إخوان مصر بين الحرس القديم والتيار الحداثي

باحث مصري يتهمهم بالسطحية والسذاجة

TT

لم يكن عام 1928 عاما عاديا في تاريخ الحركات الإسلامية الجهادية. ففي هذا العام تأسست جماعة الأخوان المسلمين على يد مرشدها الأول الإمام حسن البنا (1906- 1949) في مدينة الاسماعيلية بمصر كحركة «سلفية مشرقية»، لكنها تحولت بعد ذلك الى اكثر الحركات الإسلامية إثارة للجدل، والأشد صداما مع السلطة، وتحريكا للركود الفكري لدى الحركات الجهادية. وفي كتابه «الإخوان المسلمون، أزمة تيار التجديد» الصادر حديثا عن دار المحروسة بالقاهرة يتتبع الباحث المصري عبد الرحيم علي تاريخ الإخوان المسلمين منذ أن اطلقها حسن البنا عام 1928 كردة فعل على النموذج العلماني التركي آنذاك، وكمحاولة مبكرة من الحركة الإسلامية السلفية لتطويق آثار ذلك النموذج وامتداداته في العالمين العربي والإسلامي، والتي يرجع إليها المؤلف الصراع الدائر الآن بين تيار الحرس القديم وتيار التجديد داخل الجماعة.

الملاحظة الأولى على هذا الكتاب أنه يبدأ من منطلق هجومي، غير مبرر في كثير من الاحيان، فهو يكيل الاتهامات لرموز الجماعة الإسلامية، دون أي دليل، أو إبداء أسباب لتلك الاتهامات، وهو يصف تعاملهم مع السلطة بالسطحية والسذاجة والجمود، والتعنت في التعامل مع الاقباط، كما انه يصف رسائل وأدبيات جماعة الإخوان على مدار تاريخها، بدرجة من العمومية وعدم الوضوح،

* ضيق التنفس

* يبدأ المؤلف كتابه بالمقارنة بين رؤيتين متباينتين في اعتقاده تقفان تحت مظلة واحدة لتنظيم «يعاني من ضيق في التنفس»، الحرس القديم المحافظ المتشبث بالموروث السياسي والفكري والتنظيمي، والجيل الجديد المتمرد المطالب بالتغيير والمراجعة والنظر في الثوابت. فهو يرى أن رؤيتي مصطفى مشهور ومأمون الهضيبي، كممثلين للحرس القديم ، يقيمان الأمور ضمن إطار قدري، لا مفر من القبول به، والتسليم بتبعاته، فلا يفكران في مراجعة مسبباته، وبالتالي ينعدم الاستعداد لممارسة النقد الذاتي وتصحيح المسار. إنهما، في رؤية الكاتب، ينطلقان من إيمان يقيني لا تعرفه الممارسة السياسية، وهو «ان المشاكل التي تعرض لها الإخوان ليست الا مقدمة للنصر الحتمي الذي لا يتكئ على معطى مادي». مشيراً الى الخلط القائم، عندهم، بين المعاناة الذاتية التي تتطلب الصبر والجد والصمود وبين الموقف السياسي الذي يتجاوز الأفراد وقدراتهم على التضحية والتحمل. وفي هذا السياق يرى الكتاب أن من المنطقي ان يكون تاريخ الأخوان، عند الحرس القديم، نقيا صافيا بلا أخطاء أو شوائب وأن تختفي فكرة المراجعة وإعادة النظر في الثوابت والمرتكزات القديمة، في حين يطرح التيار الجديد، ممثلا في رؤية مختار نوح، مقولة ان العمل السياسي يعني وجود أخطاء مشتركة لا ينفرد بها طرف دون آخر «فلا يعقل ان يوجد عمل حركي أو آخر سياسي لا توجد به أخطاء، والاعتراف بها أول الطريق لمعالجتها».

وحين يتعرض الكتاب لموقف التيارين من السلطة، يرى ان مشهور والهضيبي يتعاملان معها في اطار لا يخلو من السطحية والسذاجة، أو ،على الاقل، بتبسيط لا يدرك تعقيد المسألة وما تتسم به من تركيب وتداخل، في حين يختلف الأمر جذريا عند نوح، فهو، والكلام للمؤلف، من دعاة الوفاق بين الدولة والجماعة، وتنهض رؤيته من منطلق علمي عملي«عملي يدرك خصوصية الحياة المصرية، وعلمي يؤمن بأن السياسة ليست صراعا مطلقا بين الخير والشر».

الإخوان التقليديون بالنسبة له يعيشون خارج النظام، ويؤمنون بأنهم بعيدون عن المنافسة، وانهم سياسيون من طراز مختلف، وهذا ينعكس أيضاً على تعاملهم مع القوى الأخرى. فموقف مشهور يتسم بالكثير من التعنت في التعامل مع الاقباط والقوى السياسية المنافسة، وبالمنهج نفسه يتعامل مع الشيوعيين، وهو الموقف الذي يتناقض في رأيه مع موقف عصام العريان الذي يرى انه يجب الاعتراف بوجود الأخر بكافة تنويعاته السياسية والمذهبية والدينية والعرقية والاستعداد لتفهمه والتعامل معه.

وبعد رصده للاختلافات بين تياري الإخوان يعود عبد الرحيم علي لرصد بدايات جماعة الإخوان المسلمين، متتبعا حياة الإمام حسن البنا والجماعة التي أخذت صفتها القانونية عام 1932 حين انتقل البنا الى القاهرة من الاسماعيلية. وبرز نشاط الجماعة آنذاك بشكل ملحوظ. وكان أول عمل قام به البنا في القاهرة هو التعريف بالجماعة ونشر أفكارها وهيكلة أساليب عملها، وتوسيع قاعدتها. فأصدر في هذا السياق «القانون الأساسي للإخوان المسلمين» واللائحة الداخلية، ثم أصدر عددين من «رسالة المرشد» وشكل في 26 ابريل (نيسان)1933 نواة تنظيم نسائي عرف بـ«فرقة الأخوات المسلمات». وتمكن في أواخر مارس (آذار) 1933 من اصدار العدد الاول من جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية. وتوسعت الجمعية التي انشأها البنا خلال اقل من ستة اشهر، واصبحت لها في مايو 1933 خمس عشرة شعبة، بعضها كان جنينياً، والآخر في طور التكوين. وتألف أعضاء مجلس الشورى العام الاول، وهو المؤتمر العام الأول للإخوان المسلمين (مايو 1933) ، من نواب هذه الشعب وتمركز نقاشه حول مقاومة التبشير وإيقافه. أما المؤتمر الثاني (أواخر 1933) فأقر بتشكيل شركة مساهمة لإنشاء مطبعة صغيرة. ولم يكن نشاط البنا في هذه الآونة يتعدى المجال الدعوي بمعناه الضيق، غير انه انبثق عن المؤتمر الأول تشكيل أول مكتب إرشاد عام تألف من عشرة أعضاء يرأسهم المرشد العام، وقد اكتسبت الجماعة شكل المنظمة الحزبية الحديثة لأول مرة في المؤتمر العام الثالث (مارس 1935) الذي يمكن اعتباره بمثابة المؤتمر التأسيسي الأول للجماعة.

فقد وضع لأول مرة اللبنات الأساسية للجماعة كتنظيم سياسي عندما اعتمد تصنيفا حزبيا لدرجات العضوية كمراتب تنظيمية ، فحددها بأربع درجات هي الاخ المساعد والأخ المنتسب والأخ العامل والأخ المجاهد.

* طموحات مقموعة

* ويواصل عبد الرحيم رصده لصعود جماعة الإخوان حتى يصل الى الثمانينات التي شهدت ذروة صعود الجماعة باستيلائهم على النقابات، كقنوات بديلة، ولتوثيق صلتها بالقطاعات المتعلمة في الطبقات المتوسطة. وجاء هذا، كما يقول، كتطور طبيعي لطموحات الجماعة بعد نجاحهم في أوائل الثمانينات في السيطرة على الاتحادات الطلابية في الجامعات الكبرى، وكذا سيطرتهم على معظم مقاعد نوادي أعضاء هيئات التدريس بالجامعات.

وبحلول أوائل الثمانينات سيطر الإسلاميون على اتحادات طلاب الكليات الكبرى وأندية أعضاء هيئة التدريس بها محققين هزيمة لكل من اليساريين والموالين للحكومة على حد سواء. ومن اجل زيادة نشاط الحركة الإسلامية قررت قيادات الإخوان المسلمين في أواسط الثمانينات ان تقوم بحملات انتخابية في ابرز النقابات في مصر لكسب التأييد، وفي عام 1984 دخل «التيار الإسلامي» الموالي للإخوان المسلمين انتخابات نقابة الأطباء كجبهة منظمة لأول مرة. وفي خلال خمس سنوات تمكنوا من تحقيق انتصارات انتخابية متوالية، وفرض سيطرتهم على المجالس التنفيذية في نقابات الأطباء والمهندسين والصيادلة مع تحقيق وجود قوي في غيرها من النقابات.

وقد بدأت العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والدولة المصرية في التأزم تدريجيا منذ أوائل التسعينات، عندما قاطعت الجماعة الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 1990، وبدأت في ممارسة ضغوط مكثفة على النظام للمطالبة بتعديل قوانين الانتخابات. و بات واضحا في اعتقاده، منذ هذا التوقيت، تحول الجماعة من سياسة التناغم مع النظام وسياساته التي سادت طوال فترة الثمانينات الى سياسة المعارضة الضاغطة. وقد تضافر مع موقف الجماعة المتناقض جذريا مع موقف النظام مع حرب الخليج الثانية، حيث نجح التجمع النقابي المهني الذي تسيطر عليه الجماعة في تعبئة عشر نقابات مهنية للتوقيع على بيانات موجهة الى الرأي العام والقيادة السياسية والسفارة الأجنبية لمعارضة موقف الدولية الرسمي من الحرب. ولم يكن موقف الجماعة من حرب الخليج هو سبب التأزم الوحيد، بل ايضا قيام زلزال 1992 ليقوي من شعور الدولة بأن الإخوان باتوا دولة داخل الدولة، فسرعان ما راحت نقابات الأطباء والمهندسين والصيادلة تجوب قرى مدن مصر لتقديم المساعدات للناس وبدأت الدولة في وضع خطة مضادة. وكان أول بنود تلك الخطة تقليص سيطرة الجماعة على النقابات المهنية فأصدرت القانون 100 لسنة 1993 واتهمها الرئيس حسني مبارك، في حوار أجرته معه مجلة «نيوزويك» الأميركية في يونيو (حزيران) 1995، بالعنف. وسبق هذا حملة اعتقالات منظمة في صفوف الإخوان قبيل انعقاد مؤتمر السكان. 1994 وأصدرت الجماعة حينها بيانا ذكرت فيه أن أجهزة الأمن اعتقلت 179 إخوانيا في عدة مدن مصرية، وردت عليها وزارة الداخلية المصرية ببيان اتهمت فيه الإخوان المعتقلين بتوزيع منشورات تناهض مؤتمر السكان ونظام الحكم. ومن اشهر القضايا أيضا قضية حزب الوسط. ففي شهر ابريل 1996، كما يذكر الكتاب، ألقت أجهزة الأمن القبض على 13 من قيادي الإخوان بينهم 3 من مؤسسي حزب الوسط ووجهت إليهم اتهامات تضمنت إدارة جماعة الإخوان المحظورة والعمل على تعطيل أحكام الدستور والقوانين.

إلى أين يسير الإخوان؟ الجواب يعتمد على، أولاً، على مدى صلادة هذا التنظيم، أي الالتقاء بين الحرسين، القديم والجديد. فهل يلتقيان؟ يرى المؤلف ان التقاء المعسكرين، وان تم في لحظات وفرت الظروف الموضوعية والذاتية ممكنات التلاقي لها، إلا أن واقع الحال الآن يشير لصعوبة بل لاستحالة التلاقي، مشيرا الى ان المقصود بالتلاقي هنا هو الاستمرار في وعاء تنظيمي واحد تسيطر عليه أفكار المحافظين المتشددين من صقور الجماعة الإخوان. ومن هنا فان الافتراق حادث لا محالة، وكما تم في الوسط سيتم مع باقي أطياف هذا التيار، ان لم يكن اليوم فغدا، وان لم يكن بالجسد، فبالفكرة.

* «الإخوان المسلمون، أزمة تيار التجديد»

* المؤلف: عبد الرحيم علي

* دار النشر: دار المحروسة بالقاهرة