأمم المتحدة أو تشكيل محكمة وطنية متخصصة.

وتهدف المحكمة، حسب الكتاب، إلى أغراض سياسية وإنسانية وتاريخية بغرض طي صفحة كئيبة في تاريخ العراق وترسيخ الواقع لدى رجل الشارع العراقي بأن نظام صدام وفلوله قد ولى بغير رجعة، وأن ما تبقى منه على قيد الحياة لن يعود مرة أخرى للساحة السياسية بعد قضائه فترة العقوبة التي سوف تحددها المحكمة له في السجون.

ويرى بسيوني أن قراءة النصوص الواردة في القانون والمتعلقة بالهيكل التنظيمي للمحكمة وطريقة تعيين القضاة تثيران العديد من الإشكالات المهمة من حيث تأثيرها على شرعية إجراءات المحاكمة، والتي يأتي في مقدمتها أن مجلس الحكم الانتقالي هو جهة سياسية وليست قضائية، هو الذي يقوم باختيار القضاة وتعيينهم وكذلك قضاة التحقيق وأعضاء هيئة الادعاء، وأن لمجلس الحكم وفقاً لما هو وارد في (البند الرابع من المادة رقم 4) أن يعين قضاة أجانب ضمن أعضاء هذه المحكمة ودونما أي قيد يتعلق بإتقان اللغة العربية أو الإلمام بها أو معرفة بالنظام القانوني العراقي، وأنه يجب على رئيس المحكمة أن يقوم بتعيين مستشارين أجانب بغض النظر عن جنسياتهم لتقديم الخدمات الاستشارية ولأداء دور رقابي على عمل قضاة المنصة وعلى قضاة التحقيق وأعضاء هيئة الادعاء، ولم يوضح القانون ما هي آليات أو نتائج هذا الدور الرقابي أو الاستشاري، كما جعل القانون عزل رئيس المحكمة من اختصاص مجلس الحكم، وهو ما يشكل إخلالاً جسيماً بضمانات عمل القاضي الذي يجب أن يكون محصناً ضد العزل، خاصة إذا كان من يملك تقريره هو السلطة التنفيذية.

ويلمح بسيوني إلى أنه بالتطرق إلى قواعد المحاكم يتبين أنها تجاوزت دور اللوائح التنفيذية في تناولها للعديد من الأحكام الموضوعية المتعلقة بالحريات العامة وضمانات العدالة وأحكام السلطة القضائية التي كان من المفترض تضمينها في نصوص قانونية أو الاستعانة بما هو موجود في التشريعات العراقية، وهي بذلك تكون أقرب لقانون تكميلي للقانون الأول مع عدم إصداره من قبل السلطة التشريعية المختصة، الأمر الذي يؤكد أنه قد تمت صياغة أحكام القانون بمعرفة مشرعين أجانب على غير دراية كافية بالتشريعات العراقية أو العربية، كما أننا نجد أن بعض القواعد جاءت مفسرة الماء بالماء، مثل القاعدة رقم 45 الخاصة بالمستشارين والمراقبين غير العراقيين، فلم تبين تلك القواعد مدى قانونية حضور هؤلاء الخبراء من المستشارين والمراقبين لإجراءات المداولة والتي يجب أن تحاط بالسرية لضمان عدم بطلان أحكام المحكمة.

* المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الإنسانية في ضوء ضمانات المحاكمة المنصفة

* المؤلف: محمود شريف بسيوني

* الناشر: «دار الشروق» القاهرة