كتاب مغربي يؤرخ للمنشورات المغربية لكنه مليء بالأخطاء

TT

يحتوي كتاب «المنشورات المغربية» للطيفة الكندوز على 1343 عنوانا مرقما من 1 إلى 1343 ومقسما على عشرة مواضيع مختلفة ومرتبا حسب نظام ديوي العشري وان كل موضوع منظم حسب الترتيب الألفبائي بشكل مستقل ، ويلي هذا كله فهرسان أحدهما للعناوين والآخر للمؤلفين. ومن فوائد الكتاب عثور صاحبته على عدد من المطبوعات الحجرية (حوالي 12 عنوانا) تقدم لأول مرة ، وهذا أمر مهم بالنسبة للضبط الببليوغرافي للمطبوعات العربية في المغرب بصورة عامة. والفائدة الثانية هي قيام المؤلفة بتقديم ملخصات في بضعة اسطر حول موضوع كل كتاب مع بيان أماكن وجود أغلب الكتب حسب الامكان. ويبدو ان الخزانتين الحسنية والعامة في مدينة الرباط تحتويان على القسم الاعظم من الكتب المسجلة في «المنشورات المغربية». أما الفائدة الثالثة للكتاب فإنه مطبوع بحروف جيدة وواضحة فيها رحمة وشفقة على المسنين من القراء الذين يكثرون النظر في الكتب. هذا وعلى الرغم من فوائد الكتاب المذكورة أعلاه فإنه مملوء بالأخطاء والمشاكل العديدة المتشعبة التي تقلل كثيرا من جديته وأهميته كأحدث مصدر في موضوعه. وفيما يلي سأعالج مشاكل الكتاب المتعلقة بفكرة تأليفه ومنهجه ونظامه ومحتواه الكمي والكيفي ومصادره ، موردا أمثلة هي على سبيل البرهان من دون الحصر.

* فكرة الكتاب ومحتواه الكمي

* نفهم من مقدمة كتاب لطيفة الكندوز ان الغاية التي دفعتها الى التأليف هي اكمال النقص الموجود في الفهارس الاخرى وعلى الاخص كتاب «معجم المطبوعات المغربية» للادريسي ثم كتاب «المطبوعات الحجرية في المغرب» لفوزي عبد الرزاق، اذ ان الأول يحتوي على 1002 عنوان من الطبعات الحجرية والحروف، بينما لا يشتمل الكتاب الثاني إلا على 463 عنوانا من المطبوعات الحجرية فقط ، في حين ان كتابها يقدم 680 عنوانا من المطبوعات الحجرية بمعنى أن ما لديها من هذا الصنف يزيد على ما في الكتاب الأخير بـ 217 عنوانا. نقول إن ادعاء الكندوز اعلاه غير صادق خاصة في ما يتعلق بكتاب «المطبوعات الحجرية في المغرب»، لأن العدد الصحيح الوارد في هذا الكتاب يزيد على 700عنوان، فإذا راجعت الكندوز كتاب «المطبوعات الحجرية» بدقة لوجدت فيه 584 كتابا وان عددا محترما من هذه الكتب يشتمل على عنوانين أو أكثر، مثل كتب الشروح والحواشي والمجاميع المتعددة. وقامت الكندوز بإحصاء خاطئ للكم الموجود في كتاب غيرها لكي ترفع من شأن كتابها وتبرر قيامها بتكرار عمل معمول.

ومن جهة ثانية جاء عملها مشحونا بالأخطاء، منها تكرار نفس العناوين الواردة في كتابها أكثر من مرة تحت أرقام جديدة. فعلى سبيل المثال نجد كتاب: نور اليقين في بعض مزايا سيد المتقين وبهامشه: مفتاح الخير والرحمة لمؤلفهما ابن المؤقت المراكشي مسجلا تحت الرقمين 584 و 578 ومكررا بصورة مشوهة تحت الرقمين 557 و1325 كـ «روح اليقين..» و«مفاتيح الخير والرحمة». كذلك نجد كتاب «الشروح الأربعة للأربعين النووية» وهو كتاب واحد كرر اربع مرات ، والاسوأ من هذا كله نجد «المصحف الشريف» مكررا إحدى عشرة مرة وكأنه أكثر من كتاب واحد. ومعنى هذا أن هذه الكتب الثلاثة بعناوينها الاربعة أصبحت تسعة عشر عنوانا في حساب المؤلفة المبالغ فيه.

* في النظام العشري للكتاب

* ومن هفوات كتاب «المنشورات المغربية» اتباعه نظام ديوي العشري لسببين هما: أولاً ان المؤلفة لم تحسن استعمال هذا النظام الذي يتطلب معرفة دقيقة بموضوع كل كتاب، فهناك عدد من العناوين كـ «النرجسة العنبرية في الصلاة على خير البرية» لإبراهيم الرياحي التونسي (الرقم 956) مبوب في قسم الأدب ، بينما نجد كتاب ضوء الظلام في مدح خير الأنام لسكيرج (الرقم 565) مبوبا في قسم الدين ثم نجد مجموعة من الأدعية للشيخ ماء العينين مبوبة تحت باب جديد سمته المؤلفة «مطبوعات ذات مواضيع متنوعة» وكان من الضروري تصنيف جل هذه العناوين في باب الدين والتصوف.

والسبب الثاني في ضعف نظام ديوي العشري هو عدم صلاحيته للمطبوعات الحجرية التي هي أقرب إلى المخطوطات منها إلى المطبوعات ذات المواضيع العصرية التي أنشئ نظام ديوي من أجلها. وخير مثال على ذلك هو ان التلميذ أو الباحث حين يبحث عن مادة القانون في نظام ديوي فإنه لا يجد عنوانا واحدا يخص الفترة السابقة لنظام الحماية في المغرب بينما يجد الكتب القانونية كلها في الفترة الواقعة تحت الحماية الفرنسية فهل كان المغرب حقا بلدا بلا قوانين قبل فترة الحماية؟ وهذا أمر مجحف بحق المغرب وتاريخه ذلك لان نظام ديوي لا يعترف بالكتب الشرعية الإسلامية كقانون.

* الوصف الببليوغرافي لمواد الكتاب

* ومعنى الوصف الببليوغرافي لأي كتاب هو تسجيل معلومات أساسية عنه تكون مفتاحا أو مفاتيح تساعد القارئ أو الباحث للوصول إلى غايته بصورة مباشرة من دون عناء، فالمفتاح الأساسي لكل كتاب هو اسم المؤلف أولا يليه عنوان الكتاب كاملا ثم الموضوع. ومن المميزات الأخرى التي تساعد على التفريق بين كتاب وكتاب هو نوع الطبع، كالطبعة الأولى والثانية أو المزيدة والمنقحة ثم مكان النشر أو الطبع، يلي ذلك اسم الناشر او الطابع مع بيان سنة النشر او الطبع وعدد الصفحات والقياس وذكر وجود الرسوم والخرائط وكون الكتاب جزءا من الاجزاء او قسما من سلسلة مستمرة. فبعد ان يختار المفهرس نظاما معينا للترتيب الببليوغرافي يعتمد على الاحالات الضرورية للربط بين الكتاب الواحد ذي العناوين المتعددة او الاسماء المعروفة للكتاب الواحد او للربط بين الاسماء المتعددة للمؤلف الواحد. فمن المؤلفين من يعرف بكنيته ومنهم من يعرف بلقبه ومنهم من يعرف باسمه الاول. وعلى هذا الاساس يعمل المفهرس في تثبيت اسماء المؤلفين تحت صيغة معروفة مستعملا المصادر المعروفة ونظاما صارما غايته الوصول الى المؤلف او العنوان المطلوب بأقصر وقت ممكن.

وعلى ضوء ما تقدم نجد اشكالات عديدة في كتاب الكندوز فمن الاشكالات المتعلقة بالعناوين نجدها تبتر العناوين لتستعمل النصف الاول منها كعنوان للكتاب. بينما تستعمل النصف المبتور منه في وصف او بيان موضوع الكتاب وكان من الاحسن اثبات العنوان كاملا حسب الاصول لفائدته في بيان مادة الكتاب.

وبالاضافة الى بتر العناوين نجد المؤلفة تصنع العناوين لعدد من الكتب. والمفهرس مخول بصنع العناوين او اثباتها نقلا من المصادر الموثوقة والمعروفة. ومن المفروض في هذه الحالات وضع العنوان المصطنع او المنقول من مصدر معروف بين معقوفتين ( ) للرمز الى العنوان كونه مصطنعا او منقولا من مصادر اخرى او من غير صفحة العنوان مع استعمال الاحالات الضرورية للربط بين الاسماء المختلفة للكتاب الواحد ان وجدت.

ومن امثلة هذا النوع من المشاكل كتاب «الوثائق الفاسية» (الرقم 419)، حيث يعرف هذا الكتاب بـ «وثائق بعض الفاسيين» فالربط بين العنوانين كان واجبا. والمثال الآخر هو (الرقم 435) والمسجل تحت عنوان «أوراد واحزاب» والعنوان الصحيح لهذا الكتاب هو «ورد القطب الأكبر.. عبد الله العلمي اليملاحي الوزاني...». والاشكال الثالث المتعلق بالعناوين هو تذبذب المؤلفة في اثبات كلمة «كتاب» او اسقاطها اذا بدأ العنوان بها. ومثال هذا متوفر في الصفحتين 536 و537 ، حيث نجد المؤلفة تثبت كلمة كتاب كجزء من العنوان بحق او من دونه بينما نجدها تحذف الكلمة في الارقام 520 و532 و1096 وهناك اضطرابات اخرى عديدة في الترتيب الابجدي والخلط بين الظاء والطاء بتقديم الاول على الثاني (ص 528 ـ 529) الذي يدفع المرء الى الاعتقاد بأن كتاب «المنشورات المغربية» محرر من دون مراجعة مع قلة خبرة في العمل الببليوغرافي.

وبالنسبة الى المشاكل المتعلقة بالمؤلفين هناك نوعان اساسيان هما، اولا، نسبة بعض الكتب الى غير مؤلفيها ككتاب «ارشاد المتعلم وتنبيه المعلم» (الرقم 1234) المنسوب الى محمد بن سلامة القضاعي بدلا من مؤلفه الحقيقي علي بن محمد القلصادي، والمثال الآخر هو كتاب «تنبيه معاشر المريدين على كونهم لاصناف الصحابة تابعين» المنسوب الى محمد مصطفى ماء العينين بدلا من محمد الغيث بن محمد مصطفى ماء العينين.

والاشكال الاساسي الثاني المتعلق بالمؤلفين هو اهمال الكندوز اثبات اسماء المصححين او المحققين للمطبوعات الحجرية، علما بان العديد من هؤلاء كانوا من كتاب العصر الكبار ومن مسيري الحياة الفكرية والثقافية في المغرب كما هو مفصل في سفر «مملكة الكتاب» المنشور من قبل كلية الآداب والعلوم الانسانية في الرباط قبل عدة اعوام. وبالاضافة الى هذه السقطات المتكررة ، هناك امور اخرى واخطاء فاضحة في الترتيب الابجدي لاسماء المؤلفين، حيث نجد اسم الكنوني يأتي قبل كنون، والمفروض ان يأتي بعده، كذلك نجد التواريخ الهجرية المعدلة مع التواريخ الميلادية مضطربة وعشوائية، لأن المؤلفة اهملت حساب الشهور مما ادى الى وضع تواريخ غير صحيحة لعدد مهم من الكتب الحجرية، ومثال ذلك كتاب «اجوبة محمد بن المدني كنون» المطبوع في شهر رجب عام 1311هـ الذي يقابل عام 1894، وليس عام 1893، كما اثبتته المؤلفة كغيره من الطبعات من دون تدقيق.

* مصادر الكتاب

* وبالنسبة الى مصادر كتاب لطيفة الكندوز، فلدينا ملاحظتان عنها هما:

1 ـ اهمالها لبعض المصادر ككتاب: التأليف ونهضته في المغرب في القرن العشرين للمرحوم عبد الله الجراري، فهذا الكتاب زاخر بمعلومات مهمة ومفيدة عن كتاب المغرب خلال الفترة ما بين 1900 و 1972 .

2 ـ في كتاب الكندوز قسم خاص بعشرات المطبوعات المغربية تقول عنها المؤلفة، إنها لم تقف عليها، لكنها نسيت تسجيل المصادر التي استقت منها اسماء هذه الكتب التي تزيد على المائة عنوان وتمثل هذه النقطة نافذة مهمة نستطيع من خلالها فهم اسلوب المؤلفة في جمع مادتها وهي انها في حالة رؤيتها لأي كتاب مطبوع في المغرب سجلته في كتابها وكأنه من اكتشافها، ولو كان اكثر من 99 في المائة مما رأته وسجلته موجودا في كتابين فقط ، وهذا هو السبب الاساسي الذي دفع بالمؤلفة الى اجترار ما هو موجود في كتاب الادريسي وعبد الرزاق من دون ذكر مصدر كل كتاب، كذلك ساق هذا الاسلوب بالمؤلفة الى منعرج خطير ادى الى وقوع اخطاء من كل صنف، تاركة وراءها واجبا علميا واخلاقيا مهما، هو ضرورة اصلاح اخطاء الآخرين الذي من شأنه دفع البحث العلمي نحو الامام بدلا من الدوران في حلقة مفرغة.

* كاتب عراقي

* المنشورات المغربية

* المؤلفة: لطيفة الكندوز

* الناشر: وزارة الثقافة المغربية 2004