الشاعر السوري سليمان توفيق: اللغة العربية الحديثة لم تستطع أن «تنشئ» فلسفة لعجزها عن البيان

يكتب شعره بالألمانية لأنها تمنحه «حرية كاملة في التعامل مع التابوهات»

TT

هاجر الشاعر السوري سليمان توفيق إلى ألمانيا وهو في الثامنة عشرة من عمره. وهو يكتب الآن بالألمانية «عن هموم وطنه وثقافته العربية الأم»، كما يقول. وهو يعد الآن لإصدار انطولوجيا عن الشعر العربي تضم 200 شاعر من مختلف البلدان العربية. هنا حوار معه عن تجربته الشعرية، وكتابته بلغة أخرى، وعلاقته بالثقافة العربية:

* كيف كانت بدايتك في ألمانيا؟

ـ منذ عام 1970 وأنا أعيش هناك. كان عمري وقتها 18عاما، وقد سافرت إلى ألمانيا من أجل الدراسة، وتعلمت اللغة الألمانية لكي أستطيع الاطلاع على المؤلفات الأدبية والفكرية. وقد ساعدتني هذه المعرفة باللغة الألمانية ، في الاطلاع على الأدب الألماني والفلسفة الحديثة.

* يقال ان اللغة الألمانية لغة فلسفة.. هل تعتقد أن هناك لغات أدبية وأخرى فلسفية؟

ـ اللغة الألمانية قادرة على التعبير المجرد، وهذا بالطبع ضروري للفلسفة، كما أنها قادرة بكلمة واحدة على التعبير عن معنى معين، بخلاف اللغة العربية التي نضطر معها إلى الشرح من أجل توضيح ما نتحدث عنه من موضوعات، وهذا ما يشكل أزمة اللغة العربية الحديثة التي لم تستطع ان تنشئ فلسفة عربية ، بسبب عدم قدرتها على البيان، وأنا لا أفهم ما يكتب من فلسفة باللغة العربية.

* كيف أفدت من معرفتك باللغة الألمانية؟

ـ حاولت تعريف القارئ بالأدب العربي الحديث، وقمت بترجمة عدد من النصوص القصصية والروائية للروائي نجيب محفوظ. كان الأدب العربي الحديث غير معروف في فترة السبعينيات، وعندما كنا نعرض على الناشرين بعضا من النصوص العربية كنا نلاحظ انهم لا يهتمون بها. وعندما حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل لم يكن أحد يعرفه، ثم ترجمت مختارات للشاعر السوري أدونيس. كان هذا منذ عشرين عاما، تعددت بعد ذلك ترجماتي.

* ما هي آخر هذه الترجمات؟

ـ منذ 14 شهرا أصدرت انطولوجيا للشعر العربي الحديث بيع منها 9 آلاف نسخة ، وهناك انطولوجيا للقصة النسائية العربية وزع منها حتى الان 24 الف نسخة.

* ونتاجك الشعري؟

ـ أصدرت حتى الان 6 دواوين شعر باللغة الألمانية وروايتين وكتابين حول النقد ، بالإضافة إلى مجموعة قصصية.

* لماذا تكتب بالألمانية رغم إجادتك العربية؟

ـ المبرر عندي كان عفويا، فكتابة أعمالي بالألمانية لم تكن نتيجة لقرار. لقد رأيت أن كتابة الشعر باللغة العربية ليست سهلة بالنسبة لي. هناك بساطة وتكثيف في اللغة الألمانية، ومفهوم الشعر فيها يعني الكثافة، وهذا ما جعلني اكتب بها. وهناك سبب آخر هو أنني أعيش في ألمانيا وأتكلم اللغة الألمانية في حياتي اليومية والشعر مرتبط بالحياة ، لذا صارت اللغة الأدبية بالنسبة لي هي الألمانية. أما اللغة العربية فأنا لا أتحدثها إلا مع أهلي أو عندما أسافر إلى سورية أو أي بلد عربي.

* من المعروف أن أي لغة لديها تابوهات خاصة بها.. كيف تتعامل مع تابوهات اللغة الألمانية؟

ـ تعلمت اللغة الألمانية بدون أن أتعلم أي شيء من محرماتها أو تابوهاتها الموجودة فيها، لذا تجدني أستطيع من دون أي مشكلة عاطفية أن أتصرف فيها كما أشاء، فأنا املك حرية كاملة في التعامل معها. وهذه الحرية تمكنني من «استباحتها»، وتجعلني أعمل ما أشاء ، بعكس علاقتي باللغة العربية التي تنطوي على الخوف والاحترام.

* كيف ينظر النقاد الألمان «لاستباحتك» لغتهم؟

ـ هناك نوع من الاهتمام بما اقدم من إبداعات وهم ينظرون لما أقوم به على انه شيء جديد يدخل إلى لغتهم، يعتبرونه إغناء وإثراء لها، فأنا لا اكتب شعري باللغة الألمانية كأي كاتب ألماني لأنني ما زلت أفكر بطريقتي الشرقية. ولذا تجدني أنقل بعض الصور والمعاني إلى الشعر الألماني، وأتعرض لموضوعات نابعة من فهمي لثقافتي الأم، مثلاً مشكلة الوحدة في أوروبا أو ألمانيا ينظر لها بشكل طبيعي فالإنسان هناك يعيش دائما بمفرده ، والإنسان الألماني لا يجد الراحة إلا عندما يخلد إلى نفسه، أما نحن العرب فنبالغ في «الحميمية والصحبة»، وقد أدخلت انا هذا الى اللغة الألمانية في محاولة للتقريب بين الثقافتين، إضافة إلى أن وجودي في ألمانيا جعلني اطلع على ثقافات العالم وانفتح عليها ولا توجد لدي مشكلة مع الثقافة الأوروبية، الحضارتان العربية والأوروبية تعيشان داخلي ولكل منهما تجليات في روحي.

* ما سبب لجوئك الى نشر انطولوجيات خاصة بالأدب العربي؟

ـ اقترحت على دور النشر في ألمانيا نشر مثل هذه الانطولوجيات، واهتموا بذلك على اساس انها تعطي عينة شاملة من الأدب العربي الحديث للقارئ الألماني. وهذا هو هدفي، أن أعرف بالكتاب العرب، مع تعريف جيد بكل كاتب وتجربته الأدبية. وقد شملت الانطولوجيات على نماذج من كل البلدان العربية، وهذا يتيح فرصة للكتاب العرب للانتشار. فالقارئ الألماني عندما يقرأ عملا لأديب أو شاعر عربي ويعجبه، سوف يبحث بعد ذلك عن عمل كامل له ليتعرف عليه اكثر. وقد أوردت في نهاية كل انطولوجيا قائمة بكل الكتب العربية المترجمة الى الألمانية حتى اسهل فرصة الحصول عليها، كما أرفقت كل انطولوجيا بدراسة مكثفة عن الشعر والقصة العربين وركزت على مراحل تطورهما وتاريخهما.

* كتابة الانطولوجيا تحتاج كثيرا من الجهد.. كيف توفر لديك ذلك؟

ـ الثقافة العربية والشعر العربي بداية يعيشان داخلي فأنا لم انقطع عن قراءة وترجمة الأدب العربي وقد قرأت مثلا وأنا اعد انطولوجيا الشعر العربي الحديث اكثر من 200 شاعر اخترت منهم 40 شاعرا فقط . أنا املك آلاف الكتب العربية. وعندما أزور أي بلد عربي أعود إلى ألمانيا محملا بالكثير من المؤلفات الحديثة وعندي علاقات متينة بالشعراء العرب. كنت أفتقد ذلك حتى منتصف الثمانينيات حيث لم يكن لدي اتصالات بهم إلا عن طريق البريد ، لكنني بعد ذلك حرصت على التعرف عليهم ودخلت في نقاشات معهم ونظمت الكثير من اللقاءات الأدبية في ألمانيا للأدب والشعر العربي الذي حملته معي في ألمانيا.

* أنت تكتب القصة أيضاً بالألمانية.. ـ في ألمانيا لا يوجد شاعر لا يكتب قصة أو رواية ، انهم يكتبون النثر إلى جانب الشعر، وأنا أحببت أن أروي شيئا معينا من حياتي لذلك اخترت الكتابة القصصية التي أتاحت لي كتابة الكثير من تاريخ طفولتي في سورية لم اكتب نثرا عن حياتي في المانيا. كل كتاباتي النثرية كانت عن فترة وجودي في سورية.

* لماذا لم تلجأ إلى العربية؟

ـ عندما تكتب عن تاريخك الشخصي بلغة أجنبية ، عن تراثك وطفولتك تشعر بحرية كاملة. أنا احتاج إلى مسافة لكي اكتب من دون أي عائق ، وقد وجدت نفسي اكتب تاريخي حتى أعود إلى جذوري، وبحيادية تجعلني اعرف نفسي من دون أي نوع من الوهم.

* لماذا ركزت على الـ 18 عاما في حين أن لديك عمرا وسنوات أطول في ألمانيا تزيد على الثلاثين عاما؟

ـ الإنسان عندما يكبر تنمو لديه رغبة للعودة إلى جذوره ، وهناك في هذه اللحظة يتلاقى منبعا الولادة والموت وقد أردت أن اكتب قصصا وأحداثا لا يعرفها القارئ الألماني ووجدت رغبة في نفسي لكتابة هذه الأشياء التي تختلف عما يعرفه الألمان ، وأنا أعتقد ان المرحلة الأولى هي هذه الأشياء التي تختلف عما يعرفه الألمان، وأنا اعتقد ان المرحلة الأولى في حياة الإنسان هي أهم مراحل حياته، وأعتقد ان الذاكرة في هذا الشأن لا يمكن أن تذوب مهما واجهت من رياح في الغربة. وقد مزجت في كتاباتي القصصية والروائية بين العقلانية التي تعلمتها من الغرب والروحانية التي تعيش في داخلي وهذا ما يعجب القارئ الألماني.

* من هم الشعراء الألمان الذين تأثرت بقراءتهم؟

ـ يعجبني هولدرلين الذي كان حداثياً في عصره، قبل مائتي عام، وقد جاءت أعماله بعيدة عن الرومانتيكية التي كانت سائدة في تلك الآونة. وهناك شاعر آخر هو جورج تراكل الذي مات شابا، وكانت كتاباته عميقة جدا وقد انتحر لأنه لم يعد يحتمل الحياة. أما بالنسبة للشعراء الحاليين، فأنا أحب غور فريد بن، وقصائده مليئة بالصور التي تضع الإنسان أمام صورته الحقيقية، وقد أثر هذا الشاعر في كل الشعراء الألمان. يعجبني أيضا شاعر روماني يكتب بالألمانية وقد عاش تجربة الاعتقال في معسكرات النازية وانتحر في نهر السين، كما يعجبني شاعر يدعى هانس ماغنوس انسسبرجر، وهناك راؤول شروت وهو شاعر شاب مهم جدا في ألمانيا.

* لكن ما هو المشروع الذي تعمل عليه الآن؟

ـ عندي مشروع عمل انطولوجيا موسعة عن الشعر الألماني الحديث باللغة العربية ، سوف تتضمن تعريفا بكل شاعر وقد انتهيت حتى الآن من 30 شاعرا وسوف أضيف اليها 20 آخرين واريد بها أن يتعرف القارئ العربي الى الشعر الألماني الحديث.