ترشيح سلماوي وغريب لرئاسته هل يوسّع وصاية وزارة الثقافة عليه؟

انتخابات اتحاد الكتاب المصري

TT

يبدو اتحاد الكتاب المصري بعد التداعي، الذي يعمه منذ عدة سنوات، وكأنه قشة في مهب الريح، أو جثة هامدة غاب عنها المشيعون، ولا أحد يمنحها حتى شهادة الوفاة الرسمية، فربما قد تلفت النظر إلى هذا الاتحاد، الذي ولد مهيضاً مقصوص الجناحين في عام 1975 بقانون لم تتوافر فيه الشفافية الكاملة، ولائحة ملتبسة في الكثير من بنودها، فرغت الاتحاد من مفهومه كنقابة ثقافية ترعى شؤون الكتاب والأدباء والشعراء، وتدافع عن حقوقهم وحريتهم في الإبداع والتعبير، وجعلته مجرد تجمع للكتاب يخضع لوصاية السلطة ممثلة في وزارة الثقافة.

أذكر أن الكثيرين من الكتاب والمثقفين فطنوا إلى هذه الولادة الملتبسة في حينها، وهاجوا وماجوا، لكنهم ـ وكعادتهم دائماً ـ استسلموا في النهاية لعجزهم عن تصحيحها، وانخرطوا تباعاً في الاتحاد المهيض بدعوى التغيير من الداخل، لكن الوضع ظل كما هو عليه، وأصبح الاتحاد مجرد لافتة ومبنى متصدع، لا يتوافر فيه حتى مكان يلتقي فيه الكتاب والشعراء، ولا يؤمن لهم أبسط حقوقهم الثقافية والاجتماعية.

حتى رياح التغيير التي قادها سعد الدين وهبة في عام 1997، تبخرت برحيله بعدما استطاع أن ينهي سيطرة ثروت أباظة وجماعته على مقدرات الاتحاد، وشرع في تغيير لائحته وتنمية موارده وتفعيل أنشطته، ليكون الاتحاد نافذة حقيقية تشد هموم الكتاب والمثقفين، وليتحولوا من ثم إلى قوة ينظر إليها بعين الاعتبار في كل ما يخص الشأن الثقافي المصري.. لم يستطع رفاق وهبة أن يستثمروا كل هذا ويبنوا عليه، فسرعان ما انقسموا على أنفسهم، ورجع الاتحاد القهقرى، واستطاعت عناصر طفيلية من أنصاف الكتاب، بل عديمي الموهبة التسلل إلى مجلس إدارة الاتحاد، ليتحول هذا المجلس إلى «ملطشة» للمكائد والحروب الصغيرة، واللهاث وراء المنافع الشخصية، حتى وصل الأمر إلى رفع أحد أعضاء المجلس دعوى قضائية حصل بموجبها على حكم بالحبس ضد زميلين له بالمجلس بتهمة السب والقذف. بينما كان من الممكن تصفية ذلك في إطار لائحة الاتحاد نفسه. وفاقمت القيادات النمطية الرخوة التي تولت رئاسة الاتحاد خلال تلك الفترة هذا الوضع، حيث اكتفت بالجلوس على الكرسي، وإصدار التصريحات والبيانات المناسباتية الهزيلة التي لا تغني ولا تسمن جوع، من دون التفات حقيقي إلى السوس الذي ينخر في عظام إدارته، وهو ما دفع بعض أعضائه الجادين إلى تقديم استقالتهم من عضوية المجلس صوناً لكرامتهم الأدبية أمام أنفسهم، وأمام زملائهم من الأدباء والشعراء.

الآن وفي ظل هذا المشهد وأمام جثة الاتحاد الهامدة يتحلق 83 عضواً من أعضائه يتصارعون على الفوز بمنصب مجلس الإدارة في انتخابات التجديد النصفي للمجلس المكون من 30 عضواً والتي يشهدها يوم الخامس والعشرين من هذا الشهر، وسوف تتسع مفارقات المشهد نفسه حين يجتمع المجلس الجديد بعد اكتمال نصابه القانوني لانتخاب رئيس الاتحاد ونائبه والسكرتير العام وأمين الصندوق، بعد رحيل رئيسه السابق فاروق خورشيد، والذي لم تمكنه ظروف مرضه من مواجهة مشاكل الاتحاد.

وفي المشهد نفسه يتصارع نحو خمسة أعضاء على منصب الرئيس، بينهما وجهان من قيادات وزارة الثقافة يبرزان في الصورة للمرة الأولى هما: محمد سلماوي، وسمير غريب، وثلاثة آخرون من أعضاء الاتحاد المخضرمين هم: عبد العال الحمامصي، ومحمد السيد عيد، ومحفوظ عبد الرحمن. ومع احترامي لكل هؤلاء إلا أنهم جميعاً لا يصلحون ـ في تصوري ـ لقيادة الاتحاد في هذه الفترة الحرجة التي يحتاج فيها إلى ابتعاثه مناخ الموات، الذي أصبح يهيمن على كل مفرداته. صحيح أن لمعظم هؤلاء تجارب وخبرات في العمل الثقافي العام، لكنها تجارب وخبرات لم تثمر شيئاً مميزاً وفارقاً، بقدر ما ظلت موضع تساؤلات وانتقادات، ناهيك عن أن ذهاب الرئاسة إلى محمد سلماوي، أو سمير غريب سيحمل في طياته خوفاً من أن تتسع دائرة وصاية وزارة الثقافة على الاتحاد، وربما يحوله ـ كما يلمح بعض الكتاب ـ إلى إدارة تابعة للوزارة. وهي الوزارة نفسها التي ترفض أن تمنح الاتحاد مقراً يليق به، أو تحث مؤسسات النشر بها على دفع حقوق الاتحاد المالية لديها، والتي نصت عليها لائحته وهي (نسبة من كتب الإنتاج الفكري التي سقط عنها حق المؤلف، ونسبة أخرى من كتب المؤلفين). واكتفت بأن تمن عليه من حين لآخر بمبلغ تافه من صندوق التنمية الثقافية، لا يعادل واحداً على الألف، مما تنفقه على ميزانية مهرجان واحد من مهرجاناتها الثقافية السقيمة.

أما بالنسبة للمرشحين الثلاثة المخضرمين، فقد أثبتت تجاربهم مع الاتحاد فشلاً ذريعاً على مدى سنوات طويلة، بل إن بعضهم صار يحرص على موقعه بالاتحاد من باب الوجاهة الاجتماعية، وستر التكلس الإبداعي الذي وصل إليه.. وهل يصلح لرئاسة الاتحاد شخص اعتصم بباب إحدى الجوائز وهدد بالانتحار إن لم تعط له(؟!).

لقد دفع هذا المشهد المعتم الكثير من الكتاب والشعراء والمثقفين الحقيقيين، إلى عدم الالتفات إلى الاتحاد والترفع عنه، يأساً من محاولات إصلاحه، بخاصة أنهم لا يجيدون لعبة التربيطات الانتخابية، والتي أصبحت البوابة الأساسية لتسلل أنصاف الكتاب والشعراء إلى مجلس إدارة الاتحاد ونجاحهم في الهيمنة عليه لفترات عديدة. ومن ثم هل ينجح هذا المجلس بتركيبته الجديدة في استعادة هؤلاء الكتاب إلى الاتحاد، وحفزهم على المشاركة في خطط وبرامج إصلاحه بما يملكون من خبرة ورؤى متجددة ومقدرة على إعادة القراءة والنظر والتحليل.

إن الحقيقة المؤسفة إن عدداً كبيراً من هؤلاء المتصارعين على المجلس، ليس لهم علاقة بالكتابة ـ في رأيي ـ وربما دخل معظمهم الاتحاد من باب المجاملة والمحاباة، وتوسيع دائرة التربيطات لصالح أعضاء بعينهم، مستندين في ذلك إلى معيار الاستيفاء الكمي لشروط العضوية، وهو معيار أتصور أنه في حاجة ماسة لإعادة النظر، واعتبار معيار الكيف هو الأساس، كعتبة أولى لإصلاح الاتحاد، وحتى لا يصبح من حق كل من هب ودب، وطبع كتابين تافهين على نفقته الخاصة، أو بطرق أخرى أن يصبح عضواً في الاتحاد. وهذه الخطوة من شأنها ـ في تصوري ـ أن ترسخ للاتحاد قيمة التميز والخصوصية، التي أصبح يفتقدها بخاصة في معظم أعضائه، الذين جاوزوا الألف عضو.

تترادف مع هذه الخطوة، خطوة أخرى لا تقل أهمية، وهي تغيير نظام اختيار رئيس الاتحاد ونائبه وسكرتيره العام وأمين الصندوق، ليكون بالاقتراع الحر المباشر من الجمعية العمومية، وليس من مجلس إدارة الاتحاد. وهذا من شأنه أن يوسع قاعدة المشاركة ومبدأ حرية الاختيار أمام الأعضاء، كما يرسخ جواً من الثقة بينهم وبين الاتحاد، ويحجّم في الوقت نفسه التحزب والاحتراب، الذي يعاني منه المجلس، وتأتي هاتان الخطوتان في إطار خطة شاملة لإصلاح وتغيير أوضاع الاتحاد، تأخذ في اعتبارها الشق القانوني، وتعديل لائحة الاتحاد بما يضمن عدم وصاية وزارة الثقافة عليه، وتفعيل دوره كنقابة مهنية لها وعليها نفس حقوق وواجبات النقابات المهنية في مصر. ثم تكوين لجنة مختصة من أعضاء الاتحاد، يكون عملها تحصيل استحقاقات الاتحاد المالية المتراكمة لدى الهيئات والمؤسسات الثقافية، وإنهاء ما يعترض وصولها إلى الاتحاد بشكل منتظم. وأيضاً وضع تصوراتها لتنمية موارد الاتحاد. وتتضمن خطة الإصلاح برنامجاً ثقافياً متنوع الرؤى والأبعاد مفتوحاً على قضايا الواقع الثقافي في مصر والعالم، لاستعادة مكانة الاتحاد الثقافية، ويشمل هذا البرنامج إصدار مجلة ثقافية محترمة للاتحاد، وإقامة مؤتمر ثقافي بشكل سنوي له. وتضع الخطة كذلك تصوراً للنهوض بالشق الاجتماعي للاتحاد بخاصة الرعاية الصحية والاجتماعية للأعضاء، والتي وصلت إلى حد متدن، بل تكاد تكون معدومة.. ولكي تتوافر لهذه الخطة مصداقية ما، أرى أنه يجب أن تدعى إلى مناقشتها الجمعية العمومية للاتحاد لسد وتعزيز مناطق السلب والإيجاب فيها.

ويبقى كل هذا مرهوناً بمجلس إدارة قوي، يشد بعضه بعضاً في تآزر حقيقي، ويضع مصلحة الاتحاد فوق أي اعتبار.